بازگشت

تتميم نفعه عميم


قد استفاضت الاخبار بل تواترت معني و اجمالا ببكاء الموجودات علي الحسين عليه السلام، و في جمله منها بكي عليه ما يري و ما لا يري.

و قد اتعب الفاضل المعاصر نفسه في اربعينه و اطنب في تحقيق معني البكاء في الموجودات، و المحصل من كلامه ان البكاء فيها يراد منه احد وجوه ثلاثه:

(الاول) ان المراد بالبكاء هو مبدا البكاء، و هو الحزن، لا انه جريان الدمع من العين، و الحزن جار و سار في جميع الموجودات، فان البكاء له معني عام و هو اظهار الحزن، و هذا المعني يكشف في الانسان بجريان الدمع و انقباض الجبهه، فكل ذي شعور حصل له انقباض الجبهه و حزن فهو باك، و جريان الدمع من


العين من الكواشف. و لا مدخليه للكواشف في معني البكاء، اذ المعتبر في صدق المفاهيم تحقق المبدا و الغايات لا الكواشف. كما في اسماء الله تعالي.

و فيه: مضافا الي التناقض في كلامه حيث قال اولا: ان البكاء هو اظهار الحزن، صرح اخيرا بان البكاء هو نفس الحزن. انه اشتبه عليه مبادي الشتقات و الاوصاف بمبادي المعاني، فان الحزن مبدا للبكاء و منشا له. نعم البكاء مبدا للباكي و يكفي في صدق الباكي وجود مبدئه و هو البكاء، و لو ثبت ان البكاء لغه الحزن يكفي في صدق الباكي وجود مبدئه و هو البكاء، و لو ثبت ان البكاء لغه الحزن يكفي في صدق الباكي وجود البكاء بمعني الحزن، فيكون الباكي و الحازن كالبكاء و الحزن مترادفان، و اني له باثباته، بل خلاف ما صرحوا به.

هذا، مع ان في جمله من الروايات ورد لفظ «الدمع» و جريان الدمع في غير الانسان كالملائكه و الجن.

(الثاني) ان المراد ببكاء الموجودات هو بكاء صورهم العقلائيه، اذ كل نوع من انواع الكليات له رب النوع العقلائي، فكلما حصل لاحد ارباب الانواع حزن يسيري في جميع افراد انواعه من الجمادات و النباتات.

و فيه: انه لو قلنا بارباب الانواع و المثل الافلاطونيه نقول: ان رب النوع و المثل ايضا موجود من الموجودات في عرض افراده في عالم الوجود، و هو يبكي ببكائه و الافراد ايضا يبكون ببكائهم، مع ان هذا يرجع الي الاول ان المراد بالبكاء هو الحزن، و سريان البكاء بهذا المعني من رب النوع الي افراد نوعه- مع انه لم يتحقق ما معناه و ما اراد به- فباي معني كان ممنوع جدا.

(الثالث) ان لكل شخص صوره عقلائيه في السماء يتحد مع صورته الجسميه، فاذا حزنت الصوره حزن الشخص.

و فيه: مع انه يرجع الي الثاني لا يصحح بكاء السماء و الارض و يرد عليه ما


يرد عليه، مع ان هذا خلاف صريح الاخبار و نصوصها.

قال الفاضل: و هذا هو المراد من قولهم عليهم السلام: بكي عليه ما يري و ما لا يري.

و ليت شعري كيف تصور الفاضل قدس سره الحزن و معناه في الصور العقلائيه و المثل، فباي معني تصور الحزن يتصور البكاء فيهم و في عوالمهم، فلا حاجه الي صرف لفظ البكاء الي مبدئه و منشاه و هو الحزن، فيقال كما قال رحمه الله: ان البكاء قد استعمل في معني عام و هو الحزن. و اطلاق البكاء علي بكاء الموجودات اطلاق حقيقي وضعي و ان لم يعرفه اهل اللغه. و فيه ما لا يخفي.

و التحقيق ان يقال: ان معني بكاء الموجودات كتسبيح الموجودات التشريعي لا التكويني، فان كل موجود له في عالم وجوده سمع و بصر و اذن و عين و بكاء (و ان من شي ء الا يسبح بحمده) [1] ، فالبكاء هو جريان الدمع من العين بسبب الحزن، الا ان العين و الدمع يختلفان بحسب اختلاف العوالم، ففي عالم الناسوت و العناصر لكل من له جسم تركيبي و قلب صنوبري و حدقه من الانسان و الحيوان و الوحوش و الطيور و السباع و امثال ذلك بكاوهم سيلان الماء من اله مخصوصه تسمي بالحدقه و العين.

و قد رايتا كثيرا من بعض الحيوانات كالخيل و البغال و الهره و الكلب و امثالهم يجري من احداقهم الماء اذا اصابتهم شده او وجع فيبكون، و قد نقل ذلك كثيرا جدا.

و اما السماء و الارض فبكاوهما من عينهما السماوي و الارضي سيلان الدم و ظهور الحمره. قال الصاق عليه السلام: بكت السماوات و الارض علي الحسين


و علي يحيي بن زكريا و حمرتهما بكاوهما.

و في روايه قال: قلت كيف تبكي السماء؟ قال: تطلع الشمس في حمره و تغيب في حمره. و في روايه: امطرت السماء ترابا احمر.

و في روايه عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قلت اي شي ء بكاوهما؟ قال: كانت اذا استقبلت بالثوب وقع علي الثوب مثل دم البعوضه. [2] .

و في هذا المعني اخبار كثيره.

و قد مر ان ما من حجر رفع الا و تحته دم عبيط، و بمعناه اخبار كثيره.

و اما الملائكه و الجن اذا تلبسوا لباس العناصر و تشكلوا بشكل الماديين العنصريين فبكاوهم كبكائهم كما ان تسبيحهم كتسبيحهم، و قد ورد اخبار كثيره في تسبيح الوحوش و الطيور بلسانهم و لغتهم و كذلك بكاوهم، و اما اذا لم يشكلوا بشكل الماديين فبكاوهم بجريان الدمع المناسب لذلك التالم من اعينهم المناسبه تسبيحهم بلسانهم و لغتهم في تلك العوالم، و هكذا كل موجود في عالم وجوده فبكاوه كتسبيحه.

و علي ما ذكرنا فالبكاء كالتسبيح استعمل في معناه الحقيقي، و هو التنزيه باللسان و جريان الدمع من العين، الا ان مصاديقهما تختلف بحسب اختلاف العوالم و الاشخاص. و علي هذا يحمل كل ما ورد في احاديثنا و احاديث العامه في بكاء الملائكه و اهتزاز العرش و تعجب كل ما ورد في احاديثنا و احاديث العامه في بكاء الملائكه و اهتزاز العرش و تعجب الملائكه و ضحكهم و امثال ذلك. فليتامل جيدا.


پاورقي

[1] سوره الاسراء: 44.

[2] انظر هذه الاحاديث و ما اشبهها في عوالم العلوم 473 -455 :17.