بازگشت

ازاحه وهم و دفع اشكال


قد استشكل بعض المورخين ممن عاصرناه في التنوير و الطلي مع عدم وجود الماء في ليله عاشوراء او تاسوعاء، و انه لا يمكن التنوير و الطلي الا بالماء.

و اجاب بما حاصله: امكان التدبير في اجزاء النوره بحيث يزيل الشعر و لا يحترق و لا يحتاج الي الماء. و ما ذكره- و ان كان ممكنا بل واقعا كما شاهدنا في علم الصنعه ان اختلاط جسم يابس كالملح مع جسم يابس آخر كالزاج يولد رطوبه بل يكون كالخمير باصطلاحهم، بل مزاج الروح و النوشادر و السليماني يصير الارض ذائبا مائعا بلا ماء و لا نار، بل و شاهدنا ان امتزاج مقدار اليمسو و الشعر و عرق الكبريت يحترق بنفسه احتراقا و يشتعل اشتعالا كالنار الموقده بدون ملاقاه الحراره و النار، و امثال ذلك كثير، و يمكن ان يكون المسك بعد مزجه بالنوره يجعل النوره مائعا.

الا ان الذي يسهل الخطب ان في ليله عاشوراء- و ان لم يكن ماء للشرب- الا ان الظاهر وجود ماء البئر لغير الشرب و سائر الحوائج كما مر بيانه، بل و يمكن


وجود الماء العذب بناء علي ما مر انفا من ارسال الحسين عليه السلام عليا ابنه و اتيانه بالماء.

(و منها) ما في المناقب قال: فلما كان وقت السحر خفق الحسين براسه خفقه ثم استيقظ فقال: اتعلمون ما رايت في منامي الساعه؟ فقالوا: و ما الذي رايت يابن رسول الله. فقال: رايت كان كلابا قد شدت علي لتنهشني و فيها كلب ابقع رايته اشدها علي، و اظن ان الذي يتولي قتلي رجل ابرص من بين هولاء القوم، ثم اني رايت بعد ذلك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و معه جماعه من اصحابه و هو يقول: يا بني انت شهيد آل محمد، و قد استبشر بك اهل السموات و اهل الصفيح الاعلي [1] ، فليكن افطارك عندي الليله، عجل و لا توخر، فهذا ملك قد نزل من السماء لياخذ دمك في قاروره خضراء، فهذا ما رايت و قد انف الامر [2] و اقترب الرحيل من هذه الدنيا و لا شك في ذلك. [3] .

(و منها) ما في اللهوف و البحار بل في جل المقاتل و التواريخ: ان الحسين عليه السلام قام الليل كله يصلي و يستغفر و يدعو و يتضرع، و قام اصحابه كذلك يصلون و يستغفرون، فباتوا و لهم دوي كدوي النحل بين قائم و راكع و قاعد. [4] . و كذا كانت سجيه الحسين عليه السلام في كثره صلاته و كمال صفاته.

و قد ذكر القرطبي في العقد الفريد انه قيل لعلي بن الحسين عليهماالسلام: ما كان اقل ولد ابيك! قال: العجب كيف ولدت له، كان يصلي في كل يوم و ليله الف


ركعه، فمتي كان يتفرغ للنساء. [5]

و في تاريخ الاعثم الكوفي: انه ما نام في تلك الليله الحسين عليه السلام و لا احد من اصحابه و اعوانه الي الصبح، و كذلك النسوه و الصبيان و اهل البيت كلهم يدعون و يوادعون بعضهم بعضا. فيا حسرتاه من تلك الليله، و اي ليله تاريخيه لم ير الدهر قبلها و لا بعدها مثلها.

و قد مر ما رواه المفيد و ابومخنف عن علي بن الحسين في وقائع تلك الليله، و قد مر ايضا شطر من روايه الحسين بن حمدان الحضيني في كتاب الهدايه باسناده عن ابي حمزه الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: لما كان اليوم الذي استشهد فيه ابي جمع اهله و اصحابه في تلك الليله. الي ان قال: فقال له القاسم بن الحسن: و انا فيمن يقتل؟ فاشفق عليه فقال له: يا بني كيف الموت عندك؟ قال: يا عم احلي من العسل، فقال: يا عم و يصلون الي النساء حتي يقتل عبدالله و هو رضيع؟ فقال: فداك عمك. يقتل عبدالله اذا جفت روحي و صرت الي خيمتنا فطلبت ماء و لبنا فلا اجد قط فاقول: ناولوني ابني لاشرف من فيه، فياتوني به فيضعونه علي يدي فاحمله لادنيه من في، فيرميه فاسق فينحره و هو يناغي، فيفيض دمه في كفي، فارفعه الي السماء فاقول: اللهم صبرا و احتسابا فيك، فتعجلني الاسنه منهم و النار تسعر في الخندق الي في ظهر الخيم، فاكر عليهم في امر اوقات في الدنيا، فيكون ما يريد الله. فبكي و بكينا و ارتفع البكاء الصراخ من ذراري رسول الله صلي الله عليه و آله.



پاورقي

[1] الصفيح کالامير: السماء کما في القاموس، و بمعني الجانب و الناحيه، و المعنيين يناسب المقام.

[2] انف الامر، من انف امره اي اعجله، او من انف الشي‏ء اذا اشتد. و في المصدر «و قد ازف».

[3] بحارالانوار 3:45 عن المناقب. و ورد ايضا في الفتوح لابن الاعثم 153:2.

[4] اللهوف ص 41. بحارالانوار 3:45، الارشاد للمفيد ص 216. الفتوح لابن الاعثم 152:2.

[5] العقد الفريد 384:4.