بازگشت

عود الي بدء


لما بلغ الحسين عليه السلام نزول عمر بن سعد بكربلا في اربعه آلالف- و في روايه في سته آلاف- و كان ذلك في اليوم الثالث من المحرم ارسل الي عمر بن


سعد ان القني الليل.

قال الطبري [1] : قال ابومخنف: حدثني ابوجناب، عن هاني ء بن ثبيت الحضرمي- و كان قد شهد قتل الحسين- قال: بعث الحسين عليه السلام الي عمر ابن سعد عمرو بن قرظه بن كعب الاصناري: ان القني الليل بين عسكري و عسكرك. قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا و اقبل الحسين في مثل ذلك، فلما التقوا امر الحسين اصحابه ان يتنحوا عنه و امر عمر بن سعد اصحابه مثل ذلك.

قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع كلامهما و لا اصواتهما، فتكلما فاطالا حتي ذهب من الليل هزيع [2] ، ثم انصرف كل واحد منهم الي عسكره باصحابه.

قال ابومخنف: حدثني المجالد بن سعيد الهمذاني و الصقعب بن زهير: انهما كانا التقيا مرارا ثلاثا او اربعا حسين و عمر بن سعد.

و في بعض الروايات: ان عمر بن سعد استدعي حسينا عليه السلام ان يلاقيه بين العسكرين و تنحوا اصحابهما، و بقي مع الحسين اخوه العباس و ابنه علي الاكبر و مع ابن سعد ابنه حفص و غلامه دريد.

قال ابومخنف [3] : و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد: اخرج معي الي يزيد بن معاويه و ندع العسكرين، قال عمر: اذا تهدم داري. قال عليه السلام: انا ابنيها لك. قال: اذا توخذ ضياعي، قال: اذا اعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر. قال: فتحدث الناس بذلك


و شاع فيهم من غير ان يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه.

قال ابومخنف: و اما ما حدثنا به المجالد بن سعيد و الصقعب بن زهير الازدي و غيرهما من المحدثين فهو ما عليه جماعه من المحدثين، قالوا: انه قال: اختاروا مني خصالا ثلاثا: اما ان ارجع الي المكان الذي اقبلت منه، و اما ان اضع يدي في يد يزيد بن معاويه فيري فيما بيني و بينه رايه، و اما ان تسيروني الي اي ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فاكون رجلا من اهله لي مالهم و علي ما عليهم.

اقول: و هذه الليالي كانت ليله الرابع و الخامس و السادس.

فلما وصل كتاب ابن زياد الي ابن سعد يهدده و امر بالتضييق و وبخه علي الملاقاه انقطع التلافي، و ذلك في اليوم السادس علي ما يجي ء.

و الظاهر- علي ما صرح به ابو مخنف في كلامه- انهما لما التقيا امرا اصحابهما ان ينتحوا عنهما، فلم يسمعوا صوتهما و لا كلامهما، فكلما تحدث الناس فهو تخرص بالغيب و ظن يظنونه. فما في بعض كتب العامه و تبه بعض الخاصه انه عليه السلام قال لعمر بن سعد: و اما ان اضع يدي في يد يزيد بن معاويه فيري ما بيني و بينه رايه. من الاكاذيب، يدل علي ذلك- مضافا الي انه عليه السلام ابي الضميم و قد صرح مرارا علي ما مر «اني لا اضع يدي في يد يزيد و لا اقره اقرار العبيد» و امثال ذلك، و كان هذا غايه امل يزيد و ابن زياد، و علي هذا خرج الحسين من المدينه الي مكه و من مكه الي الكوفه حتي استشهد هو و اصحابه و سبيت نساوه، فكيف يقول ذلك؟!

قال ابومخنف: و اما عبدالرحمن بن جندب فحدثني عن عقبه بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينه الي مكه و من مكه الي العراق، و لم افارقه حتي قتل، و ليس من مخاطبه الناس كلمه بالمدينه و لا بمكه و لا في الطريق و لا


بالعراق و لا في عسكر الي يوم مقتله الا و قد سمعتها، لا و الله ما اعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاويه و لا ان يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال: دعوني فلا ذهب في هذه الارض العريضه حتي ننظر ما يصير امر الناس.

نعم في كتاب عمر بن سعد الي ابن زياد جاء ذلك. قال ابومخنف: فكتب عمر ابن سعد الي عبيدالله بن زياد «اما بعد، فان الله قد اطفا النائره و جمع الكلمه و اصلح امر الامه، هذا حسين قد اعطاني ان يرجع الي المكان الذي منه اتي، او ان نسيره الي اي ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، او ان ياتي يزيد بن معاويه اميرالمومنين فيضع يديه في يده فيري فيما بينه و بينه رايه، و في هذا لكم رضي و للامه صلاح».

قال: فلما قرا عبيدالله الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لاميره مشفق علي قومه، نعم قد قبلت. قال: فقام اليه شمر بن ذي الجوشن، فقال: اتقبل هذا منه و قد نزل بارضك الي جنبك، و الله لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكونن اولي بالقوه و العزه و لتكونن اولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزله فانها من الوهن، و لكن لينزل علي حكمك هو و اصحابه، فان عاقبت فانت ولي العقوبه، و ان عفوت كان ذلك لك، و الله لقد بلغني ان حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامه الليل. فقال له ابن زياد: نعم ما رايت، الراي رايك.

و قال ابوالفرج [4] : فوجه عليه السلام الي عمر بن سعد فقال: ماذا تريدون مني، اني مخيركم ثلاثا: بين ان تتركوني الحق بيزيد، او ارجع من حيث جئت، او امضي الي بعض ثغور المسلمين فاقيم فيها. ففرح ابن سعد بذلك، و ظن ان ابن


زياد يقبله منه، فوجه اليه رسولا يعلمه ذلك و يقول: لو سالك هذا بعض الديلم و لم تقبله ظلمته. فوجه ابن زياد اليه: طمعت يا بن سعد في الراحه و ركنت اي دعه، ناجز الرجل و قاتله و لا ترض منه الا ان ينزل علي حكمي. فقال الحسين عليه السلام: معاذ الله ان ارجع الي حكم ابن مرجانه ابدا.

و في كتاب الامامه و السياسه لابن قتيبه قال: و كان مع عمر بن سعد من قريش ثلاثون رجلا من اهل الكوفه فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله ثلاث خصال لا تقبلون واحده منها. فتحولوا مع الحسين فقاتلوا معه. [5]

و مما اتفق عليه المحدثون و المورخون من الموافق و المخالف، بل كل من ذكر مقتل الحسين عليه السلام من غير نكير: انه لما كمل العده و العدد لابن سعد في اليوم السادس من المحرم و علم ابن زياد انه لم يجي ء للحسين عليه السلام ناصر و لا معين و اطمان من حده و عسكره انهم يحاربون الحسين، كتب الي ابن سعد بمنعه عن ماء الفرات.

قال الطبري [6] : قال ابومخنف: حدثني سليمان بن ابي راشد، عن حميد بن مسلم الازدي قال: جاء من عبيدالله بن زياد كتاب الي عمر بن سعد «اما بعد فحل بين الحسين و اصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطره، كما صنع بالتقي الزكي المظلومه اميرالمومنين عثمان بن عفان».

قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج علي خمسمائه فارس، فنزلوا علي الشريعه و حالوا بين الحسين و اصحابه و بين الماء ان يسقوا منه قطره، و ذلك قبل


قتل الحسين بثلاث.

و قال الاسفرايني: ثم ان عمر بن سعد دعي بحجار بن ابجر و عقد له رايته علي الفين فارس و امره ان ينزل علي مشرعه الغاضريات ليمنع الحسين و اصحابه من شرب ماء الفرات، و دعي بابن ربعي و عقد له رايه علي اربعه الاف و امره ان ينزل الشريعه الاخري و منيع الحسين و اصحابه من شرب الماء، فساروا جميعا و نزلوا علي الشوارع و احتاطوا بالحسين و ضيقوا عليه.

و في بعض الروايات: ان خولي بن يزيد الاصبحي- و كان من اقسي الناس قلبا علي الحسيين عليه السلام- كتب الي ابن زياد يقول فيه:

«اما بعد ايها الامير ان عمر بن سعد يخرج كل ليله و يبسط بساطا و يدعو الحسين و يتحدثان حتي يمضي من الليل شطره، و قد ادركه الرقه و الحرمه علي الحسين. فامره ان ينزل عم حكمك و يصير الحكم لي و انا اكفيك امره».

فلما قرا ابن زياد الكتاب كتب الي ابن سعد يقول:

«اما بعد يابن سعد، بلغني انك تخرج في كل ليله و تبسط بساطا و تدعو الحسين و تتحدث معه حتي يمضي من الليل شطره، فاذا قرات كتابي فامره ان ينزل علي حكمي فان اطلاع و الا فامنعه عن شرب الماء فاني حللته علي اليهود و النصاري و حرمته عليه و علي اهل بيته». فلما قرا الكتاب دعي بحجار بن ابجر- الي آخر ما في روايه الاسفرايني، فضيق اللعين ابن سعد علي الحسين و حال بينه و بين الماء، و كان الامير علي الماء عمرو بن الحجاج الزبيدي.

و قال ابن الجوزي: فصاح عمرو بن الحجاج بالحسين: هذا الماء تلغ فيه الكلاب و تشرب منه الخنازير و الحمر و الذئاب، و لا تذوق منه و الله قطره حتي تذوق الحميم في نار الجحيم. و كان ذلك يوم الثلاثاء سابع شهر محرم الحرام.


قال الطبري [7] : قال ابومخنف: و نازله عبدالله بن ابي حصين الازدي- و عداده في بجيله- فقال: يا حسين الا تنظر الي الماء كانه كبد السماء، و الله تذوق منه قطره حتي تموت عطشا. فقال الحسين عليه السلام: اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له ابدا.

قال حميد بن مسلم: و الله لقد عدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا اله الا هو لقد رايته يشرب حتي بغر [8] ثم يقي ء، ثم يعود فيشرب حتي يبغر فما يروي، فما زال ذلك دابه حتي لفظ عصبه- يعني نفسه.

و في البحار و غيره [9] : لما اضر العطش بالحسين، فاخذ الحسين عليه السلام فاسا و جاء الي وراء خيمه النساء، فخطا في الارض تسع عشره خطوه نحو القبله ثم حفر هناك، فنبعت هناك له عين من الماء العذب، فشرب الحسين و شرب الناس باجمعهم و ملاوا اسقيتهم، ثم غارت العين فلم ير لها اثر، و بلغ ذلك ابن زياد، فارسل الي عرم بن سعد: بلغني ان الحسين يحفر الابار و يصيب الماء فيشرب هو و اصحابه، فانظر اذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الابار ما استطعت و ضيق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان. فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غايه التضييق.

و يعجبني ان اذكر هنا مقطعا مما كتبه العلامه الشهرستاني في كتابه «نهضه الحسين» بعين عباراته، قال في عنوان «عطاشي الحرب في الشريعه» [10] :

لا يبرح البشر من احترام بعض الاداب في المپحاربات مهما كان المحاربون


وحوشا و كفره، كاجتنابهم قتل النساء و الابرياء و منع الماء و الطعام عنهما، و اصبحت حكومات اليوم تراعي هذه الاصول بعين الاحترام، و تعد ارتكاب هذه المظالم من اقبح الجرائم.

و قد نهي شرع الاسلام- كبقيه الشرائع السماويه- حصار الابرياء و التعرض بالنساء و منع الماء و الطعام عنهما او عن المرضي و الاسري و الاطفال، لانهم برآء مما قامت به رجالهم المحاربون. و قد منعت الشريعه و العاطفه ذبح الحيوان عطاشي.

اما الحزب السفياني فقد ارتكب كل هذه المظالم و الجرائم حنقا علي حسين الفضيله و اله.

و لا ننسي ما حدث يوم الدار يوم ثار المهاجرون و الانصار فحاصروا الخليفه عثمان بن عفان و طالبوه ان يسلم اليهم ابن عمه مروان، فاستغاث بعلي عليه السلام و شكي اليه العطش، و علي عليه السلام يومئذ يلتزم الحياد التام، فارسل اليه مع ذلك و لديه الحسن و الحسين يحملان له الماء و هو محصور و يحاميان عنه و عن بيته الجمهور، و تحملوا في سبيله الجروح و الجرائح، غير ان محمد بن ابي بكر تسور هو و من معه من وراء البيت و كان منهم ما كان.

و اما معاويه الدهاء فقد شيع الامر في اهل الشام بالعكس مما كان، بغرض بعثهم الي حرب اميرالمومنين عليه السلام، فنشر بينهم ان عثمان قتل عطشانا و ان عليا منع الماء عنه، لذلك سبق عليا في صفين الي استملاك المشرعه و منع اهل العراق من ورودها. اما علي عليه السلام فارسل ابطال العراق من فتحوها ثم تركها مباحه للجانبين، فابت نفسه الكريمه ان يقابلهم بالسوء، و قال: كلا لست امنع عنهم ماء احله الله عليهم.


فجدد ابن زياد هذه البدعه و امر بمنع الماء عن الحسين عليه السلام و من معه، و روج اكذوبته فكتب الي ابن سعد: حل بين الحسين و اصحابه و بين الماء، فلا يذوقوا منه قطره كما فعل بالتقي الزكي عثمان. مع ان الحسين عليه السلام هو الذي حمل الماء الي عثمان يوم الدار و عاني في سبيله المشاق.

و حاشا حسين الفضيله و علي الفتوه ان يرتكبا منع الماء علي ذي نفس، و لو فرض الامر كذلك فعلي م توخذ عشرات النساء و لفيف من الصبيه و الاطفال و المرضي بذلك فيحرمون من الماء المباح؟ كلا، فالاسلاميه بريئه و الانسانيه ناقمه من هذه المظلمه الفاحشه.

ترك ابن زياد ساقي الكوثر ممنوعا من الماء المباح ثلاثه ايام هو و صحبه و اله و عشرات من نسوته و صبيته يعانون هم و خيلهم العطش في شهر اب اللهاب بعراء لا ماء فيه و لا كلاء، و الخيل تصهل طالبته الماء و النسوه تعج لحاجتها الي الماء، و الصبيه تضج و تنظر الماء، و الرضيع يصرخ اذ جفت مراضعه، و الماء يلمع جاربا باعينهم، و المانعون ينتحلون الاسلام.

و كل هاتيك المظالم القاسيه من اجل الحسين عليه السلام لم يضع يديه في ايدي الظالمين، يبايعهم علي محو كتاب الله و سنه نبيه صلي الله عليه و آله و سلم. انتهي.

و سنذكر في ترجمه حبيب بن مظاهر و هلال بن نافع او نافع بن هلال ما يتعلق بهذا المقام، كما سيجي ء في ترجمه ابي الفضل عليه السلام: انه لما اشتد العطش بالحسين عليه السلام دعا اخاه العباس، فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و معه قربه، فاتوا بالماء عشرين قربه سالمين.

قال ابن قتيبه في كتاب الامامه و السياسه في منعهم الماء: فنزلوا و بينهم و بين


الماء ربوه- اي علو من الارض- فحالوا بينهم و بين الماء، فقال له شهر بن حوشب: لا تشربوا منه حتي تشربوا من الحميم. فقال عباس بن علي: يا اباعبدالله نحن علي الحق فنقاتل؟ قال: نعم. فركب فرسه و حمل بعض اصحابه علي الخيول، ثم حمل عليهم فكشفهم عن الماء حتي شربوا و سقوا، انتهي. [11]


پاورقي

[1] تاريخ الطبري 413:5.

[2] هزيع من الليل: اي مقدار منه، و هو نحو من ثلثه او ربعه.

[3] تاريخ الطبري 413:5.

[4] مقاتل الطالبين ص 114.

[5] الامامه و السياسه 11:2.

[6] تاريخ الطبري 412:5.

[7] تاريخ الطبري 412:5.

[8] البغر: الشرب بلاري.

[9] بحارالانوار 387:44.

[10] نهضه الحسين 103.

[11] الامامه و السياسه 11:2.