بازگشت

الوقائع المتأخرة عن وروده الي كربلا


(و ما جري عليه الي ليله عاشورا)

الاكثر بل ادعي الاتفاق علي ان عمر بن سعد ورد كربلا في اربعه الاف او سته الاف في اليوم الثاني من ورود الحسين عليه السلام بكربلا، و هو اليوم الثالث من محرم الحرام سنه احدي و ستين، و قيل اليوم الرابع.

و قال لسان المورخين و بعض اخر [1] : نزل بكربلا يوم السادس لا ستبعاد وروده في اليوم الثالث، لان وروده كان بعد نزوله عليه السلام بكربلا و كتابه الحر الي ابن زياد يخبره بوروده يوم الثاني، و هذا لا يمكن مع استمهاله و مشاورته و تفكره في امر الحسين ليله خروجه.

و هذا اشتباه واضح، و الاول هو الاصح، لان بعد وروده عليه السلام بذي خشب اخبر الحر بوروده، و كان ذلك قبل اربعه ايام من النزول بكربلا، و عند اطلاع ابن زياد تجهز و جمع العساكر لحرب الحسين، و كان ابن سعد عازما علي المسير الي الري، و كان معسكره في حمام اعين، فامره ابن زياد بالخروج الي حرب الحسين قبل وروده عليه السلام كربلا، و استمهل ابن سعد و شاور و عزم علي المسير الي حرب الحسين، فخرج في اليوم الثاني من المحرم و نزل كربلا في اليوم الثالث. هذا هو المستفاد من الاحاديث و التواريخ.

نقل الطبري عن ابي مخنف و مثله في الاخبار الطوال و غيره [2] باختلاف يسير


نشير الي مواضاع الاختلاف و اللفظ لابي مخنف قال: ثم نزل عليه السلام يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنه احدي و ستين، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن ابي وقاص من الكوفه في اربعه الاف، و كان سبب خروج ابن سعد الي الحسين ان عبيدالله بن زياد بعثه علي اربعه الاف من اهل الكوفه يسير بهم الي دستبي، و ان الديلم قد خرجوا اليها و غلبوا عليها، فكتب اليه ابن زياد عهده علي الري و امره بالخروج، فخرج معسكرا بالناس بحمام اعين، فلما كان من امر الحسين ما كان و اقبل الي الكوفه دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال: سر الي الحسين، فاذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت الي عملك. فقال له عمر بن سعد: ان رايت رحمك الله ان تعفيني فافعل. فقال له عبيدالله: نعم علي ان ترد لنا عهدنا. قال: فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد: امهلني اليوم حتي انظر. قال: فانصرف عمر يستشير نصحاءه، فلم يكن يتشير احدا الا نهاه.

قال: و جاء حمزه بن المغيره بن شعبه- و هو ابن اخته- فقال: انشدك الله يا خال ان تسير الي الحسين (فتاثم بربك و تقطع رحمك، فوالله لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الارض كلها لو كان لك، خير لك من ان تلقي الله بدم الحسين) فقال له عمر بن سعيد: فاني افعل انشاءالله.

قال هشام: حدثني عوانه بن الحكم، عن عمار بن عبدالله بن يسار الجهني، عن ابيه قال: دخلت علي عمر بن سعد و قد امر بالمسير الي الحسين عليه السلام، فقال لي: ان الامير امرني بالمسير الي الحسين، فابيت ذلك عليه. فقلت له: اصاب الله بك، ارشدك الله، اجل فلا تفعل و لا تسر اليه. فخرجت من عنده فاتاني آت فقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس الي الحسين عليه السلام. قال: فاتيته فاذا هو جالس، فلما رآني اعرض بوجهه، فعرفت انه قد عزم علي المسير اليه،


فخرجت من عنده.

فاقبل عمر بن سعد الي ابن زياد فقال: اصلحك الله انك و ليتني هذا العمل و كتبت لي العهد و سمع به الناس، فان رايت ان تنفذ لي ذلك فافعل و ابعث الي الحسين في هذا الجيش من اشراف الكوفه من لست باغني و لا اجزا عنك في الحرب منه، فسمي لي اناسا، فقال له ابن زياد: لا تعلمني باشراف اهل الكوفه، و لا استامرك فيمن اريد ان باعث، ان سرت بجندنا و الا ابعث الينا عهدنا، فلما رآه قد لج قال: فاني سائر.

قال: فاقبل في اربعه الاف حتي نزل بالحسين عليه السلام من الغد من يوم نزل الحسين نينوي. انتهي.

و في مقتل ابي اسحاق الاسفرايني قال: و اما ما كان من امر ابن زياد فانه اتاه رجل من عسكر الحر من غير علمه و قال: اعلم ايها الامير ان الحسين نزل في ارض كربلا و ضايقناه، و لولا كنا لرجع الي المدينه. فعند ذلك اطلق مناديا في الكوفه: يا معشر الناس من يات براس الحسين فله ملك الري عشر سنين. فقام اليه عمر بن سعد و قال: انا اتيك براسه. فقال: امض و امنعه من شرب الماء و اتني براسه. فقال: سمعا و طاعه. فعند ذلك عقد له رايه و امره علي سته الاف فارس، ثم امر بالمسير، فخرج من عنده و اتي داره. فدخلت عليه اولاد المهاجرين و الانصار الذين كانوا بالكوفه، و قالوا: ويلك يابن سعد لا تخرج الي حرب الحسين. فقال: لست افعل. ثم جعل يتفكر في ملك الري و حرب الحسين فاختارت نفسه ملك الري علي حرب الحسين، ثم جعل يقول...

قد اختلفت النسخ في نقل الابيات زياده و نقيصه، ففي القمقام [3] اولها:




دعاني عبيدالله من دون قومه

الي خطه فيها خرجت لحيني



و في جل النسخ:



فوالله ما ادري و اني لحائر

افكر في امري علي خطرين



ءاترك ملك الري و الري منيتي

ام اصبح ماثوما بقتل حسين [4]



و في جمله من النسخ:



حسين ابن عمي و الحوادث جمه

لعمري ولي في الري قره عين



و في القمقام:



و في قتله النار التي ليس دونها

حجاب و ملك الري قره عين



يقولون ان الله خالق جنه

و نار و تعذيب و غل يدين



فان صدقوا فيما يقولون انني

اتوب الي الرحمن من سنتين



و ان اله العرش يغفر زلتي

و ان كنت فيها اعظم الثقلين



وان كذبوا فزنابري عظيمه [5]

و ملك عظيم [6] دائم الحجلين



الا انما الدنيا لخير معجل

و ما عاقل باع الوجود بدين



و في روايه: انه لما انشا الابيات و انشدها سمع هاتفا ينادي و ينشد:



الا ايها النغل الذي خاب سعيه

و راح من الدنيا بخسه عين



ستصلي جحيما ليس يطفي لهيبها

و سعيك من دون الرجال بشين



اذا كنت قاتلت الحسين بن فاطم

و انت تراه اشرف الثقلين



فلا تحسبن الري يا اخبث الوري

تفوز به من بعد قتل حسين




قال الاسفرايني: ثم انه لما غلب عليه الشقاوه ركب هو و عسكره الي ان اتي شاطي ء الفرات.

و ينقل في بعض الكتب: انه كان له ابنان احدهما و هو الحفص يحرضه و الاخر يمنعه منعا شديدا، فلما غلب عليه الشقاوه اتي مع ابنه الحفص و كان معه في بعض المواقع. و سياتي في ترجمه مع حكايه دير الراهب و قضيه كامل و ما قال محمد بن سيرين من ظهور كرامات اميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين لقي عمر بن سعد يوما و هو شاب فقال: ويحك يا بن سعد كيف بك اذا قمت و يوما مقاما تجر فيه بن الجنه و النار فتختار النار.

(بيان):

دستبي بفتح اوله و سكون ثانيه و فتح التاء المثناه من فوق و الباء الموحده المقصوره. في القمقام [7] : و اصله دشت بي اي سمه و عقب فسميت دست بي كوره كبيره مقسومه بين الري و همدان الي ان سعي رجل من سكان قزوين من بني تميم يقال له حنظله بن خالد يكني ابامالك في امرها حتي صيرت كلها الي قزوين، فسمعه رجل من اهل بلده يقول كورتها و انا ابومالك. فقال: بل اتلفتها و انت ابوهالك. انتهي.

و العامه في زماننا يسمونها دشتابي، و في رقم الديوان يكنونها دشتبي، و تشتمل علي ازيد من ستين قريه.

قوله «حمام اعين» بتشديد الميم بالكوفه، ذكره في الاخبار مشهور، منسوب الي اعين مولي سعد بن ابي وقاص. قاله في القمقام [8] .


و اول ما صنع ابن سعد ساعه وروده بكربلا و حين نزوله- علي ما صرح به في روضه الصفا- ان بعث رجلا الي الحسين عليه السلام يساله لماذا جئت؟

قال الطبري و غيره [9] : فبعث عمر بن سعد الي الحسين عليه السلام عزره بن قيس الاحمسي فقال: ائته فاساله ما الذي جاء به و ماذا يريد؟ و كان عزره ممن كتب الي الحسين، فاستحيي منه ان ياتيه. قال: فعرض ذلك علي الروساء الذين كاتبوه فكلهم ابي و كرهه.

قال ابومخنف: و قام اليه كثير بن عبدالله الشعبي- و كان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شي ء، فقال: انا اذهب اليه، و الله لئن شئت لا فتكن به. فقال له عمر بن سعد: ما اريد ان يفتك به و لكن ائته فاساله ما الذي جاء به. قال: فاقبل اليه، فلما راه ابوثمامه الصائدي قال للحسين عليه السلام: اصلحك الله اباعبدالله قد جاء شر اهل الارض و اجراه علي دم و افتكه. فقام اليه و قال: ضع سيفك. قال: لا و الله و لا كرامه، انما انا رسول، فان سمعتم مني ابلغتكم ما ارسلت به اليكم، و ان ابيتم انصرفت عنكم. فقال له: فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك. قال: لا و الله لا تمسه. فقال: اخبرني ما جئت به و انا ابلغه عنك و لا ادعك تدنو منه فانك فاجر. قال: فاستبا ثم انصرف الي عمر بن سعد فاخبره الخبر.

قال: فدعا عمر قره بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قره الق حسينا فاساله ما جاء به و ماذا يريد؟ قال: فاتاه قره بن قيس، فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال: اتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظله تميمي و هو ابن اختنا، و لقد كنت اعرفه بحسن الراي، و ما كنت اراه يشهد هذا المشهد. قال: فجاء حتي سلم علي الحسين عليه السلام و ابلغه رساله عمر بن سعد اليه.


فقال الحسين عليه السلام: كتبت الي اهل مصركم هذا ان اقدم، فاما اذ كرهوني فانا انصرف عنهم.

قال: ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قره بن قيس اني ترجع الي القوم الظالمين، انصر هذا الرجل الذي بابائه ايدك الله بالكرامه و ايانا معك. فقال له قره: ارجع الي صاحبي بجواب رسالته و اري رايي. قال: انصرف الي عمر بن سعد فاخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: اني لارجو ان يعافيني الله من حربه و قتاله. انتهي.

و قال الدينوري [10] : فلما اتاه قره بن ابي سفيان [11] فابلغه قال الحسين عليه السلام: ابلغه عني ان اهل هذا المصر كتبوا الي يذكرون ان لا امام لهم و يسالونني القدوم عليهم، فوثقت بهم، فغدروا بي بعد ان بايعني منهم ثمانيه عشر الف رجل، فلما دنوت فعلمت غرور ما كتبوا به الي اردت الانصراف الي حيث منه اقبلت، فمنعني الحر بن يزيد و سار حتي جعجع بي في هذا المكان، و لي بك قرابه قريبه و رحم ماسه، فاطلقني حتي انصرف. فرجع قره فاخبره و قال ما مر.

و في بعض الروايت: انه لما رجع كثير انفذ عمر بن سعد رجلا آخر من خزاعه، فلما قرب من الحسين عليه السلام قال زهير بن القين: الق سلاحك و ادخل. فقال: حبا و كرامته ثم القي سلاحه و دخل الحسين يقبل رجليه و قال: يا مولانا ما الذي جاء بك الينا و اخذلك علينا؟ فقال عليه السلام: كتبكم. فقال: لعن الله الذين كاتبوك فهم اليوم من خواص ابن زياد. فقال: ارجع الي صاحبك و اخبره بذلك. فقال: يا مولاي من الذي يختار الناس علي الجنه؟ فوالله ما افارقك


حتي القي حمامي بين يديك. فقال له الحسين عليه السلام: و اصلك الله كما واصلتنا بنفسك. ثم اقام عند الحسين حتي قتل.

(بيان):

عزره بفتح العين و زاي بين المهملتين، و في بعض النسخ عروه بالواو. قاله في القمقام.

قوله: «قره بين قيس» كذا في جمله من الكتب، و في الاخبار الطوال للدينوري و روضه الصفا و حمله من الكتب قره بن سفيان الحنظلي.

قال الدينوري و غيره [12] : ثم كتب عمر بن سعد الي ابن زياد يخبره بذلك، فلما وصل كتابه الي ابن زياد كتب اليه في جوابه ما سياتي.

قال الطبري [13] : قال هشام عن ابي مخنف قال: حدثني النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي، عن حسان بن فائد بن بكير العبسي قال: اشهد ان كتاب عمر بن سعد جاء الي ابن زياد و انا عنده، فاذا فيه:«بسم الله الرحمن الحريم، اما بعد فاني حيث نزلت بالحسين بعثت اليه رسولي فاسالته عما اقدمه و ماذا يطلب و يسال، فقال: كتب الي اهل هذا البلد و اتتني رسلهم فسالوني القدوم ففعلت، فاما اذ كرهوني فبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فانا منصرف عنهم».

فلما قري ء الكتاب علي ابن زياد قال:



الان اذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاه و لات حين مناص



[14] .




قال: و كتب الي عمر بن سعد:

«بسم الله الرحمن الحريم. اما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت، فاعرض علي الحسين ان يبايع يزيد بن معاويه هو و جميع اصحابه، فاذا فعل ذلك راينا راينا».

قال: فلما اتي عمر بن سعد الكتاب قال: قد خشيت الا يقبل ابن زياد العافيه.

قال الدينوري [15] : فارسل عمر بن سعد بكتاب ابن زياد الي الحسين عليه السلام، فقال الحسين للرسول: لا اجيب ابن زياد الي ذلك ابدا، فهل هو الا موت فمرحبا به. فكتب عمر بن سعد الي ابن زياد بذلك، فغضب اللعين فقال...

و قال محمد بن ابي طالب: فلم يعرض ابن سعد علي الحسين ما ارسل به ابن زياد، لانه علم ان الحسين لا يبايع يزيد.

و في الفصول المهمه لنور الدين المالكي: قال كتب ابن زياد الي الحسين عليه السلام: «اما بعد فان يزيد بن معاويه كتب الي ان لا تغمض جفنك من المنام و لا تشبع بطنك من الطعام او يرجع الحسين علي حكمي او تقتله». [16] .

و في روايه [17] : انه كتب اليه عليه السلام «اما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلا، و قد كتب الي يزيد بن معاويه ان لا اتوسد الوثير و لا اشبع من الخمير او الحقك باللطيف الخبير، او ترجع الي حكمي و حكم يزيد بن معاويه. و السلام». و ارسله مع رجل، فلما اتاه و قرا الكتاب القاه عن يديه، فاستدعي الرجل الجواب


فقال عليه السلام: ماله عندي جواب فقد حقت عليه كلمه العذاب. [18]

(بيان):

قالوا: فلما رجع الرجل الي ابن زياد و بلغه ما اجاب عليه السلام اشتد غضبه فارسل عمر بن سعد، و هو بعيد، و ابعد منه كتاب يزيد الي ابن زياد بعد نزوله بكربلا. و يمكن بل هو الظاهر ان كتاب يزيد الي عمر بن سعد حين بلوغه خروج الحسين عليه السلام الي العراق و كتاب ابن زياد اليه كان مع عمر بن سعد او مقارنا لنزول بكربلا.

قوله «الوثير» الفراش اللين. و في الجمع: الميثره بالكسر غير مهموزه شي ء يحشي بقطن او صوف يجعله الراكب تحته، و اصله الواو و الميم زائده.

قوله «فقد حقت عليه كلمه العذاب». قوله تعالي (افمن حق عليه كلمه العذاب) [19] هي قوله (لاملان جهنم من الجنه و الناس اجمعين). [20] .

قالوا: فلما رجع الرسول الي ابن زياد و اخبره بما قاله عليه السلام في جواب كتابه اشتد غضبه و جمع الناس في جامع الكوفه، ثم خرج و صعد المنبر، ثم قال: ايها الناس انكم بلوتم ال ابي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، و هذا اميرالمومنين يزيد قد عرفتموه حسن السيره محمود الطريقه محسنا للرعيه، يعطي العطاء في حقه، قد امنت السبل علي عهده، و كذلك ان ابوه معاويه في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده يكرمهم العباد و يغنيهم بالاموال و يكرمهم، و قد زادكم في ارزاقكم


مائه مائه، و امرني ان اوفرها عليكم و اخرجكم الي حرب عدوه الحسين، فاسمعوا و اطيعوا. ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء و امرهم ان يخرجوا الي حرب الحسين و يكونوا عونا لابن سعد علي حربه. [21] .

و في الاخبار الطوال للدينوري [22] قال: بعدما غضب اللعين ابن زياد فخرج بجميع اصحابه الي النخيله ثم وجه الحصين بن نمير و حجار بن ابجر و شبث بن ربعي و شمر بن ذي الجوشن ليعاونوا عمر بن سعد علي امره.

اما شمر فنفذ لما وجه اليه، و اما شبث بن ربعي فاعتل بمرض. قيل فتمارض شبث و اراد ان يعفيه ابن زياد، فارسل اليه: اما بعد فان رسولي اخبرني بتمارضك و اخاف ان تكون من الذين اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزون، ان كنت في طاعتنا فاقبل الينا مسرعا. فاقبل اليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر الي وجهه فلا يري اثر العله. فلما دخل رحب به و قرب مجلسه و قال: احب ان تشخص الي قتال هذا الرجل عونا لابن سعد. فقال: افعل ايها الامير، فخرج. [23] .

قال الدينوري: و وجه ايضا الي الحارث بن يزيد بن رويم. قال: قالوا و كان ابن زياد اذا وجه الرجل الي قتال الحسين في المجمع الكثير يصلون الي كربلا و لم يبق منهم الا قليل، كانوا يكرهون قتال الحسين عليه السلام فيرتدعون و يتخلفون، فبعث ابن زياد سويد بن عبدالرحمن المنقري في خيل الي الكوفه و امره ان يطوف بها فمن وجده قد تخلف اتاه، فبينما هو يطوف في احياء الكوفه اذ


وجد رجلا من اهل الشام قد كان قدم الكوفه في طلب ميراث له، فارسل به الي ابن زياد، فامر به فضربت عنقه، فلما راي الناس ذلك خرجوا.

قال الاسفرايني: ثم ان ابن زياد ارسل لهم ابن ربعي في الف فارس و محمد بن الاشعث في الف فارس و شمر بن ذي الجوشن في اربعه الاف فارس، و قد كان ارسل قبله الحر بن يزيد الرياحي في الف فارس، و اتبع الجميع بحجار بن ابجر مائتا و عشرين الف فارس [24] و قال له: سر بهم الي عمر بن سعد و قل لهم: ان الامير ارسلهم اليك و يعلمك ان جمله ما عندك من الفرسان اربعين الف، و ليس فيهم شامي و لا حجازي و لا بصري، بل جميعا من اهل الكوفه، و معهم السيوف الهنديه و الرماح الخطيه، و جميعهم راغبين في قتل الحسين.

و في مناقب ابن شهر اشوب: و جهز ابن زياد عليه خمسا و ثلاثين الفا الفا- و في نسخه خمسا و عشرين الفا [25] - فبعث الحر في الف فارس من القادسيه، و كعب بن طلحه في ثلاثه الاف، و عمر بن سعد في اربعه الاف، و شمر بن ذي الجوشن السلولي في اربعه الاف من اهل الشام، و يزيد بن ركاب الكلبي في الفين، و الحصين بن نمير السكوني في اربعه الالف، و مضاير بن رهينه المازني في ثلاثه الالف، و نصر بن خرشه في الفين، و شبث بن ربعي الرياحي في الف، و حجار بن ابجر في الف. [26] .

و في البحار: ان ابن زياد لا يزال يرسل الي ابن سعد بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون الفا. [27] .


و فيه [28] عن محمد بن ابي طالب: فاول من خرج شمر بن ذي الجوشن في اربعه الاف فصار ابن سعد في تسعه آلاف- يعني مع اصحاب الحر- ثم اتبعه بيزيد بن ركاب الكببي في الفين، و الحصين بن نمير السكوني في اربعه آلاف، و فلانا المازني في ثلاثه آلاف، و نصر بن فلان في الفين، فذلك عشرون الفا، ثم ارسل الي شبث ابن ربعي- الي آخر ما مر. الي ان قال: فما زال يرسل بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارسل و راجل.

(بيان):

قد اختلفت كلمات المورخين و المحدثين و اهل السير و المغازي من الفريقين- بل كان من كتب وقعه الطف- في عدد اصحاب ابن سعد في يوم عاشورا، فمن مقل الي اربعه الاف الذين كانوا مع ابن سعد، و من مكثر الي الف الف، و من مفرط الي اربعمائه كما عن المسعودي و غيره، و مفرط الي ما لا يمكن احصاوه و اكثر من الف الف.

و نقل كلماتهم و عباراتهم في كتبهم و عقائدهم مما يورث التطويل. و الذي حققته و اعتقد به ان الجند النظامي العسكري الذي ياخذ المعاش من حكومه الوقت و لباسه و سلاحه و كلما يتوقف علي الحرب و الجدال يوخذ من ابن زياد و من بيت المال بامر يزيد هم ثلاثون الفا، و هم الذين رجعوا في اماره سعد بن ابي وقاص ابي عمر بن سعد من وقعه نهاوند و حرب العجم و نزلوا بالكوفه بامر عمر مرابطين منتظرين لامر الخليفه، لان بعد فتح ايران قد حدوا حدودا و ثغروا ثغروا مخافه هيجان الفرس او غيرهم علي ما ورد في التاريخ: ان الروس قد هجموا علي ايران قبل الاسلام مرتين من لاهيجان و جعلوا ثغرا في قزوين و همدان و خراسان


و الري و غيرها، و كان مركز الجند في الكوفه، و كانت بعد تمصيرها بمنزله العاصمه، و كان الجند المرابط الحاضر مع كل لوازمه و عدته ثلاثون الفا كما كان في اول الامر، فكلما ينقص واحد يجعل مكانه آخر، و امر ابن زياد بخروجهم الي حر بالحسين عليه السلام، فخرجوا باسرع وقت، و منهم الاربعه الاف الذين كانوا مع ابن سعد، فتكاملوا من اليوم الثاني من محرم الي السادس منه ثلاثون الفا، فخرج كل فرقه مع رئيسه و امره علي قانون الجيش، منهم الرماه و هم اربعه آلاف، و منهم من يرمي بالحجاره و هم ايضا علي ما في بعض الكتب اربعه الاف، و هولاء كلهم محاربون منقسمون علي الميمنه و الميسره و القلب و الجناحين، و كان للرماه مكان مخصوص مرتفع و كذا لذوي الاحجار، و كان جدالهم علي قانون خاص متبع في انظمه الحرب القديمه.

هذا الجند هو الذي قال عليه السلام عنهم: قد ازدلف عليه ثلاثون الفا، كل يتقرب بدمه الي الله.

و اما غير الجند و العسكر النظامي، فلا شبهه و لا اشكال انهم جاوا مع شيوخهم و زعمائهم و عشيرتهم، اما بامر ابن زياد او لرضاه او لطمع النهب و السلب و الجائزه كما هو عادتهم.

و اما عدد هولاء فلا يمكن احصاوه، لانهم غير محصورين و لا مضبوطين، فلعل هولاء بلغوا الي مائه الف او الف الف، لان العشائر في ذلك الوقت كانوا كثيرا منهم يسكنون الكوفه و نواحيها، و سنذكر ان منهم هاني ء، بن عروه و كان يركب مع ثلاثين الف دارع، و مثله في الكوفه كثيرون.

و غايه ما يقال في ذلك ما قاله الحسين عليه السلام:



و ابن سعد قد رماني عنوه

بجنود كوكوف الهاطلين




يعني قطرات المطر، و لا ينسب كلامه عليه السلام هذا الي الاغراق، بل هو كنايه عن عدم امكان الاحصاء عاده.

و قد ذكرنا قبيل هذا ان ابن زياد بعث سويد بن عبدالرحمن في خيل الي الكوفه ليفتش عن حال الناس في خروجهم الي كربلا، فلم ير الا رجلا شاميا فاخذه و قتله. و قد قيل: ان رجلا طاف بالكوفه حتي دخل الحمام فلم ير احدا من الرجال الا و خرج الي كربلا.

فعلي ما ذكرناه كلام المقل و المفرط انما صدر اما عنادا لتحقير القضيه او عصبيه او لعدم علمه بالتاريخ و عدم رجوعه الي الكتب المعروفه المعتبره. و الله الهادي.

و مما ذكرنا ظهر ان استبعاد بعض المورخين بانه كيف تجتمع هذه الفئه الكثيره في المده القليله. ليس في محله، و كذا استبعاده امكان تحصيل حوائجهم و تهيو لوازمهم و ترتيب معاشهم و علف دوابهم و امثال ذلك مما تحتاج هذه الفئه الكثيره المجتمعه في ارض قفر، فانه نشا من عدم علمه باوضاع الجند العربي و ترتيب تعيش الاعراب في الحضر و السفر، لا سيما عند الحرب. مع انهم كانوا قريبا من العاصمه الكوفه و بين النهرين، خصوصا اذا كانت الحكومه قويه مقتدره.

و قد اجتمع في صفين قريبا من مائه الف و عشرين الف اتباع علي عليه السلام و عسكره، و كذا قريبا من ثلاثمائه الف عسكر معاويه علي شاطي ء الفرات، و توقفوا هناك قريبا من سنتيتن.

و هذا لا استبعاد فيه بعد ما راينا في زماننا هذا قود العساكر من بلد الي بلد و من ناحيه الي ناحيه و من مملكه الي مملكه قريبا من الف الف و ازيد مع تمام مهماتهم و لوازمهم.


و قد يستبعد ان اجتماع هذا الجيش الكثيف لمحاربه نفر قليل العدد يقرب من اثنين و سبعين او مائه و سبعين او مائتين و ان كانوا شجعانا فرسانا هاشميين. مما لا تقبله العقول و الاذهان.

و هذا و ان كان بحسب الظاهر و النظر البدوي في محله، الا انه بعد التامل و التفكر في اطراف القضيه و النظر في التواريخ و الاحاديث و السير و المغازي يظهر انه لا محل لهذا الاسبتعاد، لان ابن زياد و اتباعه يعلمون محل الحسين عليه السلام في نفوس اهل الكوفه و حبهم له حبا شديدا، و قد بايع سفيره مسلم بن عقيل اربعون الفا او ثمانون الف شخص، و يخاف ابن زياد من نهضتهم و نصرتهم للحسين «ع» و لحوقهم به و اجتماعهم لديه من جوانب الكوفه و البصره، حتي انه لم يكن مطمئنا من عسكره ان يغتالوه و يحلقوا بالحسين كما لحق به جمع علي ما سنذكر في ترجمه الانصار، فلذا ضيق عليهم حتي قتل جمعا كثيرا بالتهمه و الظنه و اطمعهم بالاموال و العطايا و الرئاسه.

و علي هذا تهيا ابن زياد تهيوا شديدا و جمع جموعا كثيره، حتي اطمان من عسكره في اليوم السادس و عم انه لا يجي ء للحسين ناصر و لا معين. و قد ضيق عليه الجوانب بحيث لا يقدر احد ان يخرج او يدخل، و رصد المراصد و جعل عيونا في العسكر و خارجه، حتي ان حبيب بن مظاهر لما اتي ببني اسد لنصره الحسين عليه السلام اخبر ابن سعد بذلك و كان من الامر ما كان.


پاورقي

[1] ناسخ التواريخ سيد الشهداء 187:2.

[2] تاريخ الطبري 409:5، الاخبار الطوال ص 253، الفتوح لابن الاعثم 141:2.

[3] القمقام 368:1 و 375. المناقب لابن‏شهر اشوب 106:4، نفس المهموم ص 211، مقتل ابي‏مخنف ص 78.

[4] ام ارجع ماثوما. خ ل.

[5] فزنا بدنيا عظيمه. خ ل.

[6] و ملک عقيم. خ ل.

[7] القمقام 486:2. و انظر المعجم البلدان 454:2.

[8] المصدر السابق.

[9] تاريخ الطبري 410:5.

[10] الاخبار الطوال ص 253.

[11] في المصدر: قره بن سفيان.

[12] الاخبار الطوال ص 254.

[13] تاريخ الطبري 411:5.

[14] في بعض النسخ:



الان حين فتلته حبالنا

يرجوا الخلاص ولات حين مناص.

[15] الاخبار الطوال ص 254.

[16] الفصول المهمه ص 177.

[17] قال في القمقام: و الثاني هو الاصح. و ظاهره کغيره ان هذا الکتاب و وصوله اليه عليه‏السلام قبل مجيي‏ء ابن‏سعد الي کربلا.

[18] انظر بحارالانوار 383:44.

[19] سوره الزمر: 19.

[20] سوره هود: 119.

[21] بحارالانوار 385:4.

[22] الاخبار الطوال ص 254.

[23] بحارالانوار 386:44.

[24] کذا في خط المولف و العباره غير صحيحه.

[25] في النسخه التي رجعنا اليها «خمسا و ثلاثين الف». و الصحيح في تعداد المولف خمسا و عشرين الف.

[26] المناقب لابن‏شهر آشوب 106:4.

[27] بحارالانوار 386:44.

[28] المصدر السابق.