بازگشت

كربلا


نزل عليه السلام به يوم الخميس ثاني شهر محرم الحرام سنه احدي و ستين.

اما كونه يوم الثاني من المحرم فباجماع من المحدثين و المورخين من العامه و الخاصه. و اما كونه يوم الخميس فقد صرح بذلك الطبري و الجزري و ابومخنف و الارشاد و ابن نما و البحار و جمله من الكتب المعتبره المعتمده، الا ان في مقتل ابي مخنف المطبوع انه يوم الاربعاء، و تبعه في ذلك بعض من لا خبره له. و هو غلط واضح، لان عليه يكون يوم عاشوراء يوم الاربعاء و لم يقل به احد، و يكون ذو الحجه ناقصا بيومين بناء علي ما اتفقوا عليه من ان خروجه عليه السلام من مكه كان يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي الحجه. و قد قرر ان هذا الكتاب المنسوب الي ابي مخنف لا يعتمد عليه خصوصا فيما تفرد به، و النسبه غير صحيحه كما لا يخفي علي من نظر فيما روي عن ابي مخنف في تاريخ الطبري و الجزري و غيرهما. [1] . و اما كونه سنه احدي و ستين فسياتي تحقيقه.

و بالجمله كربلا اخر منازله عليه السلام و منزل آخره.

اما كيفيه نزوله عليه السلام في كربلا فقد اضطربت كلماتهم في ذلك زياده و نقصيه تقديما و تاخيرا، و نحن نذكر ما هو الاصح و نشير الي مواقع الاختلاف، فنقول:


قال الطبري [2] : قال ابومخنف: حدثني عبدالله بن جندب، عن عقبه بن سمعان قال: لما كان في آخر الليل امر الحسين بالاستقاء من الماء، ثم امرنا بالرحيل، فارتحلنا من قصر مقاتل... فلما اصبح نزل وصلي الغداه ثم عجل الركوب، فاخذ يتياسر باصحابه يريد ان يفرقهم فياتيه الحر بن يزيد فيردهم، فجعل اذا ردهم الي الكوفه ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون حتي اتوا نينوي. قال: فاذا راكب علي نجيب له و عليه السلاح يتنكب قوسه مقبل من الكوفه، فوقفوا جميعا ينتظرونه. قال الشيخ ابن نما [3] : قال جابر ابن عبدالله بن سمعان: فمضينا حتي اذا قربنا من نينوي، فاذا رجل من كنده اسمه مالك بن بشير معه كتاب عبيدالله بن زياد الي الحر.

قال ابومخنف [4] : فلما انتهي اليهم سلم علي الحر بن يزيد و اصحابه و لم يسلم علي الحسين عليه السلام و اصحابه، فدفع الي الحر كتابا من عبيدالله بن زياد.

قال ابوالفرج [5] : كان جوابا لما كتبه الحر في امر الحسين و ارسله من اقساس مالك، و قيل كتبه في ذي حسم [6] او في بعض الطريق.

قال ابومخنف [7] : فاذا فيه «اما بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي، فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن و علي غير ماء، و قد امرت رسولي ان يلزمك و لا يفارقك حتي ياتيني بانفاذك امري. و السلام».


قال: فلما قرا الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الامير عبيدالله بن زياد يامرني فيه ان اجعجع بكم في المكان الذي ياتيني فيه كتابه، و هذا رسوله و قد امره الا يفارقني حتي انفذ امره و رايه.

و في روايه: دفع الحر التاب الي الحسين عليه السلام فقراه، ثم اخذ الحر القوم بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء و لا في قريه، فقالوا: دعنا ننزل في هذه القريه- قال ابومخنف و السيد يعنون نينوي- او هذه القريه يعنون الغاضريه او هذه القريه يعنون شفيه. فقال: لا و الله ما استطيع ذلك، هذا رجل قد بعث الي عينا. [8] .

و في روايه قال له الحسين عليه السلام: الم تامرنا بالعدول عن الطريق. قال: بلي و لكن كتاب الامير قد وصل يامرني بالتضييق عليك و قد جعل علي عينا بذلك. فقال له الحسين: دعنا ويحك ننزل في هذه القريه- يعني نينوي- او هذه القريه يعني الغاضريه. قال: لا استطيع.

و سياتي في ترجمه يزيد بن زياد بن المهاجر ابي الشعثاء الكندي مكالمته مع رسول ابن زياد مالك بن النسير الكندي.

كما سنذكر في ترجمه زهير انه استشار الحسين عليه السلام للقتال فقال: ما كنت ابداهم بالقتال. ثم قال له: سر بنا الي هذه القريه حتي ننزلها فانها حصينه و هي علي شاطي ء الفرات. قال له الحسين: و ايه قريه هي؟ قال: هي العقر. قال الحسين عليه السلام: اللهم اني اعوذ بك من العقر. و في روايه: قال زهير له عليه السلام: فسر بنا حتي ننزل كربلا فانها علي شاطي ء الفرات. فدمعت عيناه عليه السلام ثم قال: اعوذ بك من الكرب والبلاء. فجعل اصحاب الحر يمنعون اصحاب


الحسين و يردونهم حتي تعالي النهار، فنزل عليه السلام.

و اما ما في مقتل ابي مخنف المطبوع [9] : لما ساروا جميعا الي ان اتوا كربلا، فوقفت فرس الحسين عليه السلام، فنزل و ركب فرسا اخري. فلم تنبعث الي سبعه افراس او ثمانيه، فسال عليه السلام عن اسم الارض فقالوا: الغاضريه. قال: هل لها اسم آخر؟ قالو: نينوا. قال: هل لها اسم آخر؟ قالوا: شاطي ء الفرات. قال: هل لها اسم آخر؟ قالوا: كربلا. فعند ذلك تنفس الصعداء و قال: ارض كرب و بلاء.

فليس لهذا في الكتب المعتبره و لا في التواريخ المعتمده عين و لا اثر، بل انما تفرد به و تبعه الطريحي في المنتخب و تبعه بعض المتاخرين.

و العجب من لسان المورخين [10] مع ان عنده كتبا و مصادر كثيره ينقل ذلك عن ابي مخنف مصرحا بانه يحيي بن لوط. و هذا اشتباه في اشتباه.

نعم في مقتل ابي اسحاق الاسفرايني انه عليه السلام لم يزل سائرا هو و من معه حتي اتوا الي بلده و فيها قوم، فسالهم عن اسم تلك البلده فقالوا: شط الفرات. فقال لهم: هل له اسم غير هذا؟ فقالوا له: يا اباعبدالله و لا تسال. فقال: سالتكم بالله هل لها اسم غير هذا؟ فقالوا: كربلا. فعند ذلك بكي و قال: هي و الله ارض كرب و بلاء، انتهي.

و فيه ايضا: ثم قال عليه السلام: يا قوم ناولوني قبضه من تراب هذه الارض. فاعطوه قبضه من تلك الارض فشمها، ثم استخرج طينه من جيبه و قال لهم: هذه الطينه جاء بها جبرئيل من عندالله لجدي رسول الله صلي الله عليه و آله و قال: هذه موضع تربه الحسين. ثم رماها من يده و قال: هما رائحه واحده.


و في تذكره السبط: قال الحسين عليه السلام: ما يقال لهذه الارض؟ فقالوا: كربلا. فبكي و قال: كرب و بلاء، اخبرتني ام سلمه قالت: كان جبرئيل عند رسول الله «ص» و انت معي، فبكيت فقال رسول الله: دعي ابني، فتركتك فاخذك و وضعك في حجره فقال جبرئيل: اتحبه؟ قال: نعم. قال: فان امتك ستقتله. قال: و ان شئت ان اريك تربه ارضه التي يقتل فيها. قال: نعم. قالت: فبسط جبرئيل جناحه علي ارض كربلا فاراها اياه. فلما قيل للحسين عليه السلام: هذه ارض كربلا، شمها و قال: هذه و الله هي الارض التي اخبر بها جبرئيل رسول الله، و انني اقتل بها.

ثم نقل السبط عن الشعبي انه قال: لما نزل علي عليه السلام بكربلا في مسيره الي صفين و حاذي نينوا- قريه علي الفرات- وقف و نادي صاحب مطهرته: اخبر اباعبدالله ما يقال لهذه الارض. فقال: كربلا، فبكي حتي بل الارض من دموعه ثم قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: كان جبرئيل عندي آنفا و اخبرني ان ولدي الحسين يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا. ثم قبض جبرئيل قبضه من تراب فشممني اياها فلم املك عيني ان فاضتا. انتهي كلامه.

قال السيد [11] : فلما وصلها قال: ما اسم هذه الارض؟ فقيل: كربلا. فقال: انزلوا، ههنا محط رحالنا و مسفك دمائنا، و ههنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله. و مثله في مثير الاحزان. [12] .

و في روايه: و قال ارض كرب و بلاء. ثم قال: قفوا و لا ترحلوا منها، فههنا و الله


مناخ ركابنا، و ههنا و الله مسفك دمائنا، و ههنا و الله هتك حريمنا، و ههنا و الله ذبح اطفالنا، و ههنا و الله تزار قبورنا، و بهذه التربه و عدني جدي رسول الله و لا خلف لقوله.

قال السيد [13] : فنزلوا جميعا و نزل الحر و اصحابه ناحيه.

و في كشف الغمه قال: فنزل القوم و حطوا الاثقال، و نزل الحر بنفسه و جيشه في ناحيه. [14]

و في مقتل ابي اسحاق الاسفرايني: ثم قال: يا قوم انزلوا و لا تبرحوا، فههنا و الله مناخ ركابنا و ههنا و الله يسفك دماونا، وههنا و الله تسبي حريمنا، و ههنا و الله يقتل رجالنا، و ههنا يذبح اطفالنا، وههنا و الله قبورنا، و ههنا و الله محشرنا و منشرنا، و ههنا يصير العزيز ذليلا، و ههنا و الله يقطع اوداجي و تخضب لحيتي بدمي و يعزي جدي و ابي و امي من ملائكه السماء، و ههنا و الله وعدني ربي لجدي و لا خلف لوعده. ثم نزل و نزلت اصحابه جميعا.

قال: و قد كان الحر اسرع، و حال بين الفرات و بين الحسين و من معه، و كان بينه و بينهم ثلاثه اميال و قيل خمسه اميال و قيل فرسخ. ثم ان الحسني عليه السلام امر بنصب الخيام للحريم و الاولاد.

و قال الطبري [15] في حديث عمار الدهني عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: فلما راي ذلك- يعني ملاقاته عليه السلام اوائل خيل عبيدالله- عدل الي كربلا فاسند ظهره الي قصباء و خلا كيلا يقاتل الا من وجه واحد، فنزل و ضرب ابنيته،


و كان اصحابه خمسه و اربعين فارسا و مائه راجل.

و في مروج الذهب: فعدل الي كربلا و هو في مقدار خمسمائه فارس من اهل بيته و اصحابه و مائه راجل. [16] .

فاقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السالم في الف فارس.

ثم ان الحسين بعد ما نزل في كربلا- علي ما صرحوا به- جمع ولده و اخوته و اهل بيته، ثم نظر اليهم فبكي ساعه ثم قال: اللهم انا عتره نبيك محمد «ص»، و قد ازعجنا و طردنا و اخرجنا من حرم جدنا و تعدت بنو اميه علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا علي القوم الظالمين.

و يظهر من السيد و البحار ان هذا الاجتماع قبل نزوله بكربلا، و المشهور هو الاول.

قال السيد [17] : فقام الحسين عليه السلام خطيبا في اصحابه ثم قال: انه قد نزل- الخ. و قد مر في باب الخطب و انها كانت في ليله عاشورا.

و في البحار [18] : ثم دعا الحسين عليه السلام بدواه و بياض و كتب الي اشراف الكوفه ممن كان يظنه علي رايه... ثم طوي الكتاب و ختمه و دفعه الي قيس بن مسهر الصيداوي. و هذا بعيد من جهات لا تخفي، و قد مر في باب الكتب و الرسائل انه عليه السلام كتبه و ارسله في اثناء الطريق.

و في اللهوف و البحار و غيره: ثم انه عليه السلام اقبل علي اصحابه و قال: الناس عبيد الدنيا. الي اخر ما سياتي في وقائق يوم عاشورا علي ما ذكره الاكثر.


فانتظر. قالوا: ثم كتب كتابا يوم وروده بكربلا الي محمد بن الحنفيه. و قد مر في باب الكتب.

(بيان):

قوله «مالك بن بشير» في النسخه الموجوده عندنا بالباء المفتوحه ثم الشين ثم الياء. و ضبطه في القمقام بالنون و السين المهمله بعده الياء. [19] و قال السيد الامين في لواعجه [20] : لعل صوابه مالك بن النسر، فيكون هو الذي ضرب الحسين عليه السلام علي راسه و سلبه البرنس. فالظاهر انه صحف احدهما بالاخر، و ليس ببعيد.

قوله «جعجع» الجعجعه الحبس. في المجمع: كتب عبيدالله بن زياد الي عمر بن سعد ان جعجع بالحسين، قال الاصمعي: اي احبسه، و عن ابن الاعرابي: يعني ضيق عليه، من الجعجعه و هو التضييق.

قوله «العراري» العاري من كل شي ء- قاله في القاموس.

قوله «في غير حصن» و في نسخه: في غير خفر.

قوله «نينوي» قال الحموي [21] : هو بكسر النون و سكون الياء و فتح النون، بسواد الكوفه ناحيه يقال لها نينوي.

و يظهر من الروايات المتقدمه ان نينوي ايضا قريه في هذا السواد، و يشهد لذلك قوله عليه السلام: دعنا ننزل في هذه القريه. قال الطبري و السيد و البحار يعنون نينوي، و كم له من نظير، منه كربلا علي ما سياتي عن قريب، و منه الطف.


قال الحموي و غيره [22] : الطف بالفتح و الفاء المشدده، ما اشرف من ارض العرب علي ريف العراق، و الريف ارض بها زرع و خصب. و الطف طف الفرات اي الشاطي ء، و الطف ارض من ضاحيه الكوفه في طريق البريه فيها كان مقتل الحسين عليه السلام، و هي ارض باديه قريبه من الريف فيها عده عيون ماء، جاريه، منها الصيد و القطقطانيه و الرهيمه و عين الجمل و ذواتها، و هي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي وراء خندق سابور- انتهي.

قوله «الغاضريه» في المراصد: بالغين المعجمه، قريه من نواحي الكوفه قريبه من كربلا [23] .

قوله «العقر» في المراصد [24] بفتح اوله و سكون ثانيه، و هو العقر الذي يكون معتمدا لاهل القريه، و هو في عده مواضع، منها عقر بابل قرب كربلا من نواحي الكوفه.

قوله عليه السلام «اللهم اني اعوذ بك من العقر». في المجمع: و عقره اي جرحه، و في الدعاء علي الانسان «و عقرا و حلقا» اي عقر الله جسده و اصابه الوجع في حلقه، و عقر البعير بالسيف فانعقر: اذا ضرب به قوائمه.

و ليس هذا من التطير المذموم، بل من باب تناسب الاسم و المسمي، و هذا باب واسع، منه قوله صلي الله عليه و آله لما خرج من مكه لقي رجلا قال: ما اسمك؟ قال: سالم. قال: سلمنا او سالمين. و امثال ذلك كثير.

قوله «كربلا» قال الحموي [25] : كربلاء بالمد، و هو الموضع الذي قتل فيه


الحسين بن علي المرتضي سلام الله عليهما في طرف البريه عند الكوفه. فاما اشتقاقه فالكربله رخاوه في القدمين، يقال جاء يمشي مكربلا. فيجوز علي هذا ان تكون ارض هذا الموضع رخوه فسميت بذلك. و يقال كربلت الحنطه اذا هذبتها و نقيتها... فيجوز علي هذا ان تكون هذه الارض منقاه من الحصي و الدغل فسميت بذلك. و الكربل اسم نبت الحماض... فيجوز ان يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به. و قد روي ان الحسين عليه السلام لما انتهي الي هذه الارض قال لبغض اصحابه: ما تسمي هذه القريه؟ و اشار الي العقر. فقال له: اسمها العقر. فقال الحسين: نعوذ بالله من العقر. ثم قال: فما اسم هذه الارض التي نحن فيها. قالوا: كربلاء. فقال: ارض كرب و بلاء، و اراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتي كان منه ما كان. انتهي.

و قال في ترجمه الكوفه [26] : لما فرغ سعد بن ابي وقاص من وقعه رستم بالقادسيه.. ثم توجه سعد نحو المدائن الي يزدجرد و قدم خالد بن عرفطه حليف بني زهره بن كلاب، فلم يقدر عليه سعد حتي فتح خالد ساباط المدائن. الي ان قال: و هرب يزدجرد الي اصطخر، فاخذ خالد كربلاء عنوه و سبي اهلها، فقسمها سعد بين اصحابه، و نزل كل قوم في الناحيه التي خرج بها سهمه فاحيوها. انتهي.

و يظهر منه و من سائر التواريخ ان كربلا كانت بلده معموره قبل تمصير الكوفه و البصره، و هذه الارض كلها تسمي كربلا، فلما فتحها عنوه و قسم الاراضي بين اصحابه فاحيوها سمي كل سهم باسم، فمنها الغاضريه التي منها يسير الي قبر العباس عليه السلام علي ما في بعض الروايات، و منها العقر، و منها نينوي، و منها شاطي ء الفرات. و علي ذلك فكربلا كانت في السابق اسما لكل هذه الارضي


و القري، و بعد ذلك سميت خصوص الارض التي قتل فيها الحسين عليه السلام و دفن فيها بذلك. و لعل هذه الارض هي موضع بلده كربلا المعموره سابقا، و المعموره في ذلك الزمان ليست بالجص و الآجر، حتي انه قال ابن عباس- علي ما في معجم البلدان- كانت منازل اهل الكوفه قبل ان تبني اخصاصا من قصب اذا غزوا قلعوها و تصدقوا بها فاذا عادوا بنوها، فكانوا يغزون و نساوهم معهم، فلما كان في ايام المغيره بن شعبه (بنت القبائل باللبن من غير ارتفاع و لم يكن لهم غرف، فلما كان في ايام اماره زياد) بنوا ابواب الآجر...

و يويد ما ذكرنا ما في المجمع، قال: كربلا موضع معروف، و بها قبر الحسين ابن علي بن ابي طالب عليه السلام، روي انه اشتري النواحي التي فيها قبره من اهل نينوي و الغاضريه بستين الف درهم و تصدق بها عليهم، و شرط عليهم ان يرشدوا الي قبره و يضيفوا زواره ثلاثه ايام.

قال المحدث النوري قدس سره في كتاب نفس الرحمن: و اما كربلا فالمعروف عند اهل تلك النواحي انها قطعه من الارض الواقعه في جنب نهر يجري من قبلي سور البلد و يمر بالمزار المعروف بابن حمزه، منها بساتين و منها مزارع و البلد واقع بينهما- انتهي.

و الظاهر ان النهر هو المعروف بالنهر الحسيني، و كان سابقا يمر من عند المخيم الي الميدان المسمي في زماننا بالبلديه، ثم يمر منه الي قبر ابن حمزه الواقع في اوائل المزار القديم المسمي بوايد طور سينا، و لقد راينا آثار هذا النهر عند تسويه شارع المخيم و جعل الحديقه و البستان عنده. و بالجمله فلفظ «كربلا» حيث يطلق في الاخبار لا يراد به خصوص البلد و لا ما يسمي به ما كان معمورا قبل فتحه عنوه. و سياتي عن قريب زياده توضيح في ذلك فانتظر.


قال الحموي [27] : و اما المسافات: فمن الكوفه الي المدينه نحو عشرين مرحله، و من المدينه الي مكه نحو عشر مراحل في طريق الجاده، و من الكوفه الي مكه اقصر من هذا الطريق نحو من ثلاث مراحل، لانه اذا انتهي الحاج الي معدن النقره عدل عن المدينه حتي يخرج الي معدن بني سليم ثم الي ذات عرق حتي ينتهي الي مكه.

و يظهر من ذلك كله انه عليه السلام سار من مكه الي كربلا و هي نحو مرحلتين عن كوفه نحو اربعه و عشرين يوما في اثنين و عشرين منزلا، و كان من ذي خشب- و هي علي ما في الروايه نحو ثلاثه اميال من القادسيه الي كربلا- في نحو اربعه ايام، و كان الحر يسايره في هذه المنازل و الايام، و كان الحر يخبر ابن زياد بامر الحسين عليه السلام كل يوم حتي نزلوا كربلا، ثم كتب الي ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلا. و ما ذكرناه من ترتيب المنازل و شرح ما وقع في كل منزل مع الاشاره الي موضع الاختلاف من خواص هذا الكتاب. و الله الهادي و هو الموفق للصواب.

و ينبغي التنبيه علي امور:

(الاول) ان ما ذكرنا من تفسير الالفاظ انما هو علي ما استفدناه من اللغه و العرف، و الا ففي لسان الاحاديث و الاخبار بل في لسان الشرع و اصطلاح الائمه عليهم السلام يراد من كربلا و الغاضريه و الطف و شاطي ء الفرات و الحائر و تل اعفر [28] و بين النهرين معني واحد.

اما ما ورد بلفظ «كربلا» فكثير جدا قد مر و سياتي، و اما غير كربلا غير ففي كامل


الزياره: قال ابوجعفر عليهاالسلام: الغاضريه هي البقعه التي كلم الله فيها موسي ابن عمران و ناجي نوحا فيها، و هي اكرم ارض الله عليه، و لولا ذلك ما استودع الله فيها اولياءه و انبياءه. فزوروا قبورنا بالغاضريه. [29]

و قد ورد اخبار اخر بلفظ الغارضيه. و قد مر في حديث ابي سعيد عقيصي قال عليه السلام: لان اقتل بالطف احب الي من ان اقتل بالحرم.

و مر ايضا في روايه ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال عليه السلام: لان ادفن بشاطي الفرات احب الي من ان ادفن بفناء الكعبه.

و ستاتي اخبار الحائر.

و في روايه داود بن فرقد قال عليه السلام: لان اقتل علي تل اعفر احب الي من ان اقتل بها- يعني مكه. [30]

و في روايه هاني ء بن هاني ء عن عليه السلام قال: ليقتل الحسين قتلا، و اني لاعرف تربته، الارض التي يقتل فيها قريبا من النهرين. [31]

و في حديث زائده المفصله الآتيه: و اومي- يعني جبرئيل- بيده الي الحسين عليه السلام: مقتول في عصابه من ذريتك و اهل بيتك و اخبار امتك بضفه الفرات [32] بارض يقال لها كربلا.

الي غير ذلك من الاحاديث الوارده في هذا الباب المستفاد منها ان المراد معني واحد قد عبر عنه بالفاظ مترادفه في عرفهم عليهم السلام، و ليس المراد خصوص القبر الشريف و البقعه المباركه و الصحن المطهر و البلده الطيبه، اذ ليس


في زمن صدور الاخبار بقعه و لا صحن و لا بلده، بل بعض الاخبار قد صدر قبل شهادته عليه السلام و عبر فيه بما ذكرنا، بل المراد بذلك ارض كربلا المحدوده عندهم بحدود معينه.

و اختلاف الحد في الاخبار مبني علي مراتب الفضل، ففي كامل الزياره قال: حدثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمه بن الخطاب، عن منصور بن العباس يرفعه الي ابي عبدالله عليه السلام قال: حرم قبر الحسين عليه السلام خمس فراسخ من اربعه جوانب القبر. [33]

و فيه ايضا: حدثني محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن اسحاق بن عمار قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ان لموضع قبر الحسين بن علي عليهماالسلام حرمه معلمومه، من عرفها و استجار بها اجير. قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك. قال: امسح من موضع قبره اليوم فاسمح خمسه و عشرين ذراعا من ناحيه رجليه، و خمسه و عشرين ذراعا مما يلي وجهه، و خمسه و عشرين ذراعا من خلفه، و خمسه و عشرين ذراعا من ناحيه راسه [34] - الي آخر الحديث.

و فيه ايضا باسناده، عن عبدالله بن سنان، عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: قبر الحسين عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضه من رياض الجنه [35] - الي آخر الحديث.

و فيه ايضا عن محمد بن اسماعيل البصري، عمن رواه، عن ابي عبدالله عليه


السلام قال: حرمه قبر الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من اربعه جوانبه. [36] الي غير ذلك من الاخبار.

و لا تعارض بين الاخبار و لا تنافي مع امكان الجمع، بل ظهورها في الفضل و الافضل. و تويد بل تدل علي ذلك الروايات المعنونه بعنوان تربه الحسين عليه السلام، مثل قوله عليه السلام: تربه الحسين تتم بها الصلاه و لو كانت ناقصه. اذ ليس المراد بالتربه خصوص ما يسجد عليه من التراب و لو في غير كربلا، بل المراد بالتربه ارض الحسين عليه السلام، كما يقال ارض بني اسد و تربه بني اسد و تربه بني فلان، و يقال بالفارسيه خاك گلهر خاك بختيار و امثال ذلك.

و في كامل الزياره باسناده عن ابي حمزه الثمالي عن ابي عبدالله عليه السلام قلت: جعلت فداك الي رايت اصحابنا ياخذون من طين الحائر ليستشفون به، هل في ذلك شي ء مما يقولون من الشفاء؟ قال: قال عليه السلام: يستشفي بما بينه و بين القبر علي راس اربعه اميال [37] - الي آخر الحديث.

و فيه عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبدالله عليه السلام قال: طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء و ان اخذ علي راس ميل. [38]

و فيه ايضا عن سليمان بن عمرو السراج، عن بعض اصحابنا، عن ابي عبدالله عليه السلام قال: يوخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر علي قدر سبعين باعا في سبعين باعا.

و انت خبير بعدم التعارض و التنافي بين هذه الاخبار الظاهره في بيان الافضل


فالافضل. و بالجمله فما ورد في فضل كربلا و فضل من بات بها ليله و فضل التربه لا يراد بها تحت القبه المطهره او بزياده الرواق المحترم او بزياده الصحن المقدس او بزياده البلد، بل المراد خمسه فراسخ في خمسه فراسخ، غايه الامر الافضل فالافضل حتي ينتهي الي القبر الشريف. فتدبر.

(الثاني) قد مر ان كلمه «حائر» يساوق و يرادف في عرفهم عليهم السلام لفظه «كربلا». و يويد ذلك بل يدل عليه ما في القاموس. قال: حائر اي كربلا كحير او موضع منه. و يظهر منه ان كلمه حائر بمعني كربلا وضع لغوي، و كذا اذا كان موضعا بكربلا. و يظهر منه ايضا انه مرتجل او منقول هجر معناه الاول، لا انه يراد به معناه المنقول منه من حار الماء اي تحير.

و بالجمله فليس «الحائر» لفظا مستحدثا باعتبار معناه من الحير، فما عن الشهيد «قده» في الذكري في بيان وجه التسميه: ان هذا الموضع حار الماء لما امر المتوكل باطلاقه علي قبر الحسين عليه السلام ليعفيه فكان لا يبلغه فيه الماء [39] لاطلاق الحائر علي هذا المكان في زمن الصادق عليه السلام بل قبل زمانه و زمن المتوكل بعده بسنين، فكيف يسمي حائرا في زمن المتوكل. اللهم الا ان يراد به وقوع القضيه لا وجه التسيمه، و هو بعيد. فتدبر.

و اعجب من ذلك ما عن ابن ادريس في محكي السرائر قال: و المراد بالحائر ما دار سور المشهد و المسجد عليه. قال: لان ذلك هو الحائر حقيقه، لان الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء. [40] و الظاهر ان المراد بالحقيقه هو القدر المتقين، لان استعماله في غير ما ذكر مجاز كما في شفاء الصدور، اذ لا


يستعمل في لسان الاخبار بل المتشرعه الحائر علي غير الموضع حتي يقال انه مجاز، و انما الخلاف في مقدار الموضع، و قد مر ما في القاموس انه موضع من كربلا قتل فيه الحسين عليه السلام. و قد ظهر ان لفظ «موضع» في كلامهم لا يراد به قبره الشريف علي ما توهمه بعض و قال: ان الحائر هو قبره الشريف. و هو خلاف الاخبار و العرف و اللغه.

و يظهر من ذلك كله ما في كلام المجلسي قدس سره حيث انه بعد ما نقل الاختلاف في كلمات الاصحاب في حد الحائر: فقيل انه ما احاطت به جدران الصحن، فيدخل فيه الصحن من جميع الجوانب و العمارات المتصله بالقبه المنوره و المسجد الذي خلفها، و قيل انه القبه الشريفه حسب، و قيل هي مع ما اتصل بها من العمارات كالمسجد و المتقل و الخزانه و غيرها. ثم قال: و الاول اظهر، لاشتهاره بهذا الوصف بين اهل المشهد آخذين من اسلافهم و لظاهر كلمات الاكثر [41] .

و قال قدس سره في كتاب الصلاه ما ملخصه: ان الاظهر ان الحائر مجموع الصحن القديم دون ما تجدد منه في دوله الصفويه، و هو تمام جهه القبله من الصحن و حجراته و ما انخفض فيه من الجهات الثلاث. انتهي.

فيه مواقع من النظر، للتهافت بين الكلامين اولا و استناده بالاشتهار بالوصف في زمانه بين اهل المشهد لا الي اللغه و العرف و الاخبار ثانيا. ثم استند في الصلاه الي الاظهريه، و لم يبين انه الاظهر من الاخبار او كلمات الاخيار او العرف و الاعتبار، و مع ذلك كله لا يمكن في زماننا هذا معرفه كيفيه وضع الصحن الشريف في زمن الصفويه و لا قبله و لا بعده. اذ لا انخفاض و لا ارتفاع، و تغير كل ذلك بحيث لا يمكن المعرفه الا بقول من لا يعتمد عليه. و اما كلمات الاكثر فسيجي ء بيانها.


و بالجمله تعيين الموضع و تحديده بهذه الوجوه في زمانه و دونه خرط القتاد، و لذا لجا بعض الفحول الي الاخذ بالقدرذ المتيقن، ثم اختلفوا في القدر المتيقن حتي افتي بعضهم بما هو شبه الوسواس بل الوسواس في الفتوي، و ليس في اللفظ اجمال حتي يوخذ بالقدر المتقين، و لا الشبهه في المفهوم حتي يتمسك بالاحتياط او البراءه، و ليس الشك في المصداق حتي يتمسك بالاصل.

و مع ذلك فهم رضوان الله عليهم بين مفرط في تعيين حد الحائر خمس فراسخ في خمس فراسخ من الجوانب الاربع و مفرط و هو ان الحائر فقط قبره الشريف او القبه الشريفه، مع اتفاقهم علي ان زمن صدور الاخبار و التعبير بالحائر- و هو زمن الصادقين و زمن التقيه- لم يكن علي القبر الشريف الا قبه صغيره عي ما يظهر من التواريخ، و لم يكن هناك صحن و لا حجرات و لا بيوت، بل يظهر من التواريخ ان التعبير بالحائر كان في زمان لم يكن الا قبره الشريف، و ان ورد في بعض اخبار الزياره: ثم قف علي باب الحائر. و سياتي بيانه.

و انما الجاهم رضوان الله عليهم الي ذلك ادله التخيير في المواطن الاربعه المخصصه لادله القصر في السفر، و بعد القطع بالتخصيص بصحه اخبار التخيير فلا شك في مقدار التخصيص، حتي يوخذ بالقدر المتيقن فيوخذ فيما زاد علي القدر المتيقن باخبار المخصص و هو ادله القصر، بلا نرجع في المقدار بنفس اخبار التخيير فنقول:

اما اخبار التخير فطوائف:

(منها) ما ورد بلفظ «الحائر»، كروايه الحميري باسناده عن ابي عبدالله عليه السلام قال: من الامر المذخور اتمام الصلاه في اربعه مواطن: مكه، و المدينه،


و مسجد الكوفه، و الحائر [42] .

يظهر منه ان الحائر- موضعا و مقدارا و حدا- كان معروفا عندهم و مبينا كمكه و المدينه و مسجد الكوفه و لهذا ترك الاستفصال، كما يظهر منه ان الحد ليس بمقدار مكان المصلي و لا بمقدار عشرين باعا او خمسين باعا او اكثر، بل يظهر منه ان الحائر كان موضعا متسعا فيه قبره الشريف كما صرح بذلك في المراصد، قال: الحاير موضع قبر الحسين عليه السلام لانه في موضع مطمئن الوسط مرتفع الحروف. [43]

و في المجمع: حرف كل شي ء طرفه و شفيره وحده. و قال فيه: الحائر هو في الاصل مجمع الماء، و يراد به حائر الحسين عليه السلام.

و لا يراد به مجمع الماء مثل غدير او غديرين او خمسه اذرع و لا خمسين ذراعا،بل المراد الارض المتسويه فيها انخفاض و ارتفاع و غدير يجمع فيه الماء عند كثره المطر او عند جريان الماء من الشط و نحوه، لما كان المتعارف في زماننا هذا في فصل الربيع عند اكثار المطر و طغيان الشط يسيل الماء و يجري و يحيط بالارض المستويه التي فيها انخفاض و ارتفاع، يسمونه الحور و الحائر و الحير، و قد راينا مرارا استيلاء الماء من السليمانيه الي الكوفه علي هذا البر بمقدار عشره فراسخ بل ازيد، بل ربما تسولي من كربلا الي الكوفه، و هذا البر في وقت استيلاء الماء يسمونه حورا و حائرا، و بعد جفاف الارض و فقدان الماء ايضا يسمونه الحور و الحائر من باب اطلاق المشتق علي ما انقضي عنه المبدا.

ففي الحقيقه الحور و الحائر في لسان العرب الي زماننا و هو الارض التي يحيط بها


الماء و لو مره واحده وقت الربيع ثم يجف، و الارض التي بمقدار عشره باعا او عشرين، و لو احاط بها الماء لا يسمونها حورا و لا حائرا. نعم الارض المستويه بمقدار فراسخ التي احاط بها الماء تسمي عندهم كل قطعه منها حورا و حائرا و حيرا.

و يظهر من التاريخ- كما مر- ان تلك القطعه من الارض يحيط بها الماء من الشط او من كثره المطر في الازمنه السابقه قبل وقعه الطف، و هذه الارض تسمي حورا و حائرا من قبل، و تسمي كل قطعه منها ايضا حورا و حائرا.

و علي هذا فما ورد في ابواب الزيارات: ثم قف عند باب الحائر، او ثم ادخل الحائر و امثال ذلك. [44] . و يظهر من ذلك كله ان الحائر اوسع دائره من البقعه و القبه و سور المسجد بل و سور البلد بل ينتهي الي فراسخ من كل جانب، فما في المجمع و غيره ان الحائر ما حواه سور المشهد الحسيني عليه السلام فيه ما لا يخفي.

(و منها) ما ورد بلفظ «عند قبر الحسين» كما في روايه زياد القندي قال: قال ابوالحسين موسي عليه السلام: احب لك ما احب لنفسي و اكره لك ما اكره لنفسي، اتم الصلاه في الحرمين و بالكوفه و عند قبر الحسين [45] . و بمعناه بهذا التعبير اخبار اخر.

و الذي يقوي في النظر: ان تعبير «عند قبر الحسين» اوسع دائره من لفظ الحائر، لان «عند» علي ما صرح به في القاموس هو الجانب و الناحيه. نعم هو مجمل بالنسبه لاخر الحد، اذ هو مجمل بالنسبه اليه، فخرج ما هو لا يصدق معه قبر الحسين و يدخل ما هو مصداق له بحسب العرف و العاده، و فيه افراد مشكوكه


يرجع فيها الي ادله القصر، الا ان هذا التعبير مثل قولهم: من اقام عند قبر الحسين ليلا. و لا شك انه يصدق علي من اقام في البلد بل في البساتين بل الي فرسخ بل الي فراسخ، لمن اراد القيام عند قبره عليه السلام زائرا.

و سنذكر في ترجمه علي بن الحسين عليه السلام ان السجاد قال لرجل: كان لي اخ مقتول عندكم. و المخاطب كان من اهل الكوفه و المقتول في كربلا.

و بالجمله تختلف عنديته باختلاف المقام و التعبير، و اما ما يناسب المقام فلا اشكال في انه يصدق علي ما يصدق عليه الحائر. فتدبر.

(و منها) ما ورد بلفظ «الحريم» و «الحرم»، ففي صحيحه علي بن مهزيار عن حماد بن عيسي عن ابي عبدالله عليه السلام انه قال: من مخزون علم الله الاتمام في اربعه مواطن: حرم الله، و حرم رسوله، و حرم اميرالمومنين، و حرم الحسين بن علي. [46]

و يظهر من التعبير عن مسجد الكوفه بحرم اميرالمومنين و ب ين القبر و المسجد فرسخ او ازيد ان الحرم و الحريم لا يقصر علي القبه و البقعه و الصحن و البلد، بل و لا الي البساتين كما هو الظاهر، بلا هذا هو المستفاد من العرف و اللغه.

و لا شبهه ان الحريم يختلف سعه وضيقا باختلاف ما ينسب اليه. قال في المجمع: و حريم البئر العاديه خمسون ذراعا، و حريم الدار حقوقها، و حريم قبر الحسين عليه السلام خمسه فراسخ من اربعه جوانبه، و في روايه فرسخ في فرسخ من اربع جوانبه، و في اخري خمسه و عشرون ذراعا من ناحيه رجله و خمسه و عشرون ذراعا من ناحيه راسه. و عن الصادق عليه السلام: حرم الحسين الذي اشتراه اربعه اميال في اربعه اميال، فهو حلال لولده و مواليه و حرام علي غيرهم


ممن خالفهم و فيه البركه. انتهي كلامه.

و الذي يقتضيه النظر ان لفظ «حرم الحسين» ليس من الموضوعات التي يرجع فيها الي اللغه و العرف، بل من الموضوعات المستنبطه التي يرجع في شانها الي الشارع، و قد عرفت اختلاف الاخبار في ذلك. و الذي يسهل الخطب امكان جمع الاخبار- بل ظهورها علي ما صرح به جمع- في الافضل فالافضل كما مر في اخبار اخذ التربه ايضا.

و بما ذكرنا ظهر الجمع بين الاخبار و العناوين، و ان الحد في اخذ الطين و ترتيب احكام طين القبر و جواز التخيير للمسافر هو خمسه فراسخ من كل جانب كما نطقت به الاخبار المستفيضه، بمعني ان كلما قرب من القبر كان افضل. و لا شك ان التراب الواقع علي القبر افضل من غيره، و التخيير و اتمام الصلاه حول القبر افضل من غيره، الا ان حد الاول عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، ثم خمسه و عشرون ذراعا في خمسه و عشرين ذراعا، ثم سبعون باعا، ثم ميل في ميل من اربع جوانب، ثم فرسخا في فرسخ، ثم اربعه اميال في اربعه اميال، ثم اربعه فراسخ في اربعه فراسخ، ثم خمسه فراسخ في خمسه فراسخ. و نسب هذا التفصيل الي الشيخ في المبسوط و المصباح، كما نسب ايضا الي ابني سعيد و حمزه.

و ان ابيت عن ذلك فالقدر المسلم الذي عليه المعظم تام البلد، نسب ذلك في المستند الي الشهره العظيمه، و اختاره النراقي و نسب ذلك الي ابن حمزه و المحقق و يحيي بن سعيد و السيد و الاسكافي و غيرهم، و اختاره المحقق في شفاء الصدور بعد نسبه القول اليهم.

و ان ابيت الا عن الاحتياط خروجا عن شبهه الخلاف، فالقدر المتقين هو تمام الصحن الشريف و البيوتات الخارجه عن الصحن الشريف حتي يصل الي قرب


باب العباس عليه السلام، لما صرح به المفيد في الارشاد ان روضه العباس خارجه عن حد البحر [47] فمقدار ذلك من اربعه جوانب داخل في الحد الحتياطي.

و فيما ذكرناه كفايه، و لعلنا نكتب رساله مستقله في ذلك ان وافقنا التوفيق. و الله تعالي هو الموفق.


پاورقي

[1] من الغريب ما قاله الدينوري (الاخبار الطوال ص 253) ان الحسين عليه‏السلام نزل کربلا يوم الاربعاء غره شهر محرم سنه احدي و ستين. و لعله اشتباه او سهو من النساخ «م».

[2] تاريخ الطبري 407:5.

[3] مثير الاحزان ص 48.

[4] تاريخ الطبري 408:5.

[5] انظر: مقاتل الطالبيين ص 112.

[6] قريه بالکوفه او کوره، منسوبه الي مالک بن عبدي هند بن نجم. انظر: معجم البلدان 236:1.

[7] تاريخ الطبري 408:5.

[8] هذا من بقيه روايه ابي‏مخنف في الطبري.

[9] مقتل ابي‏مخنف ص 75 مع اختلاف في بعض الالفاظ.

[10] ناسخ التواريخ سيد الشهداء 167:2.

[11] اللهوف ص 35.

[12] مثير الاحزان ص 49.

[13] اللهوف ص 35.

[14] لم نجده في المصدر.

[15] تاريخ الطبري 389:5.

[16] مروج الذهب الذهب 61:3.

[17] اللهوف ص 34.

[18] بحارالانوار 381:44.

[19] و کذلک في عده مواضع من تاريخ الطبري.

[20] لواعج الاشجان ص 99.

[21] معجم البلدان 339:5.

[22] معجم البلدان 35:4.

[23] مراصد الاطلاع 980:2.

[24] المصدر السابق 949:2.

[25] معجم البلدان 445:4.

[26] معجم البلدان 490:4.

[27] معجم البلدان 493:4.

[28] الاعفر: الرمل الاحمر، و کثيب اعفر: ذو لونين الحمره و البياض. و الظاهر انه يقال لکربلا و صفا لا علما.

[29] کامل الزيارات ص 269.

[30] کامل الزيارات ص 72.

[31] نفس المصدر.

[32] الضفه بالضاد و الفاء المشدده: من النهر جانبه و من البحر ساحله.

[33] کامل الزيارات ص 272.

[34] المصدر السابق.

[35] نفس المصدر.

[36] نفس المصدر.

[37] کامل الزيارات 280.

[38] المصدر السابق ص 275.

[39] الذکري ص 256.

[40] السرائر 342:1.

[41] البحار 89:86.

[42] وسائل الشيعه 549:5.

[43] مراصد الاطلاع 373:1.

[44] انظر کامل الزيارات ص 194 و 198 و 212 و 219.

[45] وسائل الشيعه 546:5.

[46] وسائل الشيعه 543:5.

[47] انظر الارشاد للمفيد ص 233.