بازگشت

يوم وروده بكربلا لاخته زينب


ما نقله و رواه جل المحدثين و المورخين من العامه و الخاصه باختلاف يسير زياده و نقيصه و الفاظا و عباره، و كانهم نقلوها بالمعني، الا ان جلا منهم ذكروها في ليله عاشورا و جمله منهم نقلها يوم وروده عليه السالم بكربلا في يوم عاشورا في آن القتال.

فان لسان المورخين بعد ذكر هذه الوصيه يوم وروده عليه السلام الي كربلا: روي عن زينب انها قالت: كنت واقفه بباب الخيمه انظر الي المعركه فاذا باخي الحسين قد اقبل، فدخلت الخيمه فتوجه الي فقال: يا زينب. فقلت: لبيك. و قال: يا فاطمه و يا سكينه و يا رقيه. فحضرن و قلن: ما حاجتك؟ فقال عليه السلم: فاني اوصيكن اذا انا قتلت- الي آخر ما سنذكره.

و الاصح ما ذكره الاكثر، و نذكر ما ذكره الشيخ و الطبري عن ابي مخنف و نشير الي مواضع الاختلاف، و اللفظ لابي المخنف. [1]

قال الطبري: قال ابومخنف: حدثني الحارث بن كعب و ابوالضحاك، عن علي ابن الحسين بن علي قال: اني جالس في تلك العشيه التي قتل ابي صبيحتها و عمتي زينب عندي تمرضني، اذا اعتزل ابي باصحابه في خباء له و عنده حوي مولي ابي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحه و ابي يقول:




يا دهر اف لك من خليل

كم لك بالاشراق و الاصيل



من صاحب او طالب قتيل

و الدهر لا يقنع بالبديل



و انما الامر الي الجليل

و كل حي سالك السبيل [2] .



قال: فاعادها مرتين او ثلاثا حتي فهمتها، فعرفت ما اراد، فخنقتني عبرتي فرددت دمعي و لزمت السكون، فعلمت ان البلاء قد نزل، فاما عمتي فانها سمعت ما سمعت، و هي امراه و في النساء الرقه و الجزع، فلم تملك نفسها ان و ثبت تجر ثوبها و انها لحاسره حتي انتهت اليه، فقالت: و اثكلاه، ليت الموت اعدمني الحياه، اليوم ماتت فاطمه امي و علي ابي و حسن اخي، يا خليفه الماضي و ثمال الباقي.

قال: فنظر اليها الحسين عليه السلام فقال: اخيه لا يذهبن حلمك الشيطان. قالت: بابي انت و امي يا اباعبدالله استقتلت نفسي فداك. فرد غصته و ترقرقت عيناه و قال: لو ترك القطا ليلا لنام. فقالت: يا ويلتي افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي و اشد علي نفسي. و لطمت وجهها و اهوت الي جيبها و شقته و خرت مغشيا عليها.

فقال اليها الحسين عليه السلام فصب علي وجهها الماء و قال لها: يا اخيه اتقي الله و تعزي بعزاء الله، و اعلمي ان اهل الارض يموتون و ان اهل السماء لا يبقون، و ان كل شي ء هالك الا وجه الله الذي خلق الارض بقدرته و يبعث الخلق فيعودون، و هو فرد وحده، ابي خير مني و امي خير مني و اخي خير مني، ولي و لهم و لكل مسلم برسول الله اسوه.

قال: فعزاها بهذا و نحوه و قال لها: يا اخيه اني اقسم عليك فابري قسمي، لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور اذا انا


هلكت.

قال: ثم جاء بها حتي اجلسها عندي و خرج الي اصحابه. انتهي ما في الطبري و الارشاد.

و قال السيد في اللهوف [3] في يوم وروده عليه السلام بكربلا: ثم نزل عن فرسه و انشا يقول «يا دهر» الي آخر الابيات بعينها و زياده. ثم قال: قال علي بن الحسين: و جعل يردد هذه الابيات فحفظتها منه و خنقتني العبره و لزمت السكوت حسب طاقتي، و اما عمتي- الي آخر ما مر، و يمكن توجيه كلامه رضي الله عنه بما يرجع الي كلام الشيخ [4] و ابي مخنف. فتامل.

(بيان):

قوله «و عنده حوي». بالحاء المضمومه و الواو المتوحه و الياء المشدده. و نذكر في ترجمته اختلاف النسخ في ضبطه، و المشهور جون بالجيم المفتوحه و الواو الساكنه ثم النون. و الظاهر من الروايات بل صريحها ان المصلح لسيفه عليه السلام هو جون و كان عالما باصلاح السلاح.

قوله «و ابي يقول». نسب هذه الابيات ابن ابي الحديد في شرح النهج الي بعض الشعراء الماضين، و ذكر ان جماعه سماهم باسمائهم قراوا هذه الابيات عند ظهور قتلهم و موتهم، ثم قال: ان زينب عليهاالسلام كانت عالمه بالتاريخ و ان الابيات تقرا عند ظهور القتل و تفرست بان اخيها مقتول لا محاله.

قوله «اف». اسم فعل بمعني اتضجر.

قوله «بالاشراق و الاصيل». الاشراق مصدر، من اشرقت الشمس اذا


طلعت. و الاصيل كامير ما بين المغرب و العشاء. و في بعض النسخ «بالاشراف» بالفاء جمع شريف، و في المجمع: و جمع الشريف شرفاء و اشراف- انتهي. و الاصيل صفه مشبهه، اي ذو اصل. و الاول لعله الاصح و الانسب.

قوله «من صاحب او طالب قتيل». في بعض النسخ: من طالب بحقه قتيل.

قوله «و كل حي سالك السبيل». في بعض النسخ: سالك سبيلي. و الاول هو الاصح و الافصح، و في روايه اللهوف زياده و هو قوله:



ما اقرب الوعد من الرحيل

سبحان ربي ماله مثيل



قوله «و قال يا اخيه». في روايه اللهوف و غيره زياده: و قره عيني.

قوله «و انها لحاسره». من حسرت المراه عن ذراعيها من باب نصر كشفتها. و ليست هذه الكلمه في روايه اللهوف و لا في غيره. نعم في جلاء العيون للمجلسي «حافيه» بدل حاسره، و هو الصحيح و الانسب مع كون جون في الخيمه. و لعل الحاسره تصحيف الحافيه او سهو من النساخ. فتدبر.

قوله «ليت الموت اعدمني الحياه». فيه من الفصاحه و البلاغه ما لا يخفي، و يستفاد منه ان الموت و الحياه امران وجوديان متضادان، قال الله تعالي (تبارك الذي خلق الموت و الحياه) [5] ضروره عدم تعلق القدره و الخلق بالامر العدمي المحض، فما يقال ان الموت هو عدم الحياه كلام علي خلاف التحقيق. و تمام الكلام في باب الاستصحاب من اصول الفقه.

قوله «يا خليفه الماضي و ثمال الباقي». في النسخ المصححه: يا خليفه الماضين و ثمال الباقين، و في غير مورد مثل الاخير و لكل منهما وجه، و لعل الاخير احسن


و انسب. فتدبر.

و في المجمع: الثمال ككتاب الغياث و الذي يقوم بامر قومه، يقال فلان ثمال قومه اي غياث لهم. و في بعض النسخ «و جمال الباقين» بدل ثمال.

قوله «يا اخيه». تصغير اخت للشفقه و المحبه، و نذكر في ترجم علي بن السين ما يوضح ذلك.

قوله «استقتلت». هكذا في النسخ الموجوده عندنا من تاريخ الطبري و ارشاد المفيد، و ليس في غيرهما مما بايدينا من الكتب هذه الكلمه، و الصحيح اتقتل او افتقتل.

قوله «لو ترك القطا ليلا لنام». هذا من الامثال، و القطاه بالهاء بالفتح و القصر واحده القطا، و هو ضرب من الحمام ذوات اطواق يشبه الفاخته و القماري، و في المثل «اهدي من القطا» قيل انه يطلب الماء مسيره عشره ايام فيرجع و لا يخطا طارده و لا وارده. [6]

قوله «افتغتصب». من اغتصب الشي ء اخذه قهرا.

قوله «و تعزي بعزاء الله». العزاء كسماء بمعني الصبر، يقال: عزي فلان من باب علم عزا صبر علي مانابه، فهو اسم قام مقام المصدر، اي تعزي بتعزيه الله. اراد عليه السلام التصبر و التسلي عند المصيبه، و شعاره ان نقول: «انا لله و انا اليه راجعون».

قوله «و اهل السماء لا يبقون». يستفاد من قوله عليه السلام ان موت اهل السماء و قيامهم ليس كموت اهل الارض، فان اهل الارض من عالم العنصر و عالم الناسوت و عالم التركيب و اهل السماء من عالم المجردات.


و قد حقق المحقق اللاهجي في شرح نهج البلاغه و بسط في الكلام علي ذلك بسطا و قال: ليس لاهل السماء العوالم البرزخيه، بل هم يتصلون من عالمهم الي عالم القيامه. بل صرح بان الائمه عليهم السلام ايضا ليس لهم العوالم البرزخيه، بل العوالم كلها عندهم عوالم عرضيه، بلخلاف سائر الناس فان عوالمهم طوليه. و من اراد تفصيل ذلك فليرجع اليه.

و في بعض النسخ «و اهل السماء يفنون» بدل لا يبقون.

قوله «فيعودون». في بعض النسخ فنعيدهم.

قوله «ابي خير مني». و اغلب النسخ قبله: و جدي خير مني.

قوله «لي و لهم و لكل مسلم برسول الله اسوع». ليس في اكثر النسخ كلمه «لهم». و لعله سهو من النساخ.

قوله «جيبا». الجيب بفتح الجيم- من القميص: طوقه.

قوله «و لا تخمشي». في المجمع الخموش الخدوش، و خمش وجهه يخمشه بالضم و الكسر خدشه و لطمه و ضربه و قطع عضوا منه، و خمشت المراه و جهها بظفرها اخرجت ظاهر البشره، ثم اطلق الخمش علي الاثر. و قال في الخدش انه فوق الكدح دون الخمش، لان الخمش يستعمل علي معني القطع.

و في روايه اللهوف بعد قوله «و اهل الارض يموتون و اهل السماء يهلكون» ثم قال: يا اختاه يا ام كلثوم و انت يا زينب و انت يا فاطمه و انت يا رباب انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تخمشن علي وجها و لا تقلن هجرا.

(تنبيه):

وصيته عليه السلام لاخته ام كلثوم مع كونها عالمه غير معلمه، و عارفه بالاحكام من الواجبات و المحرمات و المستحبات و المكروهات، و عالمه بان شق


الجيب و خمش الوجه و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر و الصراخ بالويل و العويل و الدعاء بذل و الثكل و الحزن مكروهه بل و بعضها محرمه، من باب اياك اعني و اسمعي يا جاره. مع ان اغلب ما ذكر مكروه علي غير الاب و الاخر و القرابه، و انما نهاهن لعدم التشبه بعزاء الجاهليه او مصالح اخري يدركها الذوق السليم.

و اما ما صدر منها عليهاالسلام في مجلس يزيد من شق الجيب فليس لاجل اصل المصيبه، بل لانها لما نظرت الي ان يزيد في مقام اضمحلال الدين و ترويج الكفر و اظهاره علنا و ابطال نتيجه الشهاده و السبي و اخفاء ما صدر من الراس الشريف من التكلم اعجازا و معجزه، قامت و شقت جيبها لتلفت انظار الحاضرين من اهل المجلس، ثم خطبت الخطبه و الجمت يزيد. و سياتي بيان ذلك مفصلا عند ترجمتها سلام الله عليها.

و اما ما صدر عنها في الكوفه من نطح الجبين بمقدم المحمل، فليس هذا مما نهيت عنه و ليس فيه تشبها بعزاء الجاهليه.

و لا يقال: ان النطح اولي بالمنع من الخدش، لان في الخدش و الخمش في الوجه لا خصوصيه في التشبه بالجاهليه كما هو الان معمول به في بعض الطوائف كالاكراد، و ليس في النطح و جرح الراس بالسيف تشبها، و لذا تري ان الشيعه في ايام عاشورا و غيرها عند ذكر مصائب الحسين عليه السلام لا يخدشون الوجه و لا يخمشون عملا بوصيه عليه السلام، بل يلطمون علي صدورهم و يجرحون رووسهم بالسيف و يسودون ابدانهم من اللطم لانه ليس فيه تشبها بعزاء الجاهليه الممنوع شرعا.

و بالجمله ما كان تشبها بعزاء الجاهليه لا يجوز بل يحرم في عزاء الحسين عليه السلام و سائر الائمه بل في كل مصائبهم، و كلما لم يكن تشبها فلا مانع منه بل


يستحب بل لا اقل من الجواز، لو لم يستلزم حراما او كراهه من جهه اخري. فتدبر.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري 420:5، مقتل ابي‏مخنف ص 76، الارشاد للمفيد ص 215، اللهوف ص 35.

[2] في بعض المصادر«سالک سبيلي».

[3] انظر ص 35.

[4] يريد الشيخ المفيد.

[5] يريد اول سوره الملک 2 -1 و هو (تبارک الذي بيده الملک و هو علي کل شي‏ء قدير- الذي خلق..).

[6] انظر مجمع الامثال 174:2.