بازگشت

في ذي حسم


قال السيد في اللهوف و الطبري [1] عن ابي مخنف عن عقبه بن ابي العيزار: قام الحسين عليه السلام في اصحابه بذي حسم فحمد الله و اثني عليه و ذكر جده فصلي عليه ثم قال:

«انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و ادبر


معروفها و استمرت جدا [2] ، فلم يبق منها الا صبابه كصبابه الاناء و خسيس عيش كالمرعي الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به، و ان الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المومن في لقاء الله محقا، فاني لا اري الموت الا شهاده [3] و لا الحياه مع الظالمين الا برما».

و في جمله من الكتب المعتبره انه عليه السلام خطبها يوم وروده كربلا. بعد نزوله و نصب الخيم جمع اصحابه و قام خطيبا فقال- الي آخر ما ذكر، و لعله الاصح و الانسب. و الله اعلم.

(بيان):

الظاهر ان المراد بتغير الدنيا و تنكرها و ادبار معروفها ليس خصوص ما نزل بهم من الامر، فهو نظير قول ابينا آدم عليه السلام حين وقف علي قبر هابيل بعد ما قتله قابيل فقال:



تغيرت البلاد و من عليها

و وجه الارض مخضر فسيح



فالمعني- و الله العالم بمراد اوليائه- انهم قد اسسوا اساسا تغيرت الدنيا عما هو المرجو من جريانها و انكرت و ادبرت معروفها بحيث صار المنكر معروفا و المعروف منكرا، و اسس هابيل اساسا تغيرت البلاد اذ لم يكن قبله قتل في البلاد، و اسس اساس القتل في الدنيا، فتغيرت البلاد بسبب قتله و جري اساس القتل.

و يويد بل يدل علي ما ذكرنا قوله «و استمرت جدا»، فانهم- عليهم لعائن الله- قد اسسوا اساس الظلم و الجور و العدوان و كون المعروف منكرا و المنكر


معروفا بقتلهم الحسين عليه السلام و اصحابه، كما دل عليه كثير من الاخبار في ان هذا الاساس باق و مستمر جدا الي ظهور الحجه و قيام القائم عجل الله فرجه و صرح بذلك مولانا زين العابدين عليه السلام في حديث منهال بن عمر الكوفي في الشام المنقول في الانوار النعمانيه، فانه قال ضمن كلام له عليه السلام معه: هذا- اي كون المعروف منكرا و المنكر معروفا- باق الي قيام القائم. و تمام الكلام في محله.

و علي هذا فكلمه «جدا» بعد «استمرت» بالجيم المنقوطه و الدال المهمله المشدده كما في نسخه الطبري الموجوده عندنا و القمقام و غيره من النسخ، من قولهم: فلان محسن جدا اي نهايه و مبالغه، صرح بذلك في المجمع. فما في بعض النسخ «حذا» بالحاء المهمله و الذال المشدده المعجمه، اي الناقه الماضيه بسرعه، و في بعضها «جذا» بالجيم و الذال المشدده، اي لم توصل. لعله سهو و اشتباه من النساخ. و ان اتعب الفاضل المعصار ايده الله نفسه و قرا «حذا» بالحاء المهمله و الذال المشدده، و كذا المعاصر المحدث الامين العاملي ايده الله حيث قرا «جذا» بالجيم في شرح اللفظ، و ان كا لهما ايضا وجه. [4]

قوله عليه السلام «فلم يبق منها الا صبابه كصبابه الاناء».

الصبابه بالفتح اي القليل، صرح بذلك في القاموس. و الصبابه بضم الصاد كثمامه بقيه الماء بعد الشرب كما في القاموس ايضا. و المعني فلم يبق الا قليل كبقيه الماء في الاناء، فما في بعض النسخ الصبابه بالضم في الموضعين لعله سهو و يحتاج الي تكلف و عنايه و تجريد كما لا يخفي.

و الاستثناء متصل، و المعني انه لم يبق من الدنيا غير المتغيره و لا المدبره


معروفها الا قليل نظير الاستخدام، و الا فيكون الاستثناء منقطعا، و هو مع انه بعيد يحتاج الي تكلف بارد.

و لما كان نفسه الشريفه عليه السلام بقيه من الخمسه الطيبه التي اشرقت الدنيا بنورهم و لم تكن في زمنهم بوجودهم الدنيا متغيره و معروفها مدبره و كان سلام الله عليه و عليهم آخرهم و لم يبق من عمره و بقائه في الدنيا الا قليل شبه نفسه في مده بقائه بالماء الباقي في الاناء بعد الشرب المنصب الي الارض، و اثبت لازما من لوازم المشبه للمشبه به و هو الانصباب، فيكون الكلام علي الاستعاره المكني بها.

و في تشبيه نفسه عليه السلام بالماء نكته لطيفه يعرفها من يعرفه، فان الماء في اصطلاح القرآن الكريم هو الامام لانه حياه كل شي ء، قال الله تعالي (ان اصبح ماوكم غورا فمن ياتيكم بماء معين) [5] ، اي اذا اصبحتم و امامكم غائب، الغائر و الغور هو الغائب- كذا ورد في التفسير عن اهله [6] . و لتحقيق الكلام مقام آخر.

قوله عليه السلام «الوبيل» الوخيم.

قوله عليه السلام «ليرغب المومن».

بفتح لام التاكيد جوابا لقسم محذوف. اكد الكلام بالقسم المحذوف. او بكسر اللام كما في بعض النسخ بلام امر الغائب. و في بعض النسخ «فليرغب» بصيغه امر الغائب، و الكل صحيح.

قوله عليه السلام «في لقاء الله». و في بعض النسخ: في لقاء ربه.

قوله عليه السلام «محقا». و في جمله من النسخ حقا، و في بعضها حقا حقا


مكررا، و الكل صحيح.

قوله «فاني لا اري الموت الا شهاده». كذا في الطبري الموجود عندنا. و كذا في القمقام و نفس المهموم و حمله من المقاتل. و في البحار و جمله من الكتب «سعاده» بدل «شهاده». و المعني علي الثاني واضح و علي الاول يحتاج الي لطف قريحه، و هو: ان المومن اذا مات من الهم و الغم و الكرب و الغصص التي تجري عليه من ان الحق لا يعمل به و الباطل لا يتناهي عنه مات شهيدا، و هو معني لطيف.

قوله عليه السلام «برما». برم برما و تبرم: ستم و تضجر. و في المجمع: برم بالكسر، يقال برم برما فهو برم مثل ضجر ضجرا فهو ضجر وزنا و معني: اذا سئمه و مله.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري 405:5 و اللفظ له، اللهوف ص 34. و انظر بحارالانوار 381:44.

[2] في اللهوف «حذاء» و ليست جمله «و استمرت جدا» في البحار.

[3] في اللهوف «الا سعاده».

[4] انظر: القمقام 353:1، ابصار العين ص 18، لواعج الاشجان ص 100.

[5] سوره الملک: 30.

[6] تفسير البرهان 367 -365 :5 ففيه احاديث عن اهل البيت عليهم‏السلام في تفسير الايه بما ذکره المولف هنا.