بازگشت

تقديم


توجه الامام الحسين عليه السلام من مكه المكرمه الي العراق بدعوه من شيعته بالكوفه ظاهرا، حيث كانت تتري عليه كتبهم عند وفاه معاويه بن ابي سفيان، يطلبون، فيها موافاتهم لا قامه العدل و رفع الظلم الذي شملهم علي يد حكام بني اميه، و بلغ الحال بهم ان صرحوا في بعض كتبهم بانهم سيشكونه الي جده اذا لم يلب طلبهم و يهملهم بايدي الجائرين المسيطرين عليهم بالقوه و الغلبه.توجه الي العراق اجابه لهذه الدعوه ظاهرا، و لكنه كان يعلم انه متوجه الي مصرعه بارض الطف و انه ستصيبه الشهاده مع اهل بيته و نفر من خلص اصحابه.. كان يعلم هذا يقينا باخبار من جده و ابيه عليهماالسلام، و لذا خرج من مكه موطنا نفسه علي الشهاده و استقبال الموت، غير هياب مما ينتظره من ضروب المصائب و المحن التي سترد عليه و علي اهل بيته و اصحابه.

خرج عليه السلام و قد صحبه جماعه كبيره يظن اكثرهم انه سيقدم علي ملك و سلطان، و يكون لهم الجاه العريض و الاموال الوافره بسبب الغلبه علي آل اميه و السيطره علي الكوفه او بالاحري علي العراق، اما اهل البيت و نفر يسير من الاصحاب كان دافعهم في مرافقه الامام نصره و القيام بخدمته مهما آلت اليه سفرتهم نحو العراق.


لقد خير عليه السلام مصاحبيبه في مناسبات شتي و اخبرهم في منازل عديده من المواقع التي كانوا ينزلون بها عن النتجيه التي تنتظرهم و مصيره و مصير من يصحبه من القتل و الشهاده، و ينقل ان آخر هذه المواقف الاخباريه كان في ليله عاشوراء التي خطب الحسين السبط في اصحابه و حل بيعته من رقابهم و اذن في انصراف من يريد منهم الانصراف، و صارحهم- كما صارحهم مرارا من ذي قبل- ان ليس في غد تلك الليله الا القتل و الموت تحت ظلال السيوف و الاسنه.

تفرق كثير من الاعراب و الغوغاء الذين صحبوا الحسين عليه السلام من مكه المكرمه او التحقوا به في الطريق، و بقي معه اهل بيته و الخلص من اصحبه، كما ان بعض الرجال انزاحوا الي معسكره في ليله عاشوراء و يومه، و صمد هولاء الصفوه للقتال حتي استشهدوا باجمعهم و وفوا بما عاهدوا الله تعالي عليه من نصر ابن بنت نبيه و المقاومه امام جيش الضلال و اعداء الاسلام، و بذلك تقربوا الي الله عز و جل و واسوا الرسول صلي الله عليه و آله و صنعوا لانفسهم تاريخا سيشع بالكرامه و البطوله و الشهامه مدي الاعصار المتعاقبه.

اهتم المورخون منذ القديم بتعداد اصحاب الحسين عليه السلام المستشهدين بين يديه في كربلاء، و ذكروا في مولفاتهم طرفا من تراجمهم و اشادوا بموقفهم المشرف في يوم عاشوراء، فنجد اعتناء بذكرهم و سرد اسمائهم خاصه في تاريخ الطبري و الكامل لابن الاثير و غيرهما من التواريخ القديمه.

و قد خص جماعه من العلماء ايضا مولفات خاصه باسماء من حضر في كربلاء و قتل في يوم عاشوراء، فذكروهم باسمائهم و اوصافهم و ما يتعلق بهم من تاريخ حياتهم و ترجمه احوالهم، اختصر بعضهم في ذلك و فصل البعض الاخر.


و لعل اقدم مولف في هذا الموضوع هو رساله الفضيل بن الزبير الاسدي الكوفي (من اصحاب الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام) التي حققها الاستاذ العلامه السيد محمد رضا الحسيني الجلالي و نشرها في نشره (تراثنا) العدد الثاني بعنوان «تسميه من قتل مع الامام الحسين»، و قد احتوت علي ذكر (107) شخصا من اصحاب الحسين عليه السلام.

و اشهر ما بايدينا في هذا الموضوع هو كتاب «ابصار العين في انصار الحسين»، لعلامه الادب و التاريخ الشيخ محمد السماوي (ت 1370(، فقد ترجم فيه لمائه و ثلاثه عشر شخصا من المقتولين بكربلاء، و طبق الكتاب مكررا في النجف الاشرف و ايران.

اما مولفنا العلامه المتبحر الشيخ فضل علي القزويني، فقد توسع في كتابه الذي نقدم له بهذه المقدمه (الامام الحسين عليه السلام و اصحابه) و تناول الاصحاب الحاضرين في كربلاء ذكورا و اناثا الشهداء و غير الشهداء، بالاضافه الي تناول مقتل الامام الحسين نفسه و سرد الاحداث التي رافقته منذ الخروج من مكه المكرمه حتي نهايه المجزره و بعض ما يتعلق بما بعدها من اللواحق المهمه.

يمتاز هذا الكتاب بالاحاطه و الشمول و الدقه فيما نقله المورخون و المناقشه الجاده في كثير مما نقلوه او استنجوه من الاحداث، و لا يكتفي بسرد الوقائع و استعراض الماجريات سردا متتابعا من دون الوقوف عندها وقوف باحث متامل كما صنعه اكثر مولفي المقتال في العصور المتخاره، بل وقف عند كل حادثه- خطيره او حقيره- ليدقق في جزئياتها بل و حتي في بعض الفاظها و ضبط مشتقاتها.


جاء الكتاب في تقسيم المولف في ثلاثه اقسام متمايزه:

القسم الاول: في الاصحاب الذكور الحاضرين بكربلا.

القسم الثاني: في مقتل سيد الشهداء عليه السلام

القسم الثالث: في من حضر الواقعه من نساء اهل البيت و غيرهن.

و راينا ان الانسب في الترتيب تقديم المقتل علي القسمين الاخرين، لا هميته في نفسه و تضمنه ليقاط هامه تجلي كثيرا من الظروف السابقه علي الشهاده و المقارنه لها، و بذلك يمكننا معرفه الاصحب و الدوافع التي دفعتهم لمرافقه الامام الحسين عليه السالم و الاستشهاد بين يديه.

و حين اعدادنا الكتاب للطبع راينا تنسيقه بالمقدار اللازم و تصحيح بعض عبارات المولف التي زل قلمه فيها فوقع في الخطاء ادبيه طفيفه، فقومنا ما كان يحتاج الي تقويم من دون تصرف في الجمل او تغيير في الاسلوب، رعايه للامانه و حفاظا علي عمل المولف فيما كتبه.

و كان من الضروري الرجوع الي المصادر التي رجع اليها المولف، فرجعنا اليها و الي غيرها بالمقدار الممكن و المتوفر لدينا و اثبتنا اسمها و محل النقل عنها في التعاليق، كما غلقنا علي الكتاب ما و جدنا الحاجه ماسه اليه من دنون التوسع في النقل و التعليق لئلا نثفل كاهل الكتاب و القاري ء.

و آخر دعوانا الحمد لله علي التوفيق و الهدايه و نساله تعالي التسديد في القوالنا و افعالنا و نطلب اليه عز و جل التوفيق لما فيه الخير و الصلاح.

قم 10 صفر سنه 1415 ه

السيد احمد الحسيني