بازگشت

في رحاب ادب الامام الحسين


لا ريب في أن الإمام الحسين(عليه السلام) يعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير.

وقد جاء علي لسان خصومهم «أنهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّـاً»، و«أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر» [1] .

وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء علي خطبة للإمام الحسين (عليه السلام): «إنّه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً، لما انقطع ولما حُصِر» [2] .

وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين(عليه السلام) [3] .

وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته وعدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّه (عليه السلام) التزم بالهدنة التي عقدها أخوه(عليه السلام) في زمن معاوية، فقد اُثر عنه (عليه السلام) في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنه (عليه السلام) في زمن أبيه (عليه السلام) قد ساهم في خطب المشاورة والحرب [4] ، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله الي الجمهور [5] .

وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلي نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء في أحدها: «تبـّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً، أحين استصرختمونا والهِين، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا ناراً قدحناها علي عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبْاً علي أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغيرِ عدل أفشوه فيكُم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه...».

واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة الي عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة [6] .

والأشكال الأدبيّة الاُخري التي طرقها أدب الإمام الحسين (عليه السلام) هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر [7] والحديث الفني.

ونشير الي نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا:

ـ 1 ـ



تبارك ذو العـلا والكبريـاءِ

تفـرّد بالجـلالِ وبالبقـاءِ



وسوّي الموت بين الخلق طُرّاً

وكلّهُـم رهــائنُ للفنـاء



ودنيانا ـ وإن ملنـا اليهـا

وطالَ بها المتاعُ ـ الي انقضاء



ألا إن الركونَ علـي غـرور

الـي دار الفنـاءِ من الفنـاءِ



وقاطنهـا سريعُ الظعنِ عنها

وإن كان الحريصُ علي الثَواءِ [8] .



ـ 2 ـ



اغـنَ عن المخلوق بالخالـقِ

تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ



واستـرزق الرحمن من فضله

فليس غيـر الله مـن رازقِ



مـن ظنّ أن الناس يغنونـه

فليس بالـرحمن بالـواثق



أو ظن أن المال مـن كسبه

زلّت به النعلان من حالق [9] .




پاورقي

[1] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[2] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[3] المجالس السنية: 21، 28، 30.

[4] راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه، في هذا الکتاب.

[5] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: 307 ـ 311.

[6] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: 311 ـ 303.

[7] للاطلاع التفصيلي علي خصائص کل شکل في أدب الحسين (عليه السلام) راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدکتور محمود البستاني.

[8] عن ديوان الإمام الحسين: 4 / 115.

[9] عن البداية والنهاية: 8 / 228.