بازگشت

في رحاب ادعية الامام الحسين


لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السلام) بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.

فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الانسان في الحياة كما قال تعالي: (قل ما يعبؤُاْ بكم ربّي لولا دعاؤكم) [1] هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلي ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.

والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحج وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم.

وتفرّدت أدعية أهل البيت(عليهم السلام) في المحتوي والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثري وأين الثريّا؟

وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السلام) علي سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.

1 ـ قال (عليه السلام): أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام [2] .

2 ـ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو: اللهم إنك تَري ولا تُري وأنت بالمنظر الأعلي وإنّ اليك الرجعي وإنّ لك الآخرة والاُولي، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزي [3] .

3 ـ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله (عليه السلام): «اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء» [4] .

وقال في معني الاستدراج: الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ

ويَسْلُبَه الشُكرَ [5] .

4 ـ ومن أدعيته في قنوته: «اللهمّ مَن آوي إلي مأوي فأنتَ مأوايَ، ومن لجأ الي مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ علي محمّد وآلِ محمّد واسمع ندائي وأجب دُعائي واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتي تقلبني اليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ» [6] .

5 ـ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: «اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ومكمَناً لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك علي ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك وتدعو اليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ علي ما منه أريتني وإليه آوَيتني».

6 ـ وله دعاء يُسمّي بـ (العشرات).

7 ـ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ [7] .

8 ـ وروي أن شريحاً دخل مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) فوجد الحسين(عليه السلام) في المسجد ساجداً يعفِّر خدّه علي التراب وهو يقول: «سيّدي ومولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! انّ طاعَتي لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك واغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين» [8] .

9 ـ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحاً

منك وسلاماً مِنّي، وقال(عليه السلام): إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم الي أن تقوم الساعةُ حسنات [9] .

10 ـ ومن دعائه في الصباح والمساء قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله ومن الله وإلي الله وفي سبيل الله وعلي ملّة رسول الله وتوكّلت علي الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري اليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً إنك تعلمُ ولا أعلم وتقدرُ، ولا أقدِر، وأنت علي كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين» [10] .

وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين (عليه السلام) فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه علي الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا الي مقاطع منه في بحوث سابقة.

وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء:

«الحمدلله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمدلله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّي الله علي خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأ نّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّي لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت» [11] .


پاورقي

[1] الفرقان (25): 77.

[2] بحار الأنوار: 93 / 294.

[3] کنز العمال: 8 / 82، ومسند الإمام أحمد: 1 / 201.

[4] بحار الأنوار: 78 / 128.

[5] تحف العقول: 175.

[6] نهج الدعوات: 49.

[7] إحقاق الحق: 11 / 595.

[8] المصدر السابق: 11 / 424.

[9] مستدرک الوسائل: 2 / 373 الحديث 2323.

[10] مهج الدعوات: 157.

[11] بحار الأنوار: 98 / 218 ـ 219.