بازگشت

الحسين وحيدا في الميدان


حينما التفت أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) يميناً وشمالا ولم ير أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدين(عليه السلام) من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه واُم كلثوم تنادي خلفه: يابني ارجع. فقال: «يا عمّتاه! ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله(صلي الله عليه وآله)».

وإذا بالحسين(عليه السلام) ينادي: «يا اُم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد(صلي الله عليه وآله)» [1] .

ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسين(عليه السلام) من المسنّاة إلي فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين(عليه السلام) وضربه علي رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتي وصل إلي رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسين(عليه السلام): «لا أكلت بيمينك ولاشربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين».

ثم ألقي القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعي قلنْسوة اُخري فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلي مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به» [2] .

حمل الإمام الحسين(عليه السلام) سيفه وراح يرفع صوته علي عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة.

قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضي جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزي إذا شدّ فيها الذئب [3] .

ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلي أساليب الجبناء؛ فقد استدعي شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتي صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلي باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادي شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ماتنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زُرعة بن شريك علي كتفه اليسري فقطعها، وضربه آخر منهم علي عاتقه فكبامنها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه، وبدر إليه خُولي بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، مالك ترعد؟

ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلي خولي بن يزيد فقال: إحمله إلي الأمير عمر بن سعد.

ثم أقبلوا علي سلب الحسين(عليه السلام) فأخذ قميصه اِسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه [4] .


پاورقي

[1] بحار الأنوار: 45 / 46.

[2] الإرشاد: 2 / 110، إعلام الوري: 1 / 467.

[3] الإرشاد: 2 / 111، إعلام الوري: 1 / 468.

[4] الإرشاد: 2 / 112، إعلام الوري: 1 / 469.