بازگشت

ليلة عاشوراء


نهض عمر بن سعد إلي الحسين (عليه السلام) عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحّرم، وجاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال: أين بنو اُختنا؟ يعني العباس وجعفر وعبدالله وعثمان أبناء عليّ (عليه السلام). فقال الحسين(عليه السلام): أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم ؛ وذلك أنّ اُمّهم اُمّ البنين كانت من بني كلاب وشمر بن ذي الجوشن من بني كلاب أيضاً.

فقالوا له: ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني اُختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد. فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟

وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟!

ثم نادي عمر بن سعد يا خيل الله! اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه علي ركبتيه، فسمعت اُخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين(عليه السلام) رأسه فقال: إني رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا، فلطمت اُخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسين (عليه السلام): ليس لكِ الويل، يا اُخيّة اسكتي، رحمك الله.

وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب ـ بنفسي يا أخي ـ أنت حتي تلقاهم وتقول لهم: ما بالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتي أرجع إلي أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين (عليه السلام).

فلما أخبره العباس بقولهم قال له: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلي غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

فسألهم العباس ذلك، فتوقف ابن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله! والله لو أ نّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد؟! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلي ذلك.

وجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني علي الله أحسن الثناء وأحمده علي السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.

(أمّا بعد) فإني لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم؛ فإنّهم لا يريدون غيري.

فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.

ثم نظر إلي بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس لنا وما نقول لهم، إنّا تركنا شيخنا سيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرِب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتي نردَ موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدّو؟ وبم نعتذر إلي الله في أداء حقّك؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتي أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به؛ لقذفتهم بالحجارة ولم اُفارقك أو أموت معك.

وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبدا حتّي يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّد (صلي الله عليه وآله) والله لو علمت أني اُقتل فيك ثم أحيا ثم اُحرق ثم اُذري يُفعل ذلك بي سبعين مرّة؛ ما فارقتك حتي ألقي حِمامي دونَك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالي يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك.

وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا [1] .

وأمر الحسين (عليه السلام) أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.

وقام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

قال بعض أصحاب الحسين (عليه السلام): مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ (ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهين)، (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيّب) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبدالله بن سمير فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له: مَن أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابّا، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: «رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّي قتلي رجلٌ أبرص» [2] .


پاورقي

[1] الإرشاد: 2/93.

[2] راجع أعيان الشيعة: 1 / 601.