بازگشت

النزول في ارض الميعاد


أقلقت الأخبار عن تقدّم الإمام الحسين(عليه السلام) نحو الكوفة ابن زياد وأعوان السلطة الاُموية، فأسرع بكتابه إلي الحرّ بن يزيد الرياحي يطلب فيه أن لا يسمح بتقدّم الإمام حتي تلتحق به جيوش بني اُميّة وتلتقي به بعيداً عن الكوفة خشية أن يستنهض أهلها ثانية، وليستغل ابن زياد ظروف المنطقه الصعبة للضغط علي الإمام(عليه السلام) واستسلامه.

وبغباء المنحرف الساذج وجهالته ردّ حامل كتاب ابن زياد علي أحد أصحاب الحسين(عليه السلام) ـ يزيد بن مهاجر ـ مدافعاً عمّا جاء به قائلا: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن مهاجر: بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالي:

(وجعلناهم أئمّة يدعون إلي النار ويوم القيامة لاينصرون)( [1] ).

وحالت جنود ابن زياد قافلة الإمام الحسين(عليه السلام) دون الاستمرار في المسير، فقد منعهم جيش الحرّ بن يزيد وأصرّوا علي أن يدفعوا الإمام(عليه السلام) نحو عراء لا خضرة فيها ولا ماء.

وكان زهير بن القين متحمّساً لقتال جيش الحرّ قبل أن يأتيهم المدد من قوات بني اُميّة، فقال للحسين(عليه السلام): «إنّ قتالهم الآن أيسر علينا عن قتال غيرهم»، ولكنّ الإمام(عليه السلام) رفض هذا الرأي لأنّ القوم لم يعلنوا حرباً عليه بعد، وما كان ذلك الموقف النبيل إلاّ لما كان يحمله الإمام من روح تتسع للاُمّة جمعاء، وأيضاً لعظيم رسالته التي يدافع عنها وقِيَمهِ التي كان يسعي الي بنائها في الاُمّة رغم أنّها بدت تظهر العداء سافراً ضدّه، فقال(عليه السلام): «ماكنت لأبدأهم بقتال».

وكان نزول الإمام في كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدي وستين [2] ، ثم اقترح زهير علي الإمام(عليه السلام) أن يلجأوا الي منطقة قريبة يبدو فيها بعض ملامح التحصين لمواجهة الجيش الاُموي لو نشبت المعركة.

وسأل الإمام(عليه السلام) عن اسم هذه المنطقة فقيل له: كربلاء، عندها دمعت عيناه وهو يقول: «اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء»، ثم قال: «ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره الي صفّين وأنا معه فوقف، فسأل عنه فاُخبر باسمه فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال: ثقل لآل بيت محمد ينزلون هاهنا» [3] .

وقبض الإمام الحسين(عليه السلام) قبضةً من ترابها فشمّها وقال: «هذه

والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أننّي اُقتل فيها، أخبرتني اُم سلمة» [4] .

فأمر الإمام(عليه السلام) بالنزول ونصب الخيام إلي حين يتّضح الأمر ويتّخذ القرار النهائي لمسيرته.


پاورقي

[1] القصص (28): 41.

[2] تأريخ الطبري: 3 / 309، ومعجم البلدان: 4 / 444، وإعلام الوري: 1 / 451، والأخبار الطوال: 252، وبحار الأنوار: 44 / 380.

[3] مجمع الزوائد: 9 / 192، والأخبار الطوال: 253، وحياة الحيوان للدميري: 1 / 60.

[4] تذکرة الخواص: 260، ونفس المهموم: 205، وناسخ التواريخ: 2 / 168، وينابيع المودة: 406.