بازگشت

تصريحات الامام عند وداعه مكة


صدرت عن الإمام الحسين(عليه السلام) عدّة تصريحات عند ما كان يعتزم مغادرة مكة والتوجّه إلي العراق، وكانت بعض هذه التصريحات تمثّل أجوبته(عليه السلام) علي من أشفق عليه أو مَنْ ندّد بخروجه، وقد تمثّل خطابه للناس بصورة عامة، فنذكرُ منها هنا:

1 ـ روي عبدالله بن عباس عن الإمام الحسين بشأن حركته نحو العراق قوله(عليه السلام): «والله لايَدَعُونَنِي حتي يستخرجوا هذه العَلْقَةَ من جوفي، فإذا فعلوا سُلِّط عليهم مَنْ يذلّهم حتي يكونوا أذلَّ من فَرْم المرأة» [1] .

2 ـ كان محمد بن الحنفية في يثرب فلمّا علم بعزم الإمام(عليه السلام) علي الخروج إلي العراق توجّه إلي مكة، وقد وصل إليها في الليلة التي أراد(عليه السلام) الخروج في صبيحتها إلي العراق، وقصده فور وصوله فبادره قائلا: «يا أخي إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، ويساورني خوف أن يكون حالك حال من مضي، فإن أردت أن تقيم في الحرم فإنّك أعز من بالحرم وأمنعهم».

فأجابه الإمام(عليه السلام): «خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية، فأكون الذي تستباح به حرمةُ هذا البيت» فقال محمد: «فإنْ خفت ذلك فسر إلي اليمن أو بعض نواحي البرّ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد»، قال الحسين(عليه السلام): «أنظر فيما قلت».

ولمّا كان وقت السَحَر بلغه شخوصُه إلي العراق وكان يتوضّأ فبكي، وأسرع محمد إلي أخيه فأخذ بزمام ناقته وقال له: «يا أخي، ألم تعدني فيما سألتك؟» قال الإمام(عليه السلام): «بلي ولكنّي أتاني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعد ما فارَقْتُك وقال لي: يا حسين، اُخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلا»، فقال محمد: فما معني حملِ هؤلاء النساء والأطفال، وأنت خارج علي مثل هذا الحال؟ فأجابه الإمام(عليه السلام): «قد شاء الله أن يراهن سبايا» [2] .

ولم يكن اصطحاب الحسين(عليه السلام) لعيالاته حالة غريبة علي المجتمع العربي والإسلامي، فقد كان العرب يصطحبون نساءَهم في الحروب وكذا فعل النبيّ(صلي الله عليه وآله) في غزواته فقد كان يقرع بين نسائه، أمّا بالنسبة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) فإنّ اصطحابه لعائلته في حركته إنّما كان لأجل أن يكون وجودها معه بمثابة حجّة قوية علي المسلمين لنصرته، فمن تولّي الحسين(عليه السلام) ويسعي لنصرته والدفاع عنه فأولي له أن يدافع عنه وهو بين أهله. وإن اختلف مع الحسين(عليه السلام) فما ذنب عيالاته وهنّ بنات النبيّ(صلي الله عليه وآله) خاصة أنّ الخلاف بزعم الاُمويّين إنّما هو لأجل الخلافة.

3 ـ ذكر المؤرخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لمّا أراد الخروج من مكة ألقي خطاباً فيها، جاء فيه: «خُطَّ الْمَوْتُ علي وُلْدِ آدم مَخَطّ الْقِلادة علي جيدِ الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اِشتياق يعقوب إلي يوسف، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأ نّي بأوصالي تقطّعها عُسْلانُ الفلواتِ بينَ النواويس وكربلاء، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله(عليهم السلام) لُحْمَتُه، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تَقِرُّ بهم عينُه، ويُنْجَزُ بهم وعدُه، مَنْ كان باذلا فينا مهجتَه وموطِّناً علي لقاء الله نَفْسَه فَلْيَرْحَلْ معنا، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالي» [3] .

يُبَيِّنُ الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه التصريحات أنّه مصمّم علي عدم مبايعة يزيد؛ قياماً بتكليفه الإلهي، موضحاً سبب خروجِه من مكة، مخبراً عن المصير الذي ينتظره وأهل بيته جميعاً، داعياً الي الالتحاق به من كان مُوَطِّناً علي لقاء الله نفسه، معلِناً أنّ الله تعالي قرن رضاه برضا أهلِ البيت(عليهم السلام).


پاورقي

[1] الکامل في التأريخ: 4 / 39.

[2] اللهوف علي قتلي الطفوف: 27، وأعيان الشيعة: 1 / 592، وبحار الأنوار: 44 / 364.

[3] إحقاق الحق: 11 / 598، وکشف الغمة: 2 / 20.