بازگشت

لماذا اختار الامام الحسين الهجرة الي العراق؟


رغم كلّ ما قيل من تحليل ودراسة لوضع المجتمع الكوفي وما ينطوي عليه من إثارة سلبيات يتكهّن بأغلبها المحلّلون من دون جزم فإنّنا نري أنّ اختيار الإمام الحسين(عليه السلام) الهجرة الي العراق كان لأسباب منها:

1 ـ إنّ التكليف الإلهي برفع الظلم والفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل جميع المسلمين بلا استثناء، إذ أنّنا لا نجد في النصوص التأريخية ما يدلّل علي قيام قطر من الأقطار الاسلامية بمحاولة لمواجهة الحكم الاموي سوي العراق الذي وقف ضدّهم منذ أن ظهر الامويّون في الساحة السياسية وحتي سقوطهم.

2 ـ إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يعلن دعوته لمواجهة ظلم الامويّين وفسادهم والنهوض لإحياء الرسالة يوم طُلب منه مبايعة يزيد، بل كانت تمتدّ دعوته في العمق الزمني إلي أبعد من ذلك، ولكن لم نرَ نصوصاً تأريخية تدلّل علي استجابة شعب من شعوب العالم الإسلامي لنداء الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته غير العراق، فكانت الدعوات الكثيرة والملحّة موجّهة إليه تعلن الولاء والاستعداد لتأييد النهضة ومواجهة الحكم الاُموي الفاسد.

3 ـ لم يكن أمام الحسين(عليه السلام) من خيار لاختيار بلد آخر غير العراق، لأنّ بقية الأقطار إمّا أنها كانت مؤيّدة للاُمويين في توجّهاتهم وسياساتهم، أو خاضعة مقهورة، أو أنّها كانت غير متحضّرة وغير مستعدّة للاستجابة للنهضة الحسينيّة. علي أنّ كثيراً من شعوب العالم الإسلامي كانت في ذلك الحين إمّا كافرة أو حديثة عهد بالإسلام، أو غير عربية بحيث يصعب التعايش والتعامل معها؛ ممّا كان سبباً لتضييع ثورة الإمام وجهوده.

4 ـ كانت الكوفة تضمّ الجماعة الصالحة التي بناها الإمام عليّ(عليه السلام) والقاعدة الجماهيرية التي تتعاطف مع أهل البيت (عليهم السلام) فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن لا يضيع دمه وهو مقتول لا محالة، كما أراد أن يعمّق

الإيمان في النفوس ويجذّر الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان العراق أخصب أرض تستجيب لذلك، وسرعان ما بدأت الثورات في العراق بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وأصبح العراق القاعدة العريضة لنشر مبادئ وفضائل أهل البيت(عليهم السلام) إلي العالم الاسلامي في السنين اللاحقة.

5 ـ إنّ اختيار أيّ بلد غير العراق سيكون له أثره السلبي، إذ يتّخذه أعداء الاسلام وأهل البيت(عليهم السلام) أداة عار وشنار للنيل من مقام الإمام وأهدافه السامية، ويفسّر خروجه إليه علي أنّه هروب من المواجهة الحتمية، في الوقت الذي كان يهدف الإمام (عليه السلام) الي إحياء حركة الرسالة والمُثل الأخلاقية وتأجيج روح المواجهة والتصدّي للظلم والظالمين. وحتي علي فرض اختياره (عليه السلام) بلداً آخر فإنّ سلطة الاُمويّين ستنال منه وتقضي عليه دون أن يحقّق أهداف رسالته التي جاء من أجلها.

6 ـ لمّا كان العراق يصارع الاُمويّين كانت أجواؤه مهيّئة لنشر الإعلام الثوري لنهضة الحسين(عليه السلام) وأفكاره، ومن ثمّ فضح بني اُميّة وتستّرهم بالشرعية وغطاء الدين، وحتي النزعة العاطفية المزعومة في العراقيّين فقد كانت سبباً في ديمومة وهج الثورة وأفكارها كما نري ذلك حتّي عصرنا هذا.

ولعلّ هناك أسباباً لا ندركها، لا سيما ونحن نري أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان علي بيّنة واطلاع من نتيجة الصراع، وكان علي معرفة بالظروف الموضوعية المحيطة بمسيرته وعلي علم بطبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي كان يتوجّه إليه من خلال وعيه السياسي الحاذق، والنصائح التي قدّمها إليه عدد من الشخصيات فضلاً عن عصمته عن الزلل والأهواء، كما نعتقد؛ فلم يكن اختياره العراق منطلقاً لثورته العظيمة، إلاّ عن دراية وتخطيط رغم الجريمة النكراء التي نتجت عن تخاذل الناس وتركهم نصرة إمامهم ولحوق العار بهم في الدنيا والآخرة.