بازگشت

قلق يزيد و استشارة السيرجون


السيرجون غلام نصراني كان معاوية قد اتخذه كاتباً ومستشاراً له. واستمر في منصبه الخطير في عهد يزيد الذي كان قد نشأ علي التربية النصرانية وكان أقرب منها الي غيرها.

وليس هذا أوّل مورد نلاحظ فيه بصمات أصابع أهل الكتاب في صنع مواقف هؤلاء الحكّام تجاه الرسالة والعقيدة والاُمة الاسلامية وقادتها الاُمناء عليها.

لقد كان لكل من تميم الداري (الراهب النصراني) وكعب الأحبار (اليهودي) موقع متميّز عند عمر حيث كان يحترمهما ويستشيرهما ويسمح لهما بالتحدث كل اسبوع قبل صلاة الجمعة فضلاً عن تدريس التوراة وتفسير القرآن الكريم، في وقت كان لا يسمح للصحابة بكتابة حديث الرسول (صلي الله عليه وآله) ولا التحديث به، بل كان يحبسهم في المدينة لئلاّ ينشروا حديث الرسول (صلي الله عليه وآله). (راجع كنز العمّال الحديث رقم 4865 وتذكرة الحفاظ بترجمة عمر وتاريخ ابن كثير: 8 / 107).

وقد عظم نفوذ هؤلاء القصّاصين بعد عمر وتعاظم في عهد الاُمويين واستمر في عهد العباسيين بالرغم من أن الإمام عليّاً (عليه السلام) كان قد طردهم من مساجد المسلمين.

ولا يبعد أن يكون دخول عقائد منحرفة كالتجسيم وعدم عصمة الأنبياء وغيرها من المفاهيم المنحرفة إلي مصادر المسلمين نتيجة هذا الحضور الفاعل منهم في الساحة الاسلامية وتحت شعار الاسلام ونصح الحكّام.

وقد تميّز معاوية باتخاذ بطانة واسعة من أهل الكتاب حيث تلاحظ أن كاتبه ومستشاره نصراني، وهو (السيرجون) كما أنّ طبيبه كان نصرانياً وهو (أثال) وشاعره أيضاً كان نصرانياً وهو (الأخطل)، والشام هي عاصمة نصاري الروم البيزنطيين قبل دخول الاسلام اليها. (راجع معالم المدرستين 2 / 51 ـ 53):

قَلِقَ يزيد كثيراً من الأخبار التي وصلته من الكوفة، وهي تتحدّث عن موقف الكوفيّين من الحكم الاُموي ومبايعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) فدعا

يزيد السيرجون الذي كان يعدّ غلاماً لمعاوية فقال له: ما رأيك؟ ـ إنّ حسيناً قد أنفذ إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيّ، فَمَنْ تري أن أستعمل علي الكوفة؟، وكان يزيد عاتباً علي عبيدالله

ابن زياد [1] ، فقال له السيرجون: أَرأيت لو يشير إليك معاوية حيّاً هل كنتَ آخذاً برأيه؟ قال: بلي. فأخرج السيرجون عهد عبيدالله بن زياد علي الكوفة، وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، فضُمّ المصرَيْن (يعني الكوفة والبصرة والتي كان والياً عليها أيام معاوية) إلي عبيدالله، فقال له يزيد: أفعلُ. إبعث بعهد عبيدالله ابن زياد إليه... ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلي عبيد الله معه كتاباً جاء فيه:

«أمّا بعد، فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل فيها، يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتي تأتيَ الكوفة فتطلب ابنَ عقيل طَلَب الخِرزةِ حتي تثقفه فتُوثِقَه أو تقتله أو تنفيَهُ، والسلام» [2] .


پاورقي

[1] لأنّ عبيدالله بن زياد کان معارضاً لمعاوية في تولية العهد ليزيد، انظر البداية والنهاية: 8 / 152.

[2] الإرشاد: 2 / 42 ـ 43، وإعلام الوري: 1 / 437، وسير أعلام النبلاء: 3 / 201.