بازگشت

شخصية معاوية و سلوكه المتلون


لقد كانت زعامة الاُمّة الإسلامية بعد وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) بأيدي

مسؤولين غير كفوئين لفترة طويلة. ومراجعة بسيطة لأحداث ووقائع تلك الفترة توضّح ذلك. ولكنّ معاوية كان أشدّ مكراً ومراوغةً ودهاءً، إذ كان يتلاعب ببراعة سياسية، ويتوسّل بكلّ وسيلة من أجل أن يبقي زمام السلطة بيده متّخذاً من التظاهر بالدين ستراً يغطّي جرائمه الأخلاقية واللا إنسانية والتي منها فتكه بخيار المسلمين، ومخادعة عوام الناس في مجاراته لعواطفهم ومعتقداتهم، وهو يحمل حقداً لا ينقطع علي الإسلام والرسول(صلي الله عليه وآله) [1] .

وقد تمكّن معاوية من القضاء علي المعارضين له من دون اللجوء إلي القتال والحرب، فهو الذي اغتال الإمام الحسن(عليه السلام) وسعد بن أبي وقّاص [2] وقضي علي عبدالرحمن بن خالد [3] ومن قبله علي مالك الأشتر، وقد أوجز اُسلوبه هذا في كلمته المشهورة: «إنّ لله جنوداً منها العسل» [4] .

كما أنّ معاوية كان يضع كلّ من يلمس منه أيّة معارضة أو تحرّك تحت مجهر المراقبة والإرصاد، فترفع إليه التقارير عن كلّ ما يحدث فيستعجل في القضاء عليه.

في مثل هذا الاُسلوب ـ أي التصرّف تحت ستار الإسلام ـ لو قام الإمام الحسين(عليه السلام) بحركة واسعة ونشاط سياسي بعد وفاة الإمام الحسن(عليه السلام) مباشرةً؛ لما كان قادراً علي فضح معاوية وإقناع كلّ الجماهير بشرعيّة ثورته، ولكان معاوية متمكّناً من القضاء عليه من دون ضجيج، وعندها كانت الثورة تموت في مهدها وتضيع جهود كبيرة، كان من شأنها أن تبني في الاُمّة تيّاراً واعياً، ويختنق الصوت الذي كان في مقدوره أن يبقي مدوّياً في تأريخ الإنسانيّة كما حصل في واقعة الطفّ. وما كان الإمام الحسين(عليه السلام) ليتمكّن من توضيح كلّ أهدافه وغاياته من الثورة [5] المتمثّلة في إنقاذ الاُمّة من الظلم وصيانة الرسالة الإسلامية من التحريف لو كان يسرع بثورته في أيام معاوية.

وأمّا حينما اعتلي يزيد عرش الخلافة وهو من قد عرفه الناس باللهو والفسق والشغف بالقرود وشرب الخمور، وعدم صلاحيته للخلافة لتجاوزه وعدوانه علي كل المقاييس الشرعيّة والعرفيّة لدي المسلمين. فالثورة عليه تعدّ ثورة مشروعة عند عامّة المسلمين، كما أثبت التأريخ ذلك بكلّ وضوح.


پاورقي

[1] شرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 357.

[2] مقاتل الطالبيين: 29، ومختصر تأريخ العرب: 62.

[3] التمدن الإسلامي، لجرجي زيدان: 4 / 71.

[4] عيون الأخبار: 1 / 201.

[5] للتفصيل راجع: ثورة الحسين، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية: 122.