بازگشت

استعادة حق مضيع


وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه، كما كان يهب الأموال الطائلة لبني اُميّة لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) يشجب هذه السياسة، ويري ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي، ولا يقوم إلاّ علي القمع والتزييف والإغراء. وقد اجتازت علي يثرب أموال من اليمن مرسولةً الي خزينة دمشق، فعمد الإمام(عليه السلام) الي الاستيلاء عليها ووزّعها علي المحتاجين، وكتب الي معاوية: «من الحسين بن عليّ الي معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً اليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهْل بني أبيك، وإنّي احتجتها اليها فأخذتها، والسلام» [1] .

فأجاب معاوية: من عبدالله معاوية أمير المؤمنين الي الحسين بن عليّ، سلام عليك، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيراً مرّت بك من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليّ لأودعها خزائن دمشق واعُلّ بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه، وأيم الله لو تركت ذلك حتي صار إليّ لم أبخسك حظك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوةً وبودّي أن يكون ذلك في زماني، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي والله أتخوّف أن تبتلي بمن لا ينظرك فواق ناقة [2] .

إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) دلّل بعمله علي أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه الذي ينفق أموال بيت المال وفق المعايير الإسلامية. وقد أكّد (عليه السلام) في رسالته علي أنّه لا يعترف رسمياً بخلافة معاوية؛ إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون. ومن هنا حاول معاوية الالتفاف علي موقف الإمام(عليه السلام) فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك، فقد بات موقف الإمام الحسين(عليه السلام) معياراً إسلامياً وملاكاً فارقاً وفاصلاً بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعاً علي مدي التأريخ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوي أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام.

لقد كان موقف الإمام(عليه السلام) هذا إشارة واضحة للاعتراض علي تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي.


پاورقي

[1] الإرشاد: 2 / 32.

[2] المصدر السابق.