بازگشت

مواجهة معاوية و بيعة يزيد


أعلن الإمام الحسين(عليه السلام) رفضه القاطع لبيعة يزيد وكذا زعماء يثرب، فقرّر معاوية أن يسافر إلي يثرب ليتولّي بنفسه إقناع المعارضين، فاجتمع بالإمام وعبدالله بن عباس، فأشاد بالنبيّ(صلي الله عليه وآله) وأثني عليه، وعرض بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ودعاهما الي بيعته، فانبري الإمام(عليه السلام) فحمد الله وأثني عليه ثم قال:

«أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي المادح وإن أطنب في صفة الرسول(صلي الله عليه وآله) وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) من إيجاز الصفة، والتنكّب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية!! فضح الصبحُ فحمةَ الدجي، وبهرت الشمسُ أنوار السرج، ولقد فضّلت حتي أفرطت، واستأثرت حتي أجحفت، ومنعت حتي بخلت، وجُرت حتي تجاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب، حتي أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لاُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله)، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصفُ محجوباً أوتنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً.

ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه! فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور وحنقاً في ظلم حتي ملأتَ الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثاً ولعمر الله لقد أورثنا الرسول(صلي الله عليه وآله) ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول(صلي الله عليه وآله) فأذْعنَ للحجّة بذلك وردّه الإيمان الي النصف.

فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون حتي أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادةَ الرجلِ القومَ بعهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وتأميرَه له، وقد كان ذلك لعمرو ابن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتي أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله، فقال (صلي الله عليه وآله) لاجَرَمَ يا معشرَ المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتجُّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف ضاهيتَ بصاحب تابعاً وحولك من يُؤمن في صحبته، ويُعتمد في دينه وقرابته، وتتخطّاهم الي مسرف مفتون؟ تريد أن تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين، وأستغفر الله لي ولكم.

وذهل معاوية من خطاب الإمام(عليه السلام)، وضاقت عليه جميع السبل

فقال لابن عباس: ما هذا يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس: لعمرالله إنّها لذرّية رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأحد أصحاب الكساء ومن البيت المطهّر، فاسأله عمّا تريد فإنّ لك في الناس مقنعاً حتي يحكم الله بأمره وهو خيرالحاكمين [1] .

وقد اتّسم موقف الإمام الحسين(عليه السلام) مع معاوية بالشدّة والصرامة، وأخذ يدعو المسلمين علناً الي مقاومة معاوية، ويحذّرهم من سياسته الهدّامة التي تحمل الدمار الي الاسلام.


پاورقي

[1] حياة الإمام الحسين: 2 / 219 ـ 220.