بازگشت

دعوة انتهازية وخطة شيطانية


عندما ارتفعت راية الحقّ مرفرفةً فوق ربوع مكّة ومعلنةً عن انتصارها؛ دخل أبو سفيان ومعاوية في الإسلام ونار الحقد تستعر في قلبيهما ونزعة الثأر من الرسول(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) تكمن في صدريهما، فتحوّلا من كونهما كافرين الي كونهما مستسلِمَين طليقين من طلقاء الرسول(صلي الله عليه وآله). ولم يطل العهد حتي حكم عثمان بن عفان فتسرّب ما كان مختبئاً في القلب وظهر علي لسان أبي سفيان وهو يخاطب عثمان بقوله: صارت إليك بعد تيم وعديّ فأدرها كالكرة فإنّما هو الملك ولا أدري ما جنّة ولا نار [1] .

وخاطب أبو سفيان بني اُميّة ثانيةً: يا بني اُميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرنّ إلي صبيانكم ورثة [2] .

وحين أطلّ معاوية من نافذة السقيفة علي كرسيّ الحكم بانت نتائج الانحراف واتّضحت خطورته؛ فإنّه قد لاحظ، أنّ أبا بكر وعمر وعثمان قد ملكوا قبله ولم تسمح لهم الظروف بإعادة صرح الجاهلية من جديد، ولا زال صوت الحقّ هادراً كلّ يوم بالتوحيد وبالرسالة لمحمّد بن عبدالله(صلي الله عليه وآله) [3] .

كما أنّ الانحراف السياسي الذي ولّدته السقيفة وتربّت عليه فئات من الاُمّة استثمره معاوية أ يّما استثمار، فقد احتجّ علي الناس بأنّ أبا بكر بويع بدون نصّ سماويّ أو أمر من رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأنّه خالف سيرة رسول الله(صلي الله عليه وآله) إذ جعل عمر خليفةً من بعده، وصنع عمر ما لم يصنعه قبله وخالف بذلك الله ورسوله وأبا بكر. ووفق هذا المنطق فإنّ الاُمّة ومصير الرسالة الإسلامية تكون اُلعوبة بيد معاوية يسوسها كيف يشاء. من هنا قرّر أن يبايع بالخلافة ليزيد [4] من بعده.

وقد خلت الساحة السياسية للزمرة الاُمويّة بعد فتن ومصاعب أشعلها معاوية مستغلاًّ جهالة طبقات من الاُمّة، وموظّفاً كلّ الطاقات التي وقفت ضدّ الإمام عليّ(عليه السلام) لصالحه في مواجهة تيار الحقّ بقيادة الإمام الحسن(عليه السلام). واستأثر بالحكم بعد قتله للإمام الحسن(عليه السلام) واستهتاره بقيم الإسلام وتعاليمه. وكان حاذقاً في إحكام سيطرته وملكه، ولكنّه لم يجرؤ لإعلان خطّته تثبيتاً لملك بني اُميّة باستخلاف يزيد من بعده وفي الاُمّة من هو صاحب الخلافة الشرعية وهو الإمام الحسن(عليه السلام) ومن بعده أخوه الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان علي الاُمّة أن تعود لقيادته بعد افتقادها للحسن(عليه السلام).

يضاف إلي ذلك أنّ أحداً من الخلفاء الثلاثة لم يوصِ بالخلافة لولده من بعده. ونظراً لما كان ينطوي عليه يزيد من ضعف واستهتار ومجون فقد مضي معاوية بكلّ جدٍّ ليحبك الأمر ويدبّره بطريقة يخدع بها الاُمّة، بل يقهرها علي قبول البيعة ليزيد. من هنا بادر إلي قتل الإمام الحسن السبط(عليه السلام) وخيار المؤمنين في خطوة اُولي ليرفع بذلك أهمّ الموانع التي كانت تحول بينه وبين تنفيذ خطّته.

علي أنّ أصحاب النفوس الرذيلة والمطامع الدنيوية علي استعداد تام لبلوغ أتفه المطامع من أيّ طريق كان. فقد روي أنّ المغيرة بن شعبة ـ الذي كان والياً من قبل معاوية علي الكوفة ـ علم بأنّ معاوية ينوي عزله فأسرع إلي نسج خيوط مؤامرة جلبت الويلات علي الاُمّة الإسلامية وليكون بذلك سمساراً يصافق علي ما لا يملك؛ إذ همس في أذن يزيد يمنّيه بخلافة أبيه ويزيّن له الأمر ويسهّله. ووجد معاوية أنّ خطّة شيطانية يمكن أن يكون المغيرة عاملاً لتنفيذها [5] ، فسأله مخادعاً: ومن لي بهذا؟ فردّ عليه المغيرة: أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. وهكذا قبض المغيرة علي ربح عاجل لصفقة مؤجّلة، ورجع الي الكوفة بكلّ قوّة لينفّذ الخطّة وهو يقول: لقد وضعت رِجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي اُمّة محمّد [6] .

ورفض زياد بن أبيه هذه الخطّة الخبيثة؛ ولعلّه لما كان يلمسه من رذائل في شخصية يزيد بحيث تجعله غير صالح لزعامة الاُمّة. وقد أثارت هذه الخطّة مطامع أطراف اُخري من بني اُميّة، فمدّ كل من مروان بن الحكم وسعيد بن عثمان بن عفان عنقه لذلك [7] .

وجمّد معاوية رسمياً وبشكل مؤقّت خطّته لأخذ البيعة ليزيد ؛ وذلك ليتّخذ إجراءات اُخري تمهّد للإعلان الرسمي وفي الفرصة المناسبة لذلك.


پاورقي

[1] الاستيعاب: 2 / 690.

[2] مروج الذهب: 1 / 440، تأريخ ابن عساکر: 6 / 407.

[3] مروج الذهب: 2 / 343، وشرح النهج: 2 / 357.

[4] الإمامة والسياسة: 1 / 189.

[5] الکامل في التأريخ: 3 / 249، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 195، والإمامة والسياسة: 2 / 262.

[6] الکامل في التأريخ: 3 / 249.

[7] وفيات الأعيان: 5 / 389، والإمامة والسياسة: 1 / 182، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 196.