بازگشت

السر الكامن وراء نزعات يزيد الشريرة


رجّح بعض المؤرّخين أنّ بعض نساطرة النصاري تولّي تربية يزيد وتعليمه، فنشأ نشأةً سيّئة ممزوجةً بخشونة البادية وجفاء الطبع، وقالوا: إنّه كان من آثار تربيته المسيحية أنّه كان يقرّب المسيحيين ويكثر منهم في بطانته الخاصة، وبلغ من اطمئنانه إليهم أن عهد بتربية ولده الي مسيحي، كما اتّفق علي ذلك المؤرّخون [1] .

ولا يمكن أن تعلّل هذه الصلة الوثيقة وتعلّقه الشديد بالأخطل وغيره إلاّ بتربيته ذات الصبغة المسيحية. هكذا حاول بعض المؤرّخين والكتّاب أن يعلّل استهتار يزيد بالإسلام ومقدّساته وحرماته.

وهذا التعليل يمكن أن يكون له مايسوّغه لو كانت لحياة البادية وللتربية المسيحية تلك الصبغة الشاذّة التي برزت في سلوك يزيد من مطلع شبابه إلي أن أصبح وليّاً لعهد أبيه وحاكماً من بعده.

في حين أن العرب في حاضرتهم وباديتهم كانت لهم عادات وأعراف كريمة قد أقرّها الإسلام كالوفاء وحسن الجوار والكرم والنجدة وصون الأعراض وغير ذلك ممّا تحدّث به التأريخ عنهم، ولم يعرف عن يزيد شيء من ذلك، كما وأنّ التأريخ لم يحدّث عنهم بأنّهم استحلّوا نكاح الأخوات والعمّات كما حدّث التأريخ عنه. والذين ولدوا في البادية علي النصرانية طيلة حياتهم قبل الفتح الإسلامي وعاشوا في ظلّ أعرافها وعاداتها حينما دخلوا في الإسلام تغلّبوا علي كلّ ما اعتادوه وألفوه عن الآباء والأجداد.

فلابدّ إذن من القول بأنّ لذلك الانحراف الشديد والوبيء في شخصية يزيد وسلوكه سبباً وراء التربية والحضانة المسيحية.

الي هنا نكون قد وقفنا علي صورة واضحة عن واقع شخصية يزيد المنحرفة عن خطّ الاسلام انحرافاً لا يسوغ لأيّ مسلم الانقياد لها والسكوت عليها ما دام الاسلام يمنع الإباحية والفسق ويدعو الي العدل والتقوي، ويحاول تحقيق مجتمع عامر بالتقوي، ويريد للمسلمين قيادة تحرص علي تحقيق أهداف الإسلام المُثلي.

ومن هنا كان علينا أن نطالع بدقّة كل مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) باعتباره القائد الرسالي الحريص علي مصالح الرسالة والاُمّة الاسلامية وندرس تخطيطه الرسالي للوقوف أمام الانحراف الهائل الذي كان يمتدّ بسرعة في أعماق المجتمع الاسلامي آنذاك


پاورقي

[1] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 42 وراجع أيضاً: حياة الإمام الحسين(عليه السلام): 2 / 180. عن المناقب: 71 للقاضي نعمان المصري، وسمو المعني في سموّ الذات: 59 العلائلي.