بازگشت

حالة الامة قبل الصلح مع معاوية


لم يكن تفتّتُ أركان المجتمع الإسلامي ـ الذي كان يؤمن بأقدس رسالة سماوية وأعظمها وأشملها ـ في ظلّ حكم معاوية بن أبي سفيان وليد جهود آنيّة، فقد بدأ الانحراف من يوم السقيفة، إذ تولّي زمام اُمور الاُمّة مَن كان لا يملك الكفاءة والقدرة المطلوبة، وإنّما تصدّي لها من تصدّي علي أساس العصبية القبلية [1] ويشهد لذلك قول أبي بكر: وُلّيت أمركم ولست بخيركم [2] .

وانحدرت الاُمّة في واد آخر يوم ميّز عمر بن الخطاب في العطاء بين المسلمين مخالفاً سنّة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومبتدعاً نظاماً طبقياً جديداً، حتي إذا حكم عثمان بن عفّان؛ استفحل الفساد واستشري في جهاز الحكم والادارة، حين سيطر فسّاق الناس وشرارهم علي اُمور الناس فراحوا يعيثون في الاُمّة فساداً كالوليد بن عقبة والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط وسعيد بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح [3] .

وأصبحت العائلة الاُمويّة التي لم تنفتح علي الإسلام لتشكل قوّة اقتصادية جرّاء نهبهم لثروات الاُمّة، وعطايا عثمان لهم بغير حق، وتغلغلوا في أجهزة الحكم، وتمكّن معاوية بن أبي سفيان خلال ولايته علي الشام منذ عهد عمر أن يُنشئ مجتمعاً وفق ما تهوي نفسه الحاقدة علي الإسلام والنبيّ(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، فقد دخل هو وأبوه الإسلام مقهورين موتورين يوم فتح مكة، ودخل في عداد الطلقاء، بعد أن كان قد فقد جدّه وخاله وأخاه في الصراع ضد الإسلام قبل فتح مكّة.

علي أنّ طوال هذه الفترة ـ منذ وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) الي نهاية حكم عثمان ـ لم يعتنِ النظام الحاكم بالدعوة الإسلامية ونشرها وترسيخها في النفوس، ولم يسع لاجتثاث العقد والأمراض والعادات القبلية، بل كان همّ الحاكمين هو الاندفاع في الفتوحات طمعاً في توسعة الدولة وزيادة الأموال. وقد عمل الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) منذ وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله) جاهداً علي أن لا تفقد الاُمّة شخصيتها الإسلامية وحاول تقليل انحرافها، فكان يتدخّل ويُعِين الفئة الحاكمة تارةً باللين واُخري بالشدّة متجنّباً الصدام المباشر معهم، لأجل استرداد حقّه الشرعي في الخلافة، مؤثراً مصلحة الإسلام العامّة علي ما سواها من المصالح [4] .

لقد فجعت الاُمّة بمصلحها الكبير ـ يوم استشهد الإمام علي(عليه السلام) ـ وانهارت بين يدي الإمام الحسن بن عليّ(عليهما السلام) بعد أن أنهكتها حروب الإصلاح ضد الناكثين والقاسطين والمارقين؛ إذ أسرعت القوي النفعية والمنافقة والحاقدة علي الإسلام إلي الوقوف في وجه الإمام عليّ(عليه السلام) متنكرة لأوامر الله سبحانه ورسوله(صلي الله عليه وآله) غير مبالية بمصلحة الاُمّة، بالرغم من تجسيده للزعامة الحقيقية التي تقود إلي منهج الحقّ والعدل الإلهي، وهم يعلمون بشرعيته التي اكتسبها من الرسالة والرسول(صلي الله عليه وآله). وهذا ما كان يشكّل خطراً حقيقياً من شأنه أن يلغي وجودهم من المجتمع الإسلامي، ولهذا كانت حروب: الجمل وصفّين ثم النهروان.

ورأي الإمام الحسن(عليه السلام) أن ينهض بالاُمّة مواصلاً مسيرة الإصلاح ومواجهة الانحراف، ولكنّ الجموع آثرت السلامة والركون إلي الراحة [5] ، فاضطرّ الإمام الحسن(عليه السلام) إلي الصلح والمهادنة مع معاوية ـ وهو المتحصّن القويّ في بلاد الشام ـ علي شروط وعهود مهمّة، ليضمن سلامة الصفوة الخيّرة من الاُمّة، وليبني قاعدة جماهيرية أكثر وعياً وأعمق إيماناً برسالتها الإسلامية، كي لا يُمسخ المجتمع المسلم ولا تُمحق الرسالة؛ إذ ليس السيف دائماً هو الفيصل في حالات النزاع، فربما كان للكلمة والمعاهدة أثر أبلغ في مرحلة خطرة، حيث الهدف هو صيانة الرسالة الإسلامية وحفظ الاُمّة الإسلامية في كلّ الأحوال، وليتّضح دور النفاق والعداء الذي كان يتّسم به بنو اُميّة وما كان يُضمِرهُ حكّامهم للإسلام.

ولقد وقف الإمام الحسين(عليه السلام) الي جانب أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) وعايش جميع الأحداث التي مرّ بها أخوه، وكانا علي اتّفاق تامّ في الرأي والموقف، يعاضده في توجيه الاُمّة وإنقاذها بعد أن رأي كيف أنّ انحراف السقيفة تكاملت أدواره في هذه المرحلة، وقد سري هذا الانحراف في جسد الاُمّة حتي غدت لا تتحفّز لنهضة الإمام الحسن(عليه السلام) ولا تستجيب لأوامره.

وأحاط الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ مادبّره معاوية من المكائد والدسائس، وأصبحت الأكثرية من جيش العراق في قبضة معاوية بن أبي سفيان وطغمته، بعد أن كان يمثّل جيش العراق العمود الفقري لجيش الإمام عليّ(عليه السلام).

ولم يكن ليخفي علي الإمام الحسين(عليه السلام) أنّ المعركة ـ لوقدّر للإمام

الحسن أن يدخلها مع معاوية ـ ستكون لصالح الأخير، وستنتهي حتماً إمّا بقتل الحسن والحسين وجميع الهاشميّين وخُلَّص شيعتهم، أو ستنتهي بأسرهم، في الوقت الذي تحتاج فيه الاُمّة الإسلامية إلي وجود الإمام المعصوم بينها لإنقاذ ما تبقّي وبناء ما تهدّم؛ فإنّ الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات ولابدّ من إتمام ما بناه الرسول (صلي الله عليه وآله) والإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

ومن ذلك تبيّن أنّ ما رواه بعض المؤرّخين من أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان كارهاً لما فعله الإمام الحسن(عليه السلام) وأنّه قال له: «اُنشدك الله أن لا تصدّق اُحدوثة معاوية وتكذّب اُحدوثة أبيك» وأنّ الحسن قال له: «اُسكت أنا أعلم منك»... يتبيّن أنّ هذه المرويّات لا أساس لها من الصحة [6] .

هذا بالاضافة الي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان أبعد نظراً وأعمق غوراً في الاُمور ومعطياتها من أفذاذ عصره الذين قدّروا للحسن(عليه السلام)موقفه الحكيم الذي لم يكن هناك مجال لاختيار موقف سواه، وكان(عليه السلام) أرفع شأناً من أن تخفي عليه المصلحة التي أدركها غيره فيما فعله أخوه حتي يقف منه ذلك الموقف المزعوم.

ولا يشكّ المعتقدون بإمامة وعصمة الإمامين الحسنين(عليهما السلام) في عدم صحة الروايات التي تحدّثت عن معارضة الإمام الحسين(عليه السلام) لموقف أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) من الصلح مع معاوية.

فإذا كان الحسنان (عليهما السلام) إمامين مفترضي الطاعة؛ كان كلّ ما قاما به هو محض التكليف الإلهي، وطبقاً لما أراده الله تعالي لهما، فليس ثمّة مجال لمثل تلك الروايات.

ويشهد علي قولنا هذا روايات معتبرة تعارض تلك الروايات غير الصحيحة، منها ما يلي:

1 ـ قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر الناس بجهالته [7] .

2 ـ سأل رجل أبا الحسن الإمام الرضا(عليه السلام) فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم، قال: مثل طاعة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟ فقال: نعم [8] .

3 ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال له حمران: جُعلت فداك، أرأيت ما كان من أمر عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّوجلّ وما اُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتي قُتلوا أو غلبوا؟ فقال أبوجعفر(عليه السلام): يا حُمران! إنّ الله تبارك وتعالي قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثمّ أجراه، فبتقدّم علم ذلك اليهم من رسول الله(صلي الله عليه وآله) قام عليّ والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منّا [9] .

4 ـ وعن عظيم أخلاق الحسين(عليه السلام) واحترامه لأخيه الحسن(عليه السلام)قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام): ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له [10] .

5 ـ قال أبو عبد الله(عليه السلام): إنّ معاوية كتب الي الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما أن أقدم أنت والحسين وأصحاب عليّ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعدّ لهم الخطباء... ثمّ قال: يا قيس! قم فبايع، فالتفت الي الحسين(عليه السلام) ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس! إنّه إمامي (يعني الحسن(عليه السلام)) [11] .


پاورقي

[1] الإمامة والسياسة: 1 / 6.

[2] عليّ والحاکمون: 109، وتأريخ الخلفاء: 71.

[3] تأريخ اليعقوبي: 2 / 41، والعقد الفريد: 2 / 261، وأنساب الأشراف: 5 / 38، وشرح النهج: 1 / 67.

[4] شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 248.

[5] الإرشاد للمفيد: 8 ـ 9.

[6] سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 23.

[7] اُصول الکافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

[8] اُصول الکافي: 1 / 143، باب فرض طاعة الأئمّة.

[9] اُصول الکافي: 1 / 221 ـ 222 باب أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّوجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه.

[10] حياة الإمام الحسين: 2 / 252.

[11] بحار الأنوار: 44 / 61.