بازگشت

موقف مع أبي ذر الغفاري


أمعن الخليفة عثمان بن عفان في التنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته غير مراع حرمة أو كرامة أحد من صحابة الرسول(صلي الله عليه وآله) الذين طالتهم يداه، فصبّ عليهم جام غضبه وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم، وكان أبوذر الغفاري ـ وهو أقدم أصحاب الرسول(صلي الله عليه وآله) الذين سبقوا إلي الإسلام - واحداً من المندّدين بسياسة عثمان والرافضين لها، وقد نهاه عثمان عن ذلك فلم ينته، فالتاع عثمان وضاق به ذرعاً فأبعده الي الشام، وفي الشام أخذ أبوذر يوقظ الناس ويدعوهم الي الحذر من السياسة الاُمويّة التي كان ينتهجها معاوية ابن أبي سفيان والي عثمان الاُموي علي الشام.

لقد غضب معاوية علي حركة أبي ذرّ وكتب الي عثمان يخبره بخطره عليه، فاستدعاه الي المدينة، لكن هذا الصحابي الجليل واصل مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من خطر الاُموية الدخيلة علي الاسلام والمسلمين، فرأي عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه الي جهة نائية لا سكن فيها، فأمر بإبعاده الي الربذة موعزاً الي مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان، فقد انطلق لتوديعه ـ بشكل علني ـ الإمام علي(عليه السلام) والحسنان(عليهما السلام) وعقيل وعبدالله بن جعفر وعمّار بن ياسر رضي الله عنهم. وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه، وقد جاء في كلمة الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصّه:

يا عمّاه! إنّ الله تبارك وتعالي قادر أن يغيّر ما قد تري، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم الي ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً والجزع لا يؤخّر أجلاً [1] .

وبكي أبوذر بكاءاً مرّاً، فألقي نظرة الوداع الأخيرة علي أهل البيت(عليهم السلام) الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له، وخاطبهم بقوله:

«رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، إنّي ثقلت علي عثمان بالحجاز كما ثقلت علي معاوية بالشام، وكره أن اُجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فاُفسد الناس عليهما فسيّرني الي بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله، والله ما اُريد إلاّ الله صاحباً، وما أخشي مع الله وحشة» [2] .


پاورقي

[1] بحار الأنوار: 22 / 412، وراجع: مروج الذهب: 2 / 350.

[2] المصدر السابق.