بازگشت

الحسين في عهد عثمان


بخُلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل السامية أطلّ الإمام الحسين(عليه السلام) علي مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يري اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد، وهو أن لا يصل عليّ(عليه السلام) وبنوه إلي زعامة الدولة الإسلامية بل تبقي الخلافة بعيدة عنهم، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الاُمّة علي ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته؛ حتّي ابتلاها بالشوري السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان.

ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والاُمّة علي حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبراً مُرّاً حتّي قال:

فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجا، أري تراثي نهباً، حتي مضي الأوّل لسبيله، فأدلي بها إلي ابن الخطّاب بعده، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، فصبرت علي طول المدّة وشدّة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيالله وللشوري، متي اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتي صرت اُقرن إلي هذه النظائر؟! [1] .

وازدادت محنة أهل البيت(عليهم السلام) وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم وسعياً أكبر لكي لاتضيع الاُمّة والرسالة، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الاُمّة الإسلامية، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول الله(صلي الله عليه وآله) يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق علي مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالاُمور أحياناً وعصبيّته القبليّة الاُمويّة أحياناً اُخري [2] .

وعاش الحسين(عليه السلام) معاناة الاُمّة وهي تنتفض علي فساد حكم عثمان في مخاض عسير، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف.

وفي خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) المعروفة بالشقشقيّة والتي وصف فيها محنة الاُمّة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جري في حكم عثمان بن عفّان؛ إذ قال(عليه السلام):

إلي أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه [3] بين نثيله [4] ، ومعتلفه [5] ، وقام معه بنو أبيه يخضمون [6] مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع [7] ، إلي أن انتكث عليه فتله [8] ، وأجهز [9] عليه عمله، وكبت [10] به بطنته [11] .


پاورقي

[1] نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.

[2] تاريخ الخلفاء: 57.

[3] نافجاً حضنيه: رافعهما، والحضن: مابين الإبط والکشح.

[4] النثيل: الروث وقذر الدواب.

[5] المعتلف: موضع العلف.

[6] الخضم: أکل الشي الرطب.

[7] النبِتة ـ بکسر النون ـ: کالنبات في معناه.

[8] انتکث عليه فتله: انتقض.

[9] أجهز عليه: تمّم قتله.

[10] کبت به: من کبا الجواد إذا سقط بوجهه.

[11] البِطنة ـ بالکسر ـ: البطر والأشر والتخمة.