بازگشت

رجع الحديث الي حديث عمار الدهني عن أبي جعفر


قال فبينا هو كذلك اذ خرج الخير الي مذحح فاذا علي باب القصر جلبة [1] سمعها عبيدالله فقال ما هذا فقالوا مذحج فقال لشريح اخرج اليهم فأعلمهم أني انما حبسته لأسائله و بعث عينا عليه [2] من مواليه يسمع ما يقول فمر بهاني ء بن عروة فقال له هاني ء اتق الله يا شريح فانه قاتلي فخرج شريح حتي قام علي باب القصر لا بأس عليه انما حبسه الأمير ليسائله فقال صدق ليس علي صاحبكم بأس فتفرقوا فأتي مسلما الخبر فنادي بشعاره فاجتمع اليه أربعة آلاف من أهل الكوفة فقدم مقدمته وعبي ميمنته و ميسرته و سار في القلب الي عبيدالله و بعث عبيدالله الي وجوه [3] أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر فلما سار اليه مسلم انتهي الي باب القصر أشرفوا علي عشائرهم فجعلوا يكلمونهم و يردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتي أمسي في خمسمائة فلما اختلط الظلام ذهب


أولئك أيضا فلما رأي مسلم أنه قد بقي وحده يتردد في الطرق حتي أتي بابا فنزل عليه فخرجت اليه امرأة فقال لها اسقيني فسقته ثم دخلت فمكثت ما شاء الله ثم خرجت فاذا هو علي الباب قالت يا عبدالله ان مجلسك مجلس [4] ريبة فقم قال اني أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوي قالت نعم ادخل و كان ابنها مولي لمحمد بن الأشعث فلما علم به الغلام انطلق الي محمد فأخبره فانطلق محمد الي عبيدالله فأخبره فبعث عبيدالله عمرو بن حريث المخزومي و كان صاحب شرطه اليه و معه عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتي أحيط [5] بالدار فلما رأي ذلك مسلم خرج اليهم بسيفه فقاتلهم فأعطاه عبدالرحمن الأمان فأمكن من يده فجاء به الي عبيدالله فأمر به فأصعد الي أعلي القصر فضربت عنقه و ألقي جثته الي الناس و أمر بهاني ء فسحب الي الكناسة فصلب هنالك و قال شاعرهم في ذلك:



فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



أصابهما أمر الامام فأصبحا

أحاديث من يسعي بكل سبيل



أيركب أسماء الهماليج [6] آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



و أما أبومخنف فانه ذكر من قصة مسلم بن عقيل و شخوصه الي الكوفة و مقتله قصة هي أشبع و أتم من خبر عمار الدهني عن أبي جعفر الذي ذكرناه ما حدثت عن هشام بن محمد عنه قال حدثني عبدالرحمن بن جندب قال حدثني عقبة بن سمعان مولي الرباب ابنة امري ء القيس الكلبية امرأة حسين و كانت مع سكينة ابنة حسين و هو مولي لأبيها و هي اذ ذاك صغيرة قال خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم فقال للحسين أهل بيته لو تنكبت [7] الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب قال لا والله لا أفارقه حتي يقضي الله ما هو أحب اليه.


قال فاستقبلنا عبدالله بن مطيع [8] فقال للحسين جعلت فداك أين تريد قال أما الآن فاني أريد مكة و أما بعدها فاني أستخير الله قال خار الله لك و جعلنا فداك فاذا أنت أتيت مكة فاياك أن تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤمة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي علي نفسه الزم الحرم فانك سيد العرب لا يعدل بك والله أهل الحجاز أحدا و يتداعي اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فذاك عمي و خالي فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك فأقبل حتي نزل مكة فأقبل أهلها يختلفون [9] اليه و يأتونه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم الكعبة فهو قائم يصلي عندها عامة النهار و يطوف و يأتي حسينا فيمن يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه كل يومين مرة و لا يزال يشير عليه بالرأي و هو أثقل خلق الله علي ابن الزبير قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه و لا يتابعونه أبدا مادام حسين بالبلد و أن حسينا أعظم في أعينهم و أنفسهم منه و أطوع في الناس منه فلما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية أرجف [10] أهل العراق بيزيد و قالوا قد امتنع حسين و ابن الزبير و لحقا بمكة فكتب أهل الكوفة الي حسين و عليهم النعمان ابن بشير - قال أبومخنف فحدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشر الهمداني قال اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد [11] فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه فقال لنا سليمان بن صرد ان معاوية قد هلك و ان حسينا قد تقبض علي القوم ببيعته و قد خرج الي مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا اليه و ان خفتم الوهل [12] و الفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه قال فاكتبوا اليه فكتبوا اليه.


(بسم الله الرحمن الرحيم) لحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة ابن شداد و حبيب بن مظاهر و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله الا هو أما بعد فالحمدلله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزي [13] علي هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيأها [14] و تأمر عليها بغير رضي منها ثم قتل خيارها و استبقي شرارها و جعل مال الله دولة [15] بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق و النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه الي عدو لوقد بلغنا أنك قد أقبلت الينا أخرجناه حتي نلحقه بالشأم ان شاء الله و السلام و رحمة الله عليك قال ثم سرحنا بالكتاب مع عبدالله بن سبع الهمداني و عبدالله بن وال و أمرناهما بالنجاء [16] فخرج الرجلان مسرعين حتي قدما علي حسين لعشر مضين من شهر رمضان بمكة ثم لبثنا يومين ثم سرحنا اليه قيس بن مسهر الصيداوي و عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرجي و عمارة بن عبيد السلولي فحملوا معهم نحوا من ثلاثة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة قال ثم لبثنا يومين آخرين ثم سرحنا اليه هاني ء السبيعي و سعيد بن عبدالله الحنفي و كتبنا معهما (بسم الله الرحمن الرحيم) لحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين أما بعد فحيهلا [17] فان الناس ينتظرونك و لا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل و السلام عليك و كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث و يزيد بن رويم و عزرة بن قيس و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمير التميمي أما بعد فقد اخضر الجناب و أينعت الثمار و طمت [18] الجمام فاذا


شئت فأقدم علي جند لك محند [19] و السلام عليك و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن أمر الناس ثم كتب مع هاني ء بن هاني ء السبيعي و سعيد بن عبدالله الحنفي.

و كان آخر الرسل (بسم الله الرحمن الرحيم) من حسين بن علي الي الملا من المؤمنين و المسلمين أما بعد فان هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي و الحق و قد بعثت اليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي و أمرته أن يكتب لي بحالكم و أمركم و رأيكم فان يكتب الي أنه قد أجمع رأي ملئكم و ذوي الفضل و الحجي [20] منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم و قرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا ان شاء الله فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه علي ذات الله و السلام قال أبومخنف و ذكر أبوالمخارق الراسي قال اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبدالقيس يقال لها مارية ابنة سعد أو منقذ أياما و كانت تشيع و كان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه و قد بلغ ابن زياد اقبال الحسين فكتب الي عامله بالبصرة ان يضع المناظر و يأخذ بالطريق قال فأجمع يزيد بن نبيط الخروج و هو من عبدالقيس الي الحسين و كان له بنون عشرة فقال أيكم يخرج معي فانتدب معه ابنان له عبدالله و عبيدالله فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة اني قد أزمعت علي الخروج و أنا خارج فقالوا له انا نخاف عليك أصحاب ابن زياد فقال اني والله لو قد استوت أخفافهما بالجدد [21] لها علي طلب من طلبني قال ثم خرج فقوي في الطريق حتي انتهي الي حسين عليه السلام فدخل في رحله بالابطح و بلغ الحسين مجيئه فجعل يطلبه و جاء الرجل الي رحل الحسين فقيل له قد خرج الي منزلك فأقبل في أثره و لما لم يجده الحسين جلس في رحله ينتظره و جاء البصري فوجده في رحله جالسا


فقال بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا قال فسلم عليه و جلس اليه فأخبره بالذي جاء له فدعا له بخير ثم أقبل معه حتي أتي فقاتل معه فقتل معه هو و ابناه ثم دعا مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبيد السلولي و عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرحبي فأمره بتقوي الله و كتمان أمره و اللطف فان رأي الناس مجتمعين مستوثقين عجل اليه بذلك فأقبل مسلم حتي أتي المدينة فصلي في مسجد رسول الله صلي الله عليه و سلم و ودع من أحب من أهله ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به فضلا الطريق و جارا و أصابهم عطش شديد و قال الدليلان هذا الطريق حتي ينتهي الي الماء و قد كادوا أن يموتوا عطشا فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي الي حسين و ذلك بالمضيق من بطن الخبيت أما بعد فاني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق و ضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا و أقبلنا حتي انتهينا الي الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا [22] و ذلك الماء بمكان يدعي المضيق من بطن الخبيت و قد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت أعفيتني منه و بعثت غيري و السلام فكتب اليه حسين أما بعد فقد خشيت ألا يكون حملك علي الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي و جهتك له الا الجبن فامض لوجهك الذي و جهتك له و السلام عليك فقال مسلم لمن قرأ الكتاب هذا ما لست أتخوفه علي نفسي فأقبل كما هو حتي مر بماء لطي ء فنزل بهم ثم ارتحل منه فاذا رجل يرمي الصيد فنظر اليه قد رمي ظبيا حين أشرف له فصرعه.

فقال مسلم يقتل عدونا ان شاء الله ثم أقبل مسلم حتي دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيد و هي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب و أقبلت الشيعة تختلف اليه فلما اجتمعت اليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد فاني لا أخبرك عن الناس و لا أعلم ما في أنفسهم و ما أغرك منهم والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه والله لأجيبنكم اذا دعوتم و لأقاتلن معكم عدوكم


و لأضربن بسيفي دونكم حتي ألقي الله لا أريد بذلك الا ما عندالله فقام [23] فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك ثم قال و أنا والله الذي لا اله الا هو علي مثل ما هذا عليه ثم قال الحنفي مثل ذلك الحجاج بن علي فقلت لمحمد بن بشر فهل كان منك أنت قول فقال ان كنت لأحب أن يعز الله أصحابي بالظفر و ما كنت لأحب أن أقتل و كرهت أن أكذب و اختلفت الشيعة [24] اليه حتي علم مكانه فبلغ ذلك النعمان بن بشير.

قال أبومخنف حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال خرج الينا النعمان بن بشير فصعد المنبر فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا الي الفتنة و الفرقة فان فيهما يهلك الرجال و تسفك الدماء و تغصب الأموال و كان حليما ناسكا يحب العافية قال اني لم أقاتل من لم يقاتلني و لا أثب علي من لا يثب علي و لا أشاتمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف [25] و لا الظنة و لا التهمة ولكنكم ان أبديتم صفحتكم لي ونكثتم [26] بيعتكم و خالفتم امامكم فوالله الذي لا اله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر أما اني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل قال فقام اليه عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال انه لا يصلح ما تري الي الغشم ان هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين فقال أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب الي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل و خرج عبدالله بن مسلم و كتب الي يزيد بن معاوية أما بعد فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فان كان لك بالكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك


و يعمل مثل عملك في عدوك فان النعمان بن بشير رجل ضعيف [27] أو هو يتضعف فكان أول من كتب اليه ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب اليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك قال هشام قال عوانة فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم الا يومان دعا يزيد بن معاوية سرجون مولي معاوية فقال ما رأيك فان حسينا قد توجه نحو الكوفة و مسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سي ء و أقرأه كتبهم فما تري من أستعمل علي الكوفة و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد فقال سرجون أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه قال نعم فأخرج عهد عبيدالله علي الكوفة فقال هذا رأي معاوية و مات.

و قد أمر بهذا الكتاب فأخذ برأيه و ضم المصرين الي عبيدالله و بعث اليه بعهده علي الكوفة ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كان عنده فبعثه الي عبيدالله بعهده الي البصرة و كتب اليه معه أما بعد فانه كتب الي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتي تأتي اهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتي تثقفه [28] فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام فأقبل مسلم ابن عمرو حتي قدم علي عبيدالله بالبصرة فأمر عبيدالله بالجهاز و التهي ء و المسير الي الكوفة من الغد.

و قد كان حسين كتب الي أهل البصرة كتابا قال هشام قال أبومخنف حدثني الصعقب بن زهير عن أبي عثمان النهدي قال كتب حسين مع مولي لهم يقال له سليمان و كتب بنسخة الي رؤوس الأخماس [29] بالبصرة و الي الأشراف فكتب الي مالك بن مسمع البكري و الي الاحنف بن قيس و الي المنذر بن الجارود و الي مسعود بن عمرو و الي قيس بن الهيثم و الي عمرو بن عبيدالله بن معمر


فجاءت منه نسخة واحدة الي جميع أشرافها أما بعد فان الله اصطفي محمدا صلي الله عليه و سلم علي خلقه و أكرمه بنبوته [30] و اختاره لرسالته ثم قبضه الله اليه و قد نصح لعباده و بلغ ما أرسل به صلي الله عليه و سلم و كنا أهله و أولياءه و أوصياءه [31] و ورثته و أحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا و كرهنا الفرقة و أحببنا العافية و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه و قد أحسنوا و أصلحوا و تحروا الحق فرحمهم الله و غفرلنا و لهم و قد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب و أنا أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و سلم فان السنة قد أميتت و ان البدعة قد أحييت و أن تسمعوا قولي و تطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد و السلام عليكم و رحمة الله.

فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غير المنذر بن الجارود فانه خشي بزعمه أن يكون دسيسا من قبل عبيدالله فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق الي الكوفة و أقرأه كتابه فقدم الرسول فضرب عنقه و صعد عبيدالله منبر البصرة فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد فوالله ما تقرن بي الصعبة و لا يقعقع لي بالشنان و اني لنكل لمن عاداني و سم لمن حاربني أنصف القارة من راماه يا أهل البصرة ان أميرالمؤمنين و لاني الكوفة و أنا غاد اليها الغداة و قد استخلفت عليكم عثمان بن زيد بن أبي سفيان و اياكم و الخلاف و الارجاف [32] فوالذي لا اله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عريفه و وليه و لآخذن الأدني بالأقصي حتي تستمعوا لي و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطي ء الحصي و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم.

ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان بن زياد و أقبل الي الكوفة و معه مسلم بن عمر و الباهلي و شريك بن الاعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتي


دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم و الناس قد بلغهم اقبال حسين اليهم ينتظرون قدومه فظنوا حين قدم عبيدالله أنه الحسين فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس الا سلموا عليه و قالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأي من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا تأخروا هذا الأمير عبيدالله بن زياد فأخذ حين أقبل علي الظهر و انما بضعة عشر رجلا فلما دخل القصر و علم الناس أنه عبيدالله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة و حزن شديد و غاظ عبيدالله ما سمع منهم و قال ألا أري هؤلاء كما أري.

قال هشام قال أبومخنف فحدثني المعلي بن كليب عن أبي وداك قال ما نزل القصر نودي الصلاة جامعة قال فاجتمع الناس فخرج الينا فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد فان أميرالمؤمنين أصلحه الله و لاني مصركم و ثغركم و أمرني بانصاف مظلومكم و اعطاء محرومكم و بالاحسان الي سامعكم و مطيعكم و بالشدة علي مريبكم و عاصيكم و أنا متبع فيكم أمره و منفذ فيكم عهده فأنا لمحسنكم و مطيعكم كالوالد البروسوطي و سيفي علي من ترك أمري و خالف عهدي فليبق امرؤ علي نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد.

ثم نزل فأخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا فقال اكتبوا الي الغرباء و من فيكم من طلبة أميرالمؤمنين و من فيكم من الحرورية و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق فمن كتبهم لنا فبري ء و من لم يكتب لنا أحدا فيضمن لنا ما في عرافته ألا يخالفنا منهم مخالف و لا يبغي علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا ماله و سفك دمه و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب علي باب داره.

و ألغيت تلك العرافة من العطاء و سير الي موضع بعمان الزارة - و أما عيسي بن يزيد الكناني فانه قال فيما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم عن علي بن صالح عنه قال لما جاء كتاب يزيد الي عبيدالله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم عبدالله بن الحارث بن نوفل و شريك بن الأعور و كان شيعة لعلي فكان أول من سقط بالناس شريك فيقال انه تساقط غمرة و معه ناس ثم سقط عبدالله بن الحارث و سقط معه ناس و رجوا أن يلوي عليهم عبيدالله


و يسبقه الحسين الي الكوفة فجعل لا يلتفت الي من سقط و يمضي حتي ورد القادسية و سقط مهران مولاه فقال أيا مهران علي هذه الحال ان أمسكت عنك حتي تنظر الي القصر فلك مائة ألف قال لا و الله ما أستطيع فنزل عبيدالله فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن ثم اعتجر [33] بمعجرة يمانية فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده فجعل يمر بالمحارس فكلما نظروا اليه لم يشكوا أنه الحسين فيقولون مرحبا يا ابن رسول الله و جعل لا يكلمهم و خرج اليه الناس من دورهم و بيوتهم و سمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه و علي خاصته و انتهي اليه عبيدالله و هو لا يشك انه الحسين و معه الخلق يضجون فكلمه النعمان فقال أنشدك الله ألا تنحيت عني ما أنا بمسلم اليك أمانتي و مالي في قتلك من أرب [34] فجعل لا يكلمه ثم انه دنا و تدلي الآخر بين شرفتين فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال ليلك فسمعها انسان خلفه فتكفي الي القوم فقال أي قوم ابن مرجانة و الذي لا اله غيره فقالوا ويحك انما هو الحسين ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا.

و أصبح فجلس علي المنبر فقال أيها الناس اني لأعلم أنه قد سار معي و أظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين حين ظن أن الحسين قد دخل البلد و غلب عليه و الله ما عرفت منكم أحدا ثم نزل و أخير أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة و أنه بناحية الكوفة فدعا مولي لبني تميم فأعطاه مالا و قال انتحل هذا الأمر و أعنهم بالمال و اقصد لهاني ء و مسلم و انزل عليه فجاء هانئا فأخبره أنه شيعة و أن معه مالا و قدم شريك بن الأعور شاكيا فقال لهاني ء مر مسلما يكون عندي فان عبيدالله يعودني.

و قال شريك لمسلم أرأيتك ان أمكنتك من عبيدالله أضاربه أنت بالسيف قال نعم و الله و جاء عبيدالله شريكا يعوده في منزل هاني ء و قد قال شريك لمسلم اذا سمعتني أقول أسقوني ماء فاخرج عليه فاضربه و جلس عبيدالله علي فراش شريك و قام علي رأسه مهران فقال اسقوني ماء فخرجت جارية بقدح فرأت


مسلما فزالت فقال شريك اسقوني ماء ثم قال الثالثة و سلكم تحموني الماء أسقونيه ولو كانت فيه نفسي ففطن مهران فغمز عبيدالله فوثب فقال شريك أيها الأمير اني أريد أن أوصي اليك قال أعود اليك.

فجعل مهران يطرد به و قال أراد و الله قتلك قال و كيف مع اكرامي شريكا و في بيت هاني ء و يد أبي عنده فرجع فأرسل الي أسماء بن خارجة و محمد بن الأشعث فقال ائتياني بهاني ء فقالا له انه لا يأتي الا بالأمان قال و ماله و للامان و هل أحدث حدثا انطلقا فان لم يأت الا بأمان فآمناه تأتياه فدعواه فقال انه ان أخذني قتلني فلم يزالا به حتي جاءا به و عبيدالله يخطب يوم الجمعة فجلس في المسجد و قد رجل هاني ء غدير تيه فلما صلي عبيدالله قال يا هاني ء فتبعه و دخل فسلم فقال عبيدالله يا هاني ء أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة الا قتله غير أبيك و غير حجر و كان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن صحتك ثم كتب الي أمير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني ء قال نعم فكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلا ليقتلني قال ما فعلت فأخرج التميمي الذي كان عينا عليهم فلما رآه هاني ء علم أن قد أخبره الخبر فقال أيها الأمير قد كان الذي بلغك و لن أضيع يدك عني فأنت آمن و أهلك فسر حيث شئت.

فكبا عبيدالله عندها و مهران قائم علي رأسه في يده معكزة فقال و اذلاه هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك فقال خذه فطرح المعكزة و أخذ بضفيرتي هاني ء ثم أقنع بوجهه ثم أخذ عبيدالله المعكزة فضرب به وجه هاني ء و ندر الزج فارتز في الجدار ثم ضرب وجهه حتي كسر أنفه و جبينه و سمع الناس الهيعة [35] و بلغ الخبر مذحج فأقبلوا فأطافوا بالدار و أمر عبيدالله بهاني ء فألقي في بيت و صيح المذحجيون [36] و أمر عبيدالله مهران أن يدخل عليه شريحا فخرج فأدخله عليه و دخلت الشرط معه فقال يا شريح قد تري ما يصنع في قال أراك حيا قال وحي أنا مع ما تري أخبر قومي أنهم ان انصرفوا قتلني فخرج الي عبيدالله فقال


قد رأيته حيا و رأيت أثرا سيئا قال و تنكر أن يعاقب الوالي رعيته أخرج الي هؤلاء فأخبرهم فخرج و أمر عبيدالله الرجل فخرج معه فقال لهم شريح ما هذه الرعة السيئة الرجل حي و قد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه فانصرفوا و لا تحلوا بأنفسكم و لا بصاحبكم فانصرفوا.

و ذكر هشام عن أبي مخنف عن المعلي بن كليب عن أبي الوداك قال نزل شريك بن الأعور علي هاني ء ابن عروة المرادي و كان شريك شيعيا و قد شهد صفين مع عمار و سمع مسلم بن عقيل بمجي ء عبيدالله و مقالته التي قالها و ما أخذ به العرفاء و الناس فخرج من دار المختار و قد علم به حتي انتهي الي دار هاني ء بن عروة المرادي فدخل بابه و أرسل اليه أن اخرج فخرج اليه هاني ء فكره هاني ء مكانه حين رآه فقال له مسلم أتيتك لتجيرني و تضيفني فقال رحمك الله لقد كلفتني شططا [37] و لولا دخولك داري و ثقتك لأحببت و لسألتك أن تخرج عني غير أنه يأخذني من ذلك ذمام و ليس مردود مثلي علي مثلك عن جهل أدخل فآراه و أخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني ء بن عروة و دعا ابن زياد مولي يقال له معقل فقال له خذ ثلاثة آلاف درهم ثم أطلب مسلم بن عقيل و اطلب لنا أصحابه ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف فقال لهم استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم فانك لو قد أعطيتها اياهم اطمأنوا اليك و وثقوا بك و لم يكتموك شيئا من أخبارهم ثم اغد عليهم و رح ففعل ذلك فجاء حتي أتي الي مسلم بن عوسجة الأسدي من بني سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم و هو يصلي و سمع الناس يقولون ان هذا يبايع للحسين.

فجاء فجلس حتي فرغ من صلاته ثم قال يا عبدالله اني امرؤ من أهل الشأم مولي لذي الكلاع أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت و حب من أحبهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و كنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه و لا يعرف مكانه فاني لجالس آنفا في المسجد اذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون هذا رجل


له علم بأهل هذا البيت و اني أتيتك لتقبض هذا المال و تدخلني علي صاحبك فأبايعه و ان شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه فقال احمد الله علي لقائك اياي فقد سرني ذلك لتنال ما تحب و لينصر الله بك أهل بيت نبيه و لقد ساءني معرفتك اياي بهذا الأمر من قبل أن ينمي مخافة هذا الطاغية و سطوته فأخذ بيعته قبل أن يبرح و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به.

ثم قال له اختلف الي أياما في منزلي فأنا طالب لك الاذن علي صاحبك فأخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن فمرض هاني ء بن عروة فجاء عبيدالله عائدا له فقال له عمارة بن عبيد السلولي انما جماعتنا و كيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك الله منه فاقتله قال هاني ء ما أحب أن يقتل في داري فخرج.

فما مكث الا جمعة حتي مرض شريك بن الأعور و كان كريما علي ابن زياد و علي غيره من الأمراء و كان شديد التشيع فأرسل اليه عبيدالله اني رائح اليك العشية فقال لمسلم ان هذا الفاجر عائدي العشية فاذا جلس فاخرج اليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك و بينه فان برئت من وجعي هذا أيامي هذه سرت الي البصرة و كفيتك أمرها.

فلما كان من العشي أقبل عبيدالله لعيادة شريك فقام مسلم بن عقيل ليدخل و قال له شريك لا يفوتنك اذا جلس فقام هاني ء بن عروة اليه فقال اني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك فجاء عبيدالله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكا عن وجعه و قال ما الذي تجد و متي أشكيت فلما طال سؤاله اياه و رأي أن الآخر لا يخرج خشي أن يفوته فأخذ يقول ما تنظرون بسلمي أن تحيوها أسقنيها و ان كانت فيها نفسي فقال ذلك مرتين أو ثلاثا فقال عبيدالله و لا يفطن ما شأنه أترونه يهجر [38] فقال له هاني ء نعم أصلحك الله مازال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح [39] حتي ساعته هذه ثم انه قام فانصرف فخرج مسلم


فقال له شريك ما منعك من قتله فقال خصلتان أما احداهما فكراهة هاني ء ان يقتل في داره و أما الأخري فحديث حدثه الناس عن النبي صلي الله عليه و سلم ان الايمان قيد الفتك و لا يفتك مؤمن [40] .

فقال هاني ء أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ولكن كرهت أن يقتل في داري و لبث شريك بن الأعور بعد ذلك ثلاثا ثم مات فخرج ابن زياد فصلي عليه و بلغ عبيدالله بعد ما قتل مسلما و هانئا أن ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه انما كان يحرض مسلما و يأمره بالخروج اليك ليقتلك فقال عبيدالله و الله لا أصلي علي جنازة رجل من أهل العراق أبدا و والله لولا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا ثم أن معقلا مولي ابن زياد الذي دسه بالمال الي ابن عقيل و أصحابه اختلف الي مسلم بن عوسجة أياما ليدخله علي ابن عقيل فأقبل به حتي أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور فأخبره خبره كله فأخذ ابن عقيل بيعته و أمر أباثمامة الصائدي فقبض ماله الذي جاء به و هو الذي كان يقبض أموالهم و ما يعين به بعضهم بعضا يشتري لهم السلاح و كان به بصيرا و كان من فرسان العرب و وجوه [41] الشيعة و أقبل ذلك الرجال يختلف اليهم [42] فهو أول داخل و آخر خارج يسمع أخبارهم و يعلم أسرارهم ثم ينطلق بها حتي يقرها في أذن ابن زياد قال و كان هاني ء يغدو و يروح الي عبيدالله فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف و تمارض [43] فجعل لا يخرج فقال ابن زياد لجلسائه مالي لا أري هانئا فقالوا هو شاك فقال لو علمت بمرضه لعدته.

قال أبومخنف فحدثني المجالد بن سعيد قال دعا عبيدالله محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة قال أبومخنف حدثني لحسن بن عقبة المرادي أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي.

قال أبومخنف و حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال كانت روعة أخت


عمرو بن الحجاج تحت هاني ء بن عروة و هي أم يحيي بن هاني ء فقال لهم ما يمنع هاني ء بن عروة من اتياننا قالوا ما ندري أصلحك الله و انه ليتشكي قال قد بلغني أنه قد برأ [44] و هو يجلس علي باب داره فالقوة فمروه ألا يدع ما عليه في ذلك من الحق فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب فأتوه حتي وقفوا عليه عشية و هو جالس علي بابه فقالوا ما يمنعك من لقاء الأمير فانه قد ذكرك و قد قال لو أعلم انه شاك لعدته فقال لهم الشكوي يمنعني فقالوا له يبلغه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك و قد استبطأك و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان أقسمنا عليك لما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلة فركبها حتي اذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة يا ابن أخي اني و الله لهذا الرجل لخائف فما تري.

قال أي عم و الله ما أتخوف عليك شيئا و لم تجعل علي نفسك سبيلا و انت بري ء و زعموا أن أسماءهم لم يعلم في أي شي ء بعث اليه عبيدالله فأما محمد فقد علم به فدخل القوم علي ابن زياد و دخل معهم فلما طلع قال عبيدالله أتتك بحائن رجلاه و قد عرس عبيدالله اذ ذاك بأم نافع ابنة عمارة بن عقبة فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه فقال:



أريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليليك المراد



و قد كان له أول ما قدم مكر ما ملطفا فقال له هاني ء و ما ذاك أيها الأمير قال ايه يا هاني ء بن عروة ما هذه الامور التي تربض [45] في دورك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت أن ذلك يخفي علي لك قال ما فعلت و ما مسلم عندي قال بلي قد فعلت قال ما فعلت قال بلي فلما كثر ذلك بينهما و أبي هاني ء الا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتي وقف بين يديه فقال أتعرف هذا قال نعم و علم هاني ء عند ذلك أنه كان عيناه [46] عليهم و أنه قد أتاه


بأخبارهم فسقط في خلده [47] ساعة ثم ان نفسه راجعته فقال له اسمع مني و صدق مقالتي فوالله لا أكذبك و الله الذي لا اله غيره ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من أمره حتي رأيته جالسا علي بابي فسألني النزول علي فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام فأدخلته داري و ضفته و آويته و قد كان من أمره الذي بلغك فان شئت أعطيت الآن موثقا مغلظا و ما تطمئن اليه ألا أبغيك سوءا و ان شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك و أنطلق اليه فآمره أن يخرج من داري الي حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره فقال لا والله لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به فقال لا و الله لا أجيئك به أبدا أنا أجيئك بضيفي تقتله قال و الله لتأتيني به قال و الله لا آتيك به.

فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شأمي و لا بصري غيره فقال أصلح الله الأمير خلني و اياه حتي أكلمه لما رأي لجاجته و تأبيه [48] علي ابن زياد أن يدفع اليه مسلما.

فقال لهاني ء قم الي ههنا حتي أكلمك فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه علي ذلك قريب حيث يراهما اذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان و اذا خفضا خفي عليه ما يقولان فقال له مسلم يا هاني ء اني أنشدك الله أن تقتل نفسك و تدخل البلاء علي قومك و عشيرتك فوالله اني لأنفس بك عن القتل و هو يري أن عشيرته ستحرك في شأنه أن هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه [49] فادفعه اليه فانه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة انما تدفعه الي السلطان قال بلي والله أن علي في ذلك للخزي و العار أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أري شديد الساعد كثير الأعوان و الله لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه فأخذ يناشده و هو يقول و الله لا أدفعه اليه أبدا فسمع ابن زياد ذلك فقال ادنوه مني فأدنوه منه فقال و الله لتأتيني به


أو لأضربن عنقك قال اذا تكثر البارقة حول دارك فقال والهفا عليك [50] أبا البارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه فقال ابن زياد ادنوه مني فأدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتي كسر أنفه و سيل الدماء علي ثيابه و نثر لحم خديه و جبينه علي لحيته حتي كسر القضيب و ضرب هاني ء بيده الي قائم سيف شرطي من تلك الرجال و جابذه [51] الرجل و منع فقال عبيدالله أحروري سائر اليوم أحللت بنفسك قد حل لنا قتلك خذوه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه و اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام اليه أسماء ابن خارجة فقال أرسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتي اذا جئناك به و أدخلناه عليك هشمت وجهه وسيلت دمه علي لحيته و زعمت أنك تقتله فقال له عبيدالله و انك لههنا فأمر به فلهز و تعتع به ثم ترك فحبس.

و أما محمد بن الأشعث فقال قد رضينا بما رأي الأمير لنا كان أم علينا انما الأمير مؤدب و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر و معه جمع عظيم ثم نادي أنا عمرو بن الحجاج هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة و قد بلغهم أن صاحبهم يقتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيدالله هذه مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل علي صاحبهم فانظر اليه ثم اخرج فأعلمهم أنه حتي لم يقتل و أنك قد رأيته فدخل اليه شريح فنظر اليه.

قال أبومخنف فحدثني الصقعب بن زهير عن عبدالرحمن بن شريح قال سمعته يحدث اسماعيل بن طلحة قال دخلت علي هاني ء فلما رآني قال يا الله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي فأين أهل الدين و أين أهل المصر تفاقدوا يخلوني و عدوهم و ابن عدوهم و الدماء تسيل علي لحيته اذ سمع الرجة علي باب القصر و خرجت و ابتعني فقال يا شريح اني لا أظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين أن دخل علي عشرة نفر انقذوني قال فخرجت اليهم و معي حميد بن بكر


الأحمري أرسله معي ابن زياد و كان من شرطه [52] ممن يقوم علي رأسه و أيم الله لولا مكانه معي لكنت أبلغت أصحابه ما أمرني به فلما خرجت اليهم قلت ان الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول اليه فأتيته فنظرت اليه فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي و أن الذي بلغكم من قتله كان باطلا فقال عمرو و أصحابه فأما اذ لم يقتل و الحمدلله ثم انصرفوا.

قال أبومخنف حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني قال لما ضرب عبيدالله هانئا و حبسه خشي أن يثب الناس به فخرج فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه [53] فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و لا تختلفوا و لا تفرقوا [54] فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تحفوا و تحرموا ان أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر قال ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتي دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيدالله القصر مسرعا و أغلق أبوابه.

قال أبومخنف حدثني يوسف بن يزيد عن عبدالله بن حازم قال أنا والله رسول ابن عقيل الي القصر لأنظر الي ما صار أمر هاني ء قال فلما ضرب و حبس ركبت فرس و كنت أول أهل الدار دخل علي مسلم بن عقيل بالخبر و اذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عثرتاه يا ثكلاه فدخلت علي مسلم بن عقيل بالخبر فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله و قد بايعه ثمانية عشر ألفا و في الدور أربعة آلاف رجل فقال لي ناد يا منصور أمت فناديت يا منصور أمت و تنادي أهل الكوفة فاجتمعوا اليه فعقد مسلم لعبيدالله بن عمرو بن عزيز الكندي علي ربع كندة و ربيعة و قال سر أمامي في الخيل ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي علي ربع مذحج و أسد قال انزل في الرجال فأنت عليهم و عقد لابن ثمامة الصائد علي ربع تميم و همدان و عقد لعباس بن جعدة الجدلي علي ربع


المدينة ثم أقبل نحو القصر فلما بلغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر و غلق الأبواب.

قال أبومخنف و حدثني يونس بن أبي اسحاق عن عباس الجدلي قال خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف فلما بلغنا القصر الا و نحن ثلثمائة قال و أقبل مسلم يسير في الناس من مراد حتي أحاط بالقصر ثم ان الناس تداعوا الينا [55] و اجتمعوا فوالله ما لبثنا الا قليلا حتي امتلأ المسجد من الناس و السوق و مازالوا يثوبون [56] حتي المساء بعبيدالله ذرعه و كان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر و ليس معه الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و مواليه و أقبل أشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميين و جعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون اليهم فيتقون أن يرموهم بالحجارة و أن يشتموهم و هم لا يفترون علي عبيدالله و علي أبيه و دعا عبيدالله كثير بن شهاب ابن الحصين الحارثي فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضر موت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار ابن أبجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن العامري و حبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم لقلة عدد من معه من الناس و خرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل.

قال أبومخنف فحدثني ابن جناب الكلبي أن كثيرا ألفي رجلا من كلب يقال له عبد الأعلي بن يزيد قد لبس سلاحه يريد أبن عقيل في بني فتيان فأخذه حتي أدخله علي ابن زياد فأخبره خبره فقال لابن زياد انما أردتك قال و كنت وعدتني ذلك من نفسك فأمر به فحبس و خرج محمد بن الأشعث حتي وقف عند دورتي عمارة و جاءه عمارة بن صلخب الأزدي و هو يريد ابن عقيل عليه سلاحه فأخذه فبعث به الي ابن زياد فحبسه فبعث ابن عقيل الي محمد بن الأشعث من


المسجد عبدالرحمن بن شريح الشبامي فلما رأي محمد بن الاشعث كثرة من أتاه أخذ يتنحي و يتأخر و أرسل القعقاع بن شور الذهلي الي محمد الأشعث قد حلت علي ابن عقيل من العرار فتأخر عن موقفه فأقبل حتي دخل علي ابن زياد من قبل دار الروميين فلما اجتمع عند عبيدالله كثير بن شهاب و محمد و القعقاع فيمن أطاعهم من قومهم فقال له كثير و كانوا مناصحين لابن زياد أصلح الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك فاخرج بنا اليهم فأبي عبيدالله و عقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه و أقام الناس مع ابن عقيل يكبرون و يثوبون حتي المساء و أمرهم شديد فبعث عبيدالله الي الأشراف فجمعهم اليه ثم قال أشرفوا علي الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة و أعلموهم فصول الجنود من الشام اليهم.

قال أبومخنف حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبدالله بن حازم الكبري الأزدي من بني كبير قال أشرف علينا الأشراف فتكلم كثير بن شهاب أول الناس حتي كادت الشمس أن تجب [57] فقال أيها الناس الحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فان هذه جنود أميرالمؤمنين يزيد قد أقبلت و قد أعطي الله الأمير عهدا لئن أتممتم علي حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام علي غير طمع و أن يأخذ البري ء بالسقيم و الشاهد بالغائب حتي لا يبقي له فيكم بقية من أهل المعصية الا أذاقها وبال ما جرت أيديها و تكلم الأشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون و أخذوا ينصرفون.

قال أبومخنف فحدثني المجالد بن سعيد أن المرأة كانت تأتي ابنها او أخاها فتقول انصرف الناس يكفونك و يجي ء الرجل الي ابنه أو أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فما زالوا يتفرقون و يتصدعون حتي أمسي ابن عقيل و ما معه ثلاثون نفسا في المسجد حتي صليت


المغرب فما صلي مع ابن عقيل الا ثلاثون نفسا فلما رأي أنه قد أمسي و ليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة فلما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب و اذا ليس معه انسان و التفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق و لا يدله علي منزل و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضي علي وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتي خرج الي دور بني حبلة من كندة فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس أومه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه فقال لها يا أمة الله اسقيني ماء فدخلت فسقته فجلس و أدخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبدالله ألم تشرب قال بلي قالت فاذهب الي أهلك فسكت ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت ثم قالت له في ء لله سبحان الله يا عبدالله فمر الي أهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي و لا أحله لك فقام فقال يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل و لا عشيرة فهل لك الي أجر و معروف و لعلي مكافئك به بعد اليوم فقالت يا عبدالله و ما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فأدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه فقال و الله انه ليريبني [58] كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه ان لك لشأنا قالت يا بني اله عن هذا قال لها و الله لتخبرني قالت أقبل علي شأنك و لا تسألني عن شي ء فألح عليها فقالت يا بني لا تحدثن أحدا من الناس بما أخبرك به و أخذت عليه الايمان فخلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت و زعموا أنه قد كان شريدا من الناس و قال بعضهم كان يشرب مع أصحاب له و لما طال علي ابن زياد و أخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمعه قبل ذلك قال لأصحابه أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يروا أحدا قال فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ففرعوا بحابح المسجد و جعلوا يخفضون شعل النار في


أيديهم ثم ينظرون هل في الظلال أحد و كانت أحيانا تضي ء لهم و أحيانا لا تضي ء لهم كما يريدون فدلوا القناديل و أنصاف الطنان تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلي حتي تنتهي الي الأرض.

ففعلوا ذلك في أقصي الظلال و أدناها و أوسطها حتي فعلوا ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا علموا ابن زياد ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادي ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد فلم يكن له الا ساعة حتي أمتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة فقال الحصين بن تميم ان شئت صليت بالناس أو يصلي بهم غيرك و دخلت أنت فصليت في القصر فاني لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك فقال مر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون و در فيهم فاني لست بداخل اذا فصلي بالناس ثم قام فحمدالله و أثني عليه ثم قال أما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.

يا حصين ابن تميم ثكلتك أمك ان صاح باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة فابعث مراصدة علي أفواه السكك و أصبح غدا و استبر الدور و جس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل.

و كان الحصين علي شرطه و هو من بني تميم ثم نزل ابن زياد فدخل و قد عقد لعمرو بن حريث راية و أمره علي الناس فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش و لا يتهم ثم أقعده الي جنبه و أصبح ابن تلك العجوز و هو بلال بن أسيد الذي آوت أمه ابن عقيل فغدا الي عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن


عقيل عند أمه قال فأقبل عبدالرحمن حتي أتي أباه و هو عند بن زياد فساره [59] فقال له ابن زياد ما قال لك قال أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا [60] فنحس [61] بالقضيب في جنبه ثم قال قم فاتني به الساعة.

قال أبومخنف فحدثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي أن ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل بعث الي عمرو بن حريث و هو في المسجد خليفته علي الناس أن ابعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس و انما كره ان يبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل فبعث معه عمرو بن عبيدالله بن عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس حتي أتوا الدار التي فيها ابن عقيل فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال عرف أنه قد أتي فخرج اليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكيز بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا و أشرع السيف في السفلي و نصلت لها ثنيتاه فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة وثني بأخري علي حبل العاتق كادت تطلع علي جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه [62] من فوق ظهر البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يقلبونها عليه من فوق البيت فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه [63] في السكة فقاتلهم فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال يا فتي لك الأمان لا تقتل نفسك فأقبل يقاتلهم و هو يقول:



أقسمت لا أقتل الا حرا

و ان رأيت الموت شيئا نكرا كرا



كل أمري ء يوما ملاق شرا

و يخلط البارد سخنا مرا



رد شعاع الشمس فاستقرا

أخاف أن أكذب أو أغرا




فقال له محمد بن الأشعث انك لا تكذب و لا تخدع و لا تغر ان القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك و قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال و أنبهر [64] فأسند ظهره الي جنب تلك الدار فدنا محمد بن الأشعث فقال لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم و قال القوم أنت آمن غير عمرو بن عبيدالله بن العباس السلمي فانه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحي.

و قال ابن عقيل أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم و أتي ببغلة فحمل عليها و اجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه من عنقه فكأنه عند ذلك آيس [65] من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر قال محمد بن الأشعث أرجو ألا [66] لا يكون عليك بأس قال ما هو الا الرجاء أين أمانكم انا لله و انا اليه راجعون و بكي فقال له عمرو بن عبيدالله بن عباس ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك قال اني و الله ما لنفسي أبكي و لا لها من القتل أرني و ان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ولكن أبكي لأهلي المقبلين الي أبكي لحسين و آل حسين.

ثم أقبل علي محمد بن الأشعث فقال يا عبدالله اني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا علي لساني يبلغ حسينا فاني لا أراه الا قد خرج اليكم اليوم مقبلا أو هو خرج غدا هو و أهل بيته و ان ما تري من جزعي لذلك فيقول ان ابن عقيل بعثني اليك و هو في أيدي القوم أسير لا يري أن تمشي حتي تقتل و هو يقول ارجع بأهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل ان أهل الكوفة قد كذبوك و كذبوني و ليس لمكذوب [67] رأي فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن و لأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك.


قال أبومخنف فحدثني جعفر بن حذيفة الطائي و قد عرف سعيد بن شيبان الحديث قال دعا محمد بن الأشعث اياس بن العثل الطائي من بني مالك بن عمرو بن ثمامة و كان شاعرا و كان لمحمد زوارا فقال له الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب و كتب فيه الذي أمره ابن عقيل و قال له هذا زادك و جهازك و متعة لعيالك فقال من أين لي براحلة فان راحلتي قد أنضيتها [68] قال هذه راحلة فاركبها برحلها ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر و بلغه الرسالة فقال له حسين كل ما حم نازل [69] و عندالله نحتسب أنفسنا و فساد أمتنا و قد كان مسلم ابن عقيل حيث تحول الي دار هاني ء بن عروة و بايعه ثمانية عشر ألفا قدم كتابا الي حسين مع عابس بن أبي شيبب الشاكري. أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي و لا هوي و السلام و أقبل محمد بن الأشعث بابن عقيل الي باب القصر فاستأذن فأذن له فأخبر عبيدالله خبر ابن عقيل و ضرب بكير اياه فقال بعدا له فأخبره محمد بن الأشعث بما كان منه و ما كان من أمانه اياه فقال عبيدالله ما أنت و الأمان كأنا أرسلناك تؤمنه انما أرسلناك تأتينا به فسكت و انتهي ابن عقيل الي باب القصر و هو عطشان و علي باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط و عمرو بن حريث و مسلم بن عمرو و كثير بن شهاب.

قال أبومخنف فحدثني قدامة بن سعد أن مسلم بن عقيل حين انتهي الي باب القصر فاذا قلة باردة موضوعة علي الباب فقال ابن عقيل اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم قال له ابن عقيل ويحك من أنت قال أنا ابن من عرف الحق اذا أنكرته و نصح لامامه اذ غششته و سمع و أطاع اذ عصيته و خالفت أنا مسلم بن عمرو الباهلي فقال ابن عقيل لأمك الثكل ما أجفاك و ما أفظك


و أقسي قلبك و أغلظك أنت يا ابن باهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني ثم جلس متساندا الي حائط قال أبومخنف فحدثني قدامة بن سعد أن عمرو بن حريث بعث غلا ماله يدعي سليمان فجاءه بماء في قلة فسقاه.

قال أبومخنف و حدثني سعيد بن مدرك بن عمارة أن عمارة بن عقبة بعث غلاماله يدعي قيسا فجاءه بقلة عليها منديل و معه قدح فصب فيه ماء ثم سقاه فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما فلما ملأ القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب فسقطت ثنيتاه فيه فقال الحمدلله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته و أدخل مسلم علي ابن زياد فلم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرسي ألا تسلم علي الأمير فقال له ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه و ان كان لا يريد قتلي فلعمري ليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال كذلك قال نعم قال فدعني أوص الي بعض قومي فنظر الي جلساء عبيدالله و فيهم عمر بن سعد فقال يا عمر ان بيني و بينك قرابة ولي اليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هو سر فأبي أن يمكنه من ذكرها فقال له عبيدالله لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر اليه ابن زياد فقال له ان علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عني و انظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها و ابعث الي حسين من يرده فاني قد كتبت اليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه الا مقبلا فقال عمر لابن زياد أتدري ما قال لي انه ذكر كذا و كذا قال له ابن زياد انه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت و أما حسين فانه ان لم يردنا لم نرده و ان أرادنا لم [70] نكف عنه و أما جثته فانا لن نشفعك فيها انه ليس بأهل منا لذلك قد جاهدنا و خالفنا و جهد علي هلاكنا و زعموا أنه قال أما جثته فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها ثم ان ابن زياد قال ايه يا ابن عقيل أتيت الناس و أمرهم جميع و كلمتهم واحدة لتشتتهم و تفرق كلمتهم و تحمل بعضهم علي بعض قال كلا لست أتيت ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسري و قيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل و ندعو الي حكم الكتاب قال


و ما أنت و ذاك يا فاسق أو لم نكن نعمل بذاك فيهم اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر قال أنا أشرب الخمر و الله ان الله ليعلم انك غير صادق و انك قلت بغير علم و اني لست كما ذكرت و ان أحق بشرب الخمر مني و أولي بها من يلغ في دماء [71] المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها و يقتل النفس بغير النفس و يسفك الدم الحرام و يقتل علي الغضب و العداوة و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا فقال له ابن زياد يا فاسق ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه [72] و لم يرك أهله قال فمن أهله يا ابن زياد قال أميرالمؤمنين يزيد فقال الحمدلله علي كل حال رضينا بالله حكما بيننا و بينكم قال كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا قال و الله ما هو بالظن ولكنه اليقين قال قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام قال أما انك أحق من أحدث [73] في الاسلام ما لم يكن فيه أما انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة و لا أحد من الناس أحق بها منك.

و أقبل ابن سمية يشتمه و يشتم حسينا و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه و زعم أهل العلم أن عبيدالله أمر له بماء فسقي بخزفة ثم قال له انه لم يمنعنا أن نسقيك فيها الا كراهة أن تحرم بالشرب فيها ثم نقتلك و لذلك سقيناك في هذا ثم قال اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوا جسده رأسه فقال يا ابن الأشعث أما و الله لولا أنك آمنتني ما استسلمت قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك ثم قال يا ابن زياد أما و الله لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني ثم قال ابن زياد أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف و عاتقه فدعي فقال اصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و يستغفر و يصلي علي ملائكة الله و رسله و هو يقول اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و أذلونا و اشرف به علي موضع الجزارين اليوم فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه.


قال أبومخنف حدثني الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي جحيفة قال نزل الأحمري بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال له ابن زياد قتلته قال نعم قال فما كان يقول و أنتم تصعدون به قال كان يكبر و يسبح و يستغفر فلما أدنيته لأقتله قال اللهم احكم بيننا و بين قوم كذبونا و غرونا و خذلونا و قتلونا فقلت له أدن مني الحمدلله الذي أقادني [74] منك فضربته ضربة لم تغن شيئا فقال أما تري في خدش تخدشنيه وفاء من دمك أيها العبد فقال ابن زياد و فخرا عند الموت قال ثم ضربته الثانية فقتلته.

قال و قام محمد بن الأشعث الي عبيدالله بن زياد فكلمه في هاني ء بن عروة و قال انك قد عرفت منزلة هاني ء بن عروة في المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه اليك فأنشدك الله لما وهبته لي فاني أكره عداوة قومه هم أعز أهل المصر و عدد أهل اليمن. قال فوعده أني يفعل فلما كان من أمر مسلم ابن عقيل ما كان بدالة فيه و أبي أن يفي له بما قال قال فأمر بهاني ء بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل فقال أخرجوه الي السوق فاضربوا عنقه قال فأخرج بهاني ء حتي انتهي الي مكان من السوق كان يباع فيه الغنم و هو مكتوف فجعل يقول و امذ حجاه و لا مذحج لي اليوم و امذ حجاه و أين مني مذحج فلما رأي ان أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاحش [75] به رجل عن نفسه. قال و وثبوا اليه فشدوه وثاقا ثم قيل له أمدد عنقك فقال ما أنا بها مجد سخي و ما أنا بمعينكم علي نفسي.

قال فضربه مولي لعبيدالله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا فقال هاني ء الي الله المعاد اللهم الي رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخري فقتله.

قال فبصر به عبدالرحمن بن الحصين المرادي بخازر و هو مع عبيدالله بن زياد فقال الناس هذا قاتل هاني ء بن عروة فقال ابن الحصين قتلني الله ان لم أقتله


أو أقتل دونه فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله ثم ان عبيدالله بن زياد لما قتل مسلم ابن عقيل و هاني ء بن عروة دعا بعبد الأعلي الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فأتي به فقال له أخبرني بأمرك قال أصلحك الله خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب فقال له فعليك و عليك من الأيمان المغلظة ان كان أخرجك الا ما زعمت فأبي أن يحلف فقال عبيدالله انطلقوا بهذا الي جبانة السبع فاضربوا عنقه بها قال فانطلق به فضربت عنقه قال و أخرج عمارة ابن صلخب الأزدي و كان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره فأتي به أيضا عبيدالله فقال له ممن أنت قال من الأزد قال انطلقوا به الي قومه فضربت عنقه فيهم فقال عبدالله بن الزبير الأسدي في قتلة مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروة المرادي و يقال قاله الفرزدق:



ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار [76] قتيل



أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل



فتي هو أحيي [77] من فتاة حيية

و أقطع من ذي شفرتين [78] صقيل



أيركب أسماء الهماليج [79] آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



تطيف حواليه مراد و كلهم

علي رقبة من سائل و مسول



فان أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل



قال أبومخنف عن أبي جناب يحيي بن أبي حية الكلبي قال ثم ان عبيدالله ابن زياد لما قتل مسلما و هانئا بعث برؤوسهما مع هاني ء بن أبي حية الوادعي و الزبير ابن الأروح التميمي الي يزيد بن معاوية و أمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب


الي يزيد بن معاوية بما كان من مسلم و هاني ء فكتب اليه كتابا أطال فيه و كان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيدالله بن زياد كرهه و قال ما هذا التطويل و هذه الفضول اكتب أما بعد فالحمدلله الذي أخذ لأميرالمؤمنين بحقه و كفاه مؤنة عدوه أخبر أميرالمؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ الي دار هاني ء بن عروة المرادي و اني جعلت عليهما العيون و دسست اليهما الرجال و كدتهما حتي استخرجتهما و أمكن الله منهما فقدمتهما فضربت أعناقهما و قد بعثت اليك برؤوسهما مع هاني ء بن أبي حية الهمذاني و الزبير بن الأروح التميمي و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة فليسألهما أميرالمؤمنين عما أحب من أمر فان عندهما علما و صدقا و فهما و ورعا و السلام فكتب اليه يزيد أما بعد فانك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش [80] فقد أغنيت و كفيت و صدقت ظني بك و رأيي فيك و قد دعوت رسوليك فسألتهما و ناجيتهما فوجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا و انه قد بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح و احترس علي الظن و خذ علي التهمة غير ألا تقتل الا من قاتلك و اكتب الي في كل ما يحدث من الخبر و السلام عليك و رحمة الله.

قال أبومخنف حدثني الصقعب بن زهير عن عون بن أبي جحيفة قال كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة [81] 60 و يقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة 60 من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكة مقبلا الي الكوفة بيوم قال و كان مخرج الحسين من المدينة الي مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة 60 و دخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان فأقام بمكة شعبان و شهر رمضان و شوال و ذاالقعدة ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل.


و ذكرها هارون بن مسلم عن علي بن صالح عن عيسي بن يزيد أن المختار بن أبي عبيد و عبدالله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم خرج المختار براية خضراء و خرج عبدالله براية حمراء و عليه ثياب حمر و جاء المختار برايته فركزها علي باب عمرو بن حريث و قال انما خرجت لأمنع عمرا و أن الأشعث و القعقاع بن شور و شبث بن ربعي قاتلوا مسلما و أصحابه عشية سار مسلم الي قصر ابن زياد قتالا شديدا و أن شيئا جعل يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع انك قد سددت علي الناس وجه مصيرهم فافرج لهم ينسربوا و أن عبيدالله أمر أن يطلب المختار و عبدالله بن الحارث و جعل فيهما جعلا فأتي بهما فحبسا.

و في هذه السنة [82] كان خروج الحسين عليه السلام من مكة متوجها الي الكوفة.



پاورقي

[1] الجلبة: الصخب و الضجيج.

[2] العين: الجاسوس.

[3] وجوه أهل الکوفة: وجهاؤها من الأعيان.

[4] الريبة: الشک و التهمة.

[5] أحيط بالدار: أحصرت و احتوشوها.

[6] الهماليج: يقال فرس هملاج و هو يهمج براکبه و خيل هماليج. راجع أساس البلاغة للزمخرشي ص 1066 ط. الشعب.

[7] تنکب الطريق: تجنبه و اعتزله.

[8] راجع ترجمته في وفيات الأعيان لابن‏خلکان (145 - 144: 5).

[9] يختلفون اليه: يذهبون اليه.

[10] أرجف القوم: زلزلوا و اضطربوا، و الارجاف واحد أراجيف الأخبار، و قد أرجفوا في الشي‏ء أي خاضوا فيه.

راجع مختار الصحاح ص 235.

[11] و کان سليمان بن صرد من شيعة علي رضي الله عنه.

[12] الوهل: الفزع.

[13] يقال انتزي و هو يتنزي الي الشر أي يتسرع اليه.

[14] فيأها: أشياؤها، و يقال فلان لا يقرب من أفيائه.

[15] دولة: أي جعله کرة و کرة و المقصود أنه جعل المال يروح و يغدو بين أيدي هذه الطوائف التي ذکرها المفهوم أن المستحقين له کانوا محرومين منه و هذا هو الحيف و الضيم.

[16] النجاء: من نجا ينجو نجاء بالمد و نجاة بالقصر. المختار ص 648.

[17] حيهلا: اسم فعل بمعني أقبل أو اقبلوا.

[18] طمت الجمام: استوت.

[19] کذا ورد بالأصل و الأصح (مجندة).

[20] الحجي: العقل و الفهم.

[21] الجدد: جمع مفرده جادة و هي الطريق.

[22] يقال «ما بقي منه الا حشاشة، و ما بقي من الشمس الا حشاشة نازع».

أساس البلاغة ص 176.

[23] کذا ورد بالأصل و الأصح (فقام فقال).

[24] اختلفت الشيعة اليه: ذهبوا اليه.

[25] القرف: مخالطة الخطيئة.

[26] نکث البيعة: نقضها و رجع فيها.

[27] يقصد ضعيف الشخصية أو هو يتضعف أي أنه قوي لکنه ليس بحازم يمکن التعويل عليه في البطش و التنکيل.

[28] تثقيفه: تدرکه، و يوثقه: يربطه و يکبله بالقيود.

[29] الأخماس: جمع مفرده خميس و هو الجيش، و سمي الجيش بالخميس لأنه خمس فرق: المقدمة و القلب و الميمنة و الميسرة و الساق.

[30] لاصطفائه و اختصاصه بها.

[31] کذا بالأصل و الأصح (و أوصياءه) و هو تصحيف.

[32] الارجاف: الاضطراب و الجمع أراجيف، و الأراجيف هي الأخبار، و قد أرجفوا في الشي‏ء اذا خاضوا فيه.

[33] اعتجر: لف العمامة علي رأسه.

[34] أرب: هدف أو أمنية.

[35] الهيعة: يقول صاحب مختار الصحاح: المهيعة بوزن المشرعة، الجحفة و هي ميقات أهل الشام، و المهيع هو الطريق الواسع البين. و هنا بمعني الارتجاج.

[36] المذحجيون: قوم مذحج.

راجع هذه القصة في الامامة و السياسة لابن قتيبة (4: 2) ط. دار المعرفة بيروت.

[37] شططا: أي بعيدا و غلوا و مجاوزة للحد.

[38] يهجر: أي يلفظ بکلمات غير مفهومة.

[39] عماية الصبح: أوله.

[40] و السنة تنهي عن ترويع المؤمن و ازهاق روحه، الا بحقها.

[41] وجوه الشيعة: وجهاؤها.

[42] يختلف اليهم: يتردد عليهم.

[43] تمارض: تظاهر بالمرض و ادعاه من غير علة.

[44] برأ: شفي.

[45] تربص: أي تتربص و قد حذفت احدي التاءين للتخفيف.

[46] عينا: جاسوسا.

[47] سقط في خلده: خطر علي باله فالخلد بفتحتين البال، و يقال وقع ذلک في خلدي أي في قلبي.

[48] تأبيه علي ابن‏زياد: ترفعه عليه.

[49] ضائروه: أي ظالموه أو محدثو سوء به.

[50] والهفا عليک: يا حسرة عليک.

[51] يقال جابذه بألف المفاعلة أي جاذبه.

[52] شرطه: رجال شرطته.

[53] حشمه: خدمه.

[54] لا تفرقوا: أصلها لا تفرقوا و حذفت احدي التاءين للتخفيف.

[55] تداعوا الينا: أقبلوا علينا.

[56] يثوبون: يرجعون.

[57] تجب الشمس: تختفي.

[58] يريبني: يشککني.

[59] ساره: تحدث اليه سرا.

[60] دورنا وردت في الأصل دونا و ما أوردناه أصح.

[61] نخس بالقضيب في جنبه: وکزه به.

[62] أشرفوا عليه: اطلعوا عليه من فوق.

[63] مصلتا بسيفه: مشهرا أياه.

[64] انبهر: يقال بهره غلبه و بابه قطع، و البهر بالضم تتابع النفس و بالفتح المصدر، و انبهر أي تتابع نفسه.

راجع المختار (ص 67). بتصرف.

[65] آيس: يائس.

[66] لا زائدة.

[67] ليس لمکذوب رأي لأنه کما قال صلي الله عليه و سلم: «ان الرائد لا يکذب أهله.»

[68] أنضيتها: أهزلتها، و يقال النضو: البعير المهزول، و الناقة نضوة و قد أنضتها الأسفار فهي منضاة، و أنضي بعيره هزله، و يقال نضا ثوبه خلعه.

[69] کل ما حم نازل: أي کل مقدور لا فرار منه و لا محيص عنه.

[70] أي لو غزانا.

[71] يقال ولغ الکلب في الاناء يلغ و لوغا أي شرب ما فيه بأطراف لسانه، و يقال ولغ بشرابنا و في شرابنا و من شرابنا.

[72] ما حال الله دونه: ما لم يرد تحقيقه.

[73] أحدث في الاسلام: ابتدع فيه ما ليس منه.

[74] أقادني منک: أي اقتص لي منک و القود هو القصاص.

[75] يجاحش به: و يقال للرجل اذا کان مستبدا برأيه، و يسمي جحيش وحده و هو ذم.

[76] طمار: أثواب و مفرده طمر بالکسر الثوب الخلق. الجمع أطمار و الواحد الطومار، و قد يجمع علي طوامير.

[77] أحي: أکثر حياء.

[78] أقطع من ذي شفرتين: أشد قطعا من السيف.

[79] سبق شرحها.

[80] رابط الجأش: قوي القلب.

[81] راجع العقد الفريد لابن عبد ربه (378: 4).

[82] أي سنة 60 ه.