بازگشت

خلافه يزيد بن معاويه


و في هذه السنة (60 ه) بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه للنصف من رجب في قول بعضهم و في قول بعض لثمان بقين منه علي ما ذكرنا قبل من وفاة والده [1] معاوية فأقر عبيدالله بن زياد علي البصرة و النعمان بن بشير علي الكوفة.

و قال هشام بن محمد عن أبي مخنف ولي يزيد في هلال رجب سنة 60 [2] و أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري و أمير البصرة عبيدالله بن زياد و أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص و لم يكن ليزيد همة حين ولي الا بيعة النفر الذين أبوا علي معاوية الاجابة الي بيعة يزيد حين دعا الناس الي بيعته و انه ولي عهده بعده و الفراغ من أمرهم فكتب الي الوليد:

بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أميرالمؤمنين الي الوليد بن عتبة أما بعد فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له فعاش


بقدر و مات بأجل فرحمه الله فقد عاش محمودا و مات برا تقيا و السلام [3] .

و كتب اليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد فخذ حسينا و عبدالله ابن عمر و عبدالله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا و السلام فلما أتاه نعي معاوية فظع به و كبر عليه فبعث الي مروان بن الحكم فدعاه اليه و كان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارها فلما رأي ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه فبلغ ذلك مروان فجلس عنه و صرمه [4] فلم يزل كذلك حتي جاء نعي معاوية الي الوليد فلما عظم علي الوليد هلاك معاوية و ما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة، فزع عند ذلك الي مروان و دعاه فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع و ترحم عليه و استشاره الوليد في الأمر و قال كيف تري أن نصنع قال فاني أري أن تبعث الساعة الي هؤلاء النفر فتدعوهم الي البيعة و الدخول في الطاعة فان فعلوا قبلت منهم و كففت عنهم و ان أبوا قدمتهم فصرفت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية فانهم ان علموا بموت معاوية وثب كل امري ء منهم في جانب و أظهر الخلاف و المنابذة و دعا الي نفسه لا أدري أما ابن عمر فاني لا أراه يري القتال و لا يحب أنه يولي علي الناس الا أن يدفع اليه هذا الأمر عفوا فأرسل عبدالله بن عمرو بن عثمان و هو اذ ذاك غلام حدث اليهما يدعوهما فوجدهما في المسجد و هما جالسان فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس و لا يأتيانه في مثلها فقال أجيبا الأمير يدعوكما فقالا له انصرف


الآن نأتيه ثم أقبل أحدهما علي الآخر فقال عبدالله بن الزبير للحسين ظن فيما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها فقال حسين قد ظننت أن طاغيتهم قد هلك فبعث الينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر فقال و أنا ما أظن غيره قال فما تريد أن تصنع قال أجمع فتياني الساعة ثم أمشي اليه فاذا بلغت الباب احتسبتهم عليه ثم دخلت عليه قال فاني أخافه عليه اذا دخلت قال لا آتيه الا و أنا علي الامتناع قادر فقام فجمع اليه مواليه و أهل بيته ثم أقبل يمشي حتي انتهي الي باب الوليد و قال لأصحابه اني داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم و الا فلا تبرحوا حتي أخرج اليكم فدخل فسلم عليه بالامرة و مروان جالس عنده فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية الصلة خير من القطيعة أصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشي ء و جاء حتي جلس فأقرأه الوليد الكتاب و نعي له معاوية و دعاه الي البيعة.

فقال حسين انا لله و انا اليه راجعون و رحم الله معاوية و عظم لك الأجر أما ما سألتني من البيعة فان مثلي لا يعطي بيعته سرا و لا أراك تجتزي ء بها مني سرا دون أن نظهرها علي رؤوس الناس علانية قال أجل قال فاذا خرجت الي الناس فدعوتهم الي البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الوليد و كان يحب العافية فانصرف علي اسم الله حتي تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان و الله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه أحبس الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت والله و اثمت [5] ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتي أتي منزله فقال مروان للوليد عصيتني لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا قال الوليد و بخ غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و أني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا ان قال لا أبايع والله اني لا أظن امرءا يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله


يوم القيامة فقال له مروان فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا له و هو غير الحامد له علي رأيه.

و أما ابن الزبير فقال الآن آتيكم ثم أتي داره فكمن فيها فبعث الوليد اليه فوجده مجتمعا في أصحابه متحرزا فألح عليه بكثرة الرسل و الرجال في اثر الرجال فأما حسين فقال كف حتي تنظر و ننظر و تري و نري و أما ابن الزبير فقال لا تعجلوني فاني آتيكم أمهلوني فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها و أول ليلها و كانوا علي حسين أشد ابقاء و بعث الوليد الي ابن الزبير موالي له فشتموه و صاحوا به يا ابن الكاهلية والله لتأتين الأمير أو ليقتلنك فلبث بذلك نهاره كله و أول ليلة يقول الآن أجي ء فاذا استحثوه قال والله لقد استربت [6] بكثرة الارسال و تتابع هذه الرجال فلا تعجلوني حتي أبعث الي الأمير من يأتيني برأيه.

و أمره فبعث اليه أخاه جعفر بن الزبير فقال رحمك الله كف عن عبدالله فانك قد أفزعته و ذعرته بكثرة رسلك و هو آتيك غدا ان شاء الله فمر رسلك فلينصرفوا عنا فبعث اليهم فانصرفوا و خرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفرع هو و أخوه جعفر ليس معهما ثالث و تجنب الطريق الأعظم مخافة الطلب و توجه نحو مكة فلما أصبح بعث اليه الوليد فوجده قد خرج فقال مروان و الله ان أخطأ مكة فسرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يقدروا عليه فرجعوا فتشاغلوا عن حسين بطلب عبدالله يومهم ذلك حتي أمسوا.

ثم بعث الرجال الي حسين عند المساء فقال أصبحوا ثم ترون و نري فكفوا عنه تلك الليلة و لم يلحوا عليه فخرج حسين من تحت ليلته و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 و كان مخرج ابن الزبير قبله بليلة خرج ليلة السبت فأخذ طريق الفرع فبينا عبدالله بن الزبير يساير أخاه جعفر اذا تمثل جعفر يقول صبرة الحنظلي.




و كل بني أم سيمسون ليلة

و لم يبق من أعقابهم [7] غير واحد



فقال عبدالله سبحان الله ما أردت الي ما أسمع يا أخي قال والله يا أخي ما أردت به شيئا مما تكره فقال فذاك والله أكره الي أن يكون جاء علي لسانك من غير تعمد [8] قال و كأنه تطير منه [9] و أما الحسين فانه خرج ببنيه و اخوته و بني أخيه و جل [10] أهل بيته الا محمد بن الحنفية [11] فانه قال له يا أخي أنت أحب الناس الي و أعزهم علي و لست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية و عن الأمصار [12] ما استطعت ثم ابعث رسلك الي الناس فادعهم الي نفسك فان بايعوا لك حمدت الله علي ذلك و ان أجمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك و لا يذهب به مروءتك و لا فضلك.

اني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار و تأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك و أخري عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة فاذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضيعها دما و أذلها أهلا.

قال له الحسين فاني ذاهب يا أخي قال فانزل مكة فان اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك و ان نبت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال و خرجت من بلد الي بلد حتي تنظر الي ما يصير أمر الناس و تعرف عند ذلك الرأي فانك أصوب ما يكون رأيا و أحزمه عملا حتي تستقبل الأمور استقبلا و لا تكون الأمور عليك أبدا أشكل منها حين تستدبرها استدبارا.


قال يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا.

قال أبومخنف و حدثني عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن أبي سعد المقبري قال نظرت الي الحسين داخلا مسجد المدينة و انه ليمشي و هو معتمد علي رجلين يعتمد علي هذا مرة و علي هذا مرة و هو يتمثل بقول ابن مفرغ.



لا ذعرت السوام في فلق الصب

ح مغيرا و لا دعيت يزيدا



يوم أعطي من المهابة ضيما [13]

و المنايا يرصدنني أن أحيدا



قال فقلت في نفسي والله ما تمثل بهذين البيتين الا لشي ء يريد قال فما مكث الا يومين حتي بلغني أنه سار الي مكة ثم ان الوليد بعث الي عبدالله بن عمر فقال بايع ليزيد فقال اذا بايع الناس بايعت فقال رجل ما يمنعك أن تبايع انما تريد أن يختلفوا الناس بينهم فيقتتلوا و يتفانوا فاذا جهدهم ذلك قالوا عليكم بعبدالله بن عمر لم يبق غيره بايعوه قال عبدالله ما أحب أن يقتتلوا و ما يختلفوا و لا يتفانوا ولكن اذا بايع الناس و لم يبق غيري بايعت قال فتركوه و كانوا لا يتخوفونه قال و مضي ابن الزبير حتي أتي مكة و عليها عمرو بن سعيد فلما دخل مكة قال انما أنا عائذ و لم يكن يصلي بصلاتهم و لا يفيض بافاضتهم كان يقف هو و أصحابه ناحية ثم يفيض بهم وحده و يصلي بهم وحده قال فلا سار الحسين نحو مكة قال فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين فلما دخل مكة قال فلما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل.

و في هذه السنة [14] عزل يزيد الوليد بن عتبة [15] عن المدينة عزله في شهر رمضان فأقر عليها عمرو بن سعيد [16] الأشدق.


و فيها قدم عمرو بن سعيد بن العاص المدينة في رمضان فزعم الواقدي أن ابن عمر لم يكن بالمدينة حين ورد نعي معاوية و بيعة يزيد علي الوليد و أن ابن الزبير و الحسين لما دعيا الي البيعة ليزيد أبيا و خرجا من ليلتهما الي مكة فلقيهما ابن عباس و ابن عمر جاءيين من مكة فسألاهما ما وراء كما قالا موت معاوية و البيعة ليزيد فقال لهما ابن عمر اتقيا الله و لا تفرقا جماعة المسلمين و أما ابن عمر فقدم فأقام أياما فانتظر حتي جاءت البيعة من البلدان فتقدم الي الوليد بن عتبة فبايعه و بايعه ابن عباس.

و في هذه السنة وجه عمرو بن سعيد عمرو بن الزبير الي أخيه عبدالله بن الزبير لحربه.


پاورقي

[1] و هو معاوية بن أبي‏سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلم هو و أبوه أبوسفيان عام الفتح و قد عهد اليه رسول الله صلي الله عليه و سلم بکتابة الوحي.

راجع ابن‏الأثير (2: 4) و اليعقوبي (192: 2) و المسعودي (42: 2).

[2] العقد الفريد لابن عبد ربه (375: 4) ط. دار الکتاب العربي و الامامة و السياسة لابن‏قتيبة (174: 1) و ما بعدها ط. دار المعرفة.

[3] و قد ذکر صاحب العقد الفريد خطبة ليزيد بعد ثلاثة أيام من موت أبيه اذ خرج و عليه أثر الحزن فصعد المنبر و أقبل الضحاک فجلس الي جانب المنبر و خاف عليه الحصر، فقال له يزيد: يا ضحاک، أجئت تعلم بني عبد شمس الکلام! ثم قام خطيبا فقال: الحمدلله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطي، و من شاء منع، و من شاء خفض و من شاء رفع، ان معاوية بن أبي‏سفيان کان حبلا من حبال الله، مده الله ما شاء أن يمده، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه، فکان دون من قبله، و خيرا ممن يأتي بعده، و لا أزکيه و قد صار الي ربه، فان يعف عنه فبرحمته، و ان يعذبه فبذنبه و قد و ليت بعده الأمر، و لست أعتذر من جهل و لا أتي عن طلب و علي رسلکم، اذا کره الله شيئا غيره، و اذا أراد شيئا يسره». العقد الفريد (375: 4).

[4] يقال صرم الرجل: قطع کلامه من صرم الشي‏ء اذا قطعه، و منه الانصرام و هو الانقطاع.

[5] البداية و النهاية لابن‏کثير (159: 8).

[6] استربت: أخذتني الريبة.

[7] الأعقاب: النسل و الأبناء و الحفدة.

[8] من غير تعمد: من غير قصد.

[9] تطير منه: بتشديد الياء أي تشاءم منه قال تعالي: (قالوا، انا تطيرنا بکم لئن لم تنتهوا لنرجمنکم و ليمسنکم منا عذاب أليم) يس (18: 36).

[10] جل أهل بيته: أکثرهم.

[11] راجع ترجمة محمد بن الحنفية في وفيات الأعيان لابن خلکان بتحقيق محمد محي الدين عبدالحميد (310: 3).

[12] الأمصار: الأقطار و البلدان مفردها مصر.

[13] الضيم: الحيف و الظلم.

[14] أي سنة 60 ه.

[15] لأنه رأي فيه لينا و هوادة و تعاطفا مع الحسين.

[16] و کان يزيد قد عمد الي تعيين عمرو بن سعيد بن العاص انما لأنه شديد العداوة و السخيمة لأهل البيت، فجاء تعيينه لقصد و هدف و تخطيط قتالي و ليس أمرا عرضيا، أو لقاء مصادفة.

و في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص أرجو مراجعة کتاب الاصابة لابن حجر العسقلاني (112 - 111: 7) مکتبة الکليات الأزهرية.