بازگشت

في الاندلس (اسبانيا)


1- جاء في مقام نشرته مجلة الهادي الصادرة في قم بايران بللغة العربية في عددها الثاني لسنتها الأولي المؤرخ ذي العقدة 1391 ه بقلم الدتور عبد اللطيف السعداني، بفاس «المغرب» تحت عنوان: «حركات التشيع في المغرب و مظاهر» مشيرا الي أثر التشيع في الأندلس، و اقامة المأتم علي الامام الحسين الشهيد عليه السلام فيها ما نصه:

«و من حسن حظنا هذه المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري، لسان الدين ابن الخطيب، أسعفنا باشارة ذات أهمية كبري، و الفضل في ذلك يعود الي احدي النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التاريخي «أعلام الاعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام» التي حفظتها لنا خزانة جامعة القرويين بمدينة «فاس» من عاديات الزمن. و بهذه الاشارة تنحل العقدة المستعصية، و ينكشف لنا ما كان غامضا من قبل، مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع، ذلك أن ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن


معاوية انتقل به الحديث الي ذكر عادات الأندلسيين خاصة في ذكري مقتل سيدنا الحسين من التمثيل باقامة الجنائز، و انشاد المراثي. و قد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف احدي هذه المراسيم و صفا حيا شيقا، حتي ليخيل أننا نري احياء هذه الذكري في بلد شيعي. و ذكر أن هذه المراثي تسمي الحسينية، وأن المحافظة عليها بقيت من قبل تاريخ ابن الخطيب الي أيامه و نبادر الآن الي نقل هذا الوصف علي لسان صاحبه:

«و لم يزل الحزن متصلا علي الحسين، و المآتم قائمة في البلاد، يجتمع لها الناس و يحتفلون لذلك ليلة يوم قتل فيه، بعد الأمان من نكير دول قتلته، و لا سيما بشرق الأندلس. فكانوا علي ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق - يعني مشرق الأندلس - يقيمون رسم الجنازة حتي في شكل من الثياب، يستجني خلف سترة في بعض البيت، و يحتفل بالأطعمة، و يجلب القراء المحسنون و يوقد البخور، و يتغني بالمراثي الحسنة».

و في عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضا؛ فانه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلا و بيانا عن الحسينية و طقوسها، فقال:

«و الحسينية التي يستعملها الي اليوم المسمعون، فيلوون لها العمائم الملونة، ويبدلون الأثواب، كأنهم يشقون الأعلي عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد، و ان ضعفت. و مهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها.

و في المغرب اليوم ما لا يزال أولئك المسمعون الذين أشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم، و يشندون، و كثرت في انشادهم علي الأخص المدائح النبوية. كما أن الأغنية الأندلسية الشائعة اليوم في بلاد المغرب تشتمل في أكثرها علي المدائح النبوة أيضا» انتهي كلام السعداني.

أقول: و يظهر من هذا الوصف أن النياحة علي الامام الحسين و اقامة شعائر الحزن و الأسي عليه، قد تداوله المسلمون في الأندلس منذ أن وطئت اقدام


المسلمين أرض الأندلس و بقيت هذه التقاليد في هذه البلاد الاسلامية النائية حتي القرن الثامن الهجري - كما يستبان من كلام ابن الخطيب - و يستنتج من استعمال كلمة الحسينية التي استعملها المسلمون هناك لاقامة العزاء الحسيني و انشاد المراثي فيها أنه كان للشيعة شأن يذكر في الأندلس.

هذا وقد نشرت المجلة السالفة الذكر في عددها الثالث لسنتها الأولي المؤرخ صفر 1392 ه تتمة مقال الاستاذ السعداني، الذي نقل فيه بعض المراثي علي الامام الشهيد، تلك المراثي التي ان دلت علي شي ء فأنما تدل علي تغلغل المذهب الشيعي في بعض طبقات الشعب في الأندلس و المغرب العربي، وعلي شدة تعلقهم بالحسين الشهيد، و قيامهم بمراسيم النوح عليه في ذكراه الأليمة.

ان ما قاله الاستاذ السعداني في ذلك هو ما يلي:

كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجا لهذه المراثي مدي عناية الشعراء بهذا الموضوع. وعرفنا بأحد شعراء الشيعة في الأندلس، الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين، و هو أبوالبحر صفوان بن ادريس بن ابراهيم النجيي المرسي (598 - 561 ه) هذه القصيدة كانت مشهورة و ينشدها المسمعون، و هي كما يلي:



سلام كأزهار الربي يتنسم

علي منزل منه الهدي يتعلم



علي مصرع للفاطميين غيبت

لأوجههم فيه بدور و أنجم



علي مشهد لو كنت حاضر أهله

لعاينت أعضاء النبي تقسم



علي كربلاء لا أخلف الغيث كربلا

و الا فان الدمع أندي و أكرم



مصارع ضجت يثرب لمصابها

و ناح عليهن الحيطم و زمزم



و مكة و الاستار و الركن و الصفا

و موقف حج و المقام و المعظم



ثم يستطرد الشاعر باسناد القصيدة علي هذا الوتر، و يقول:



لو أن رسول الله يحيي بعيدهم

رأي ابن زياد أمه كيف تعقم



و أقبلت الزهراء قدس تربها

تنادي أباها والمدامع تسجم






تقول: أبي هم غادروا ابني نهبة

كما صاغة قيس و ما مج أرقم



سقوا حسنا للسم كأسا روية

و لم يقرعوا سنا و لم يتندموا



و هم قطعوا رأس الحسين بكربلا

كأنهم قد أحسنوا حين أجرموا



فخذ منهم ثاري و سكن جوانحا

و أجفان عين تستطير و تسجم



أبي وانتصر للسبط و اذكر مصابه

و غلته و النهر ريان مفعم



و يختم الشاعر قصيدته الطويلة تلك بهذه الأبيات:



فيا أيها المغرور والله غاضب

لبنت رسول الله أين تيمم؟



ألا طرب يقلي ألا حزن يصطفي

ألا أدمع تجري ألا قلب يضرم؟



قفوا ساعدونا بالدموع فأنها

لتصغر في حق الحسين و يعظم



و مهما سمعتم في الحسين مراثيا

تعبر عن محض الأسي و تترجم



فمدوا أكفا مسعدين بدعوة

وصلوا علي جد الحسين و سلموا



ثم يواصل الأستاذ السعداني كلامه و يقول:

«و نتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية، فنعثر علي أثر آخر للفكر الشيعي؛ حيث نلتقي بأحد أدباء الأندلس في النصف الأول من القرن السابع الهجري، هو القاضي أبوعبدالله محمد بن عبدالله القضاعي البلنسي، المقتول في 20 محرم سنة 658 ه ونقف علي اسم كتابين من مؤلفاته العديدة، موضوعهما هو رثاء سيدنا الحسين.

أولهما: «اللجين في رثاء الحسين» و لا يعرف اليوم أثر لهذا الكتاب غير اسمه.

و ثانيهما: «درر السمط في أخبار السبط» و كان كل ما بقي من هذا الكتاب هو ما نقله المقري في كتابه: «نفح الطيب من غصن اندلس الرطيب» و قد اعترف المقري بأنه أغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما يشم منه رائحة التشيع. ثم انه اكتفي بنقل جزء من الباقي فقط...» الخ.