بازگشت

النياحة علي الامام الحسين في القارة الافريقية


لقد بحثت في فصل سابق عن كيفية انتقال تقليد اقامة المأتم الحسيني و شعائره، و تسيير مواكبه في بعض أصقاع القارة الافريقية التي انتقل اليها الاسلام منذ القرن الاول الهجري، و خاصة القطر المصري و بلدان افريقية الشمالية، و كذا عن اهتمام الملوك الفاطميين في مصر بهذه المآتم و النياحات مما لا لزوم لتكراره.

أما في هذا الفصل، فأورد تاليا بعض ما عثرت عليه في بطون الأسفار و الكتب عن اقامة المآتم الحسينية في بلدان القارة الافريقية في مختلف القرون، و خاضة المتأخرة منها:

1- نشرت مجلة «الهادي» التي تصدر باللغة العربية في مدينة «قم» بايران، في عددها الثاني المورخ في ذي القعدة سنة» 1391 ه» مقالا بقلم الدكتور عبداللطيف السعداني، من فاس بالمغرب، تحت عنوان: «حركات التشيع في المغرب و مظاهره» جاء فيه:

«بحلول شهر محرم في كل عام يتغير وجه الحياة في المغرب، حيث يدع الناس أيام الدعة و الاستكانة الي الأهواء، ويتبدلون بها عودة الي محاسبة النفس فيستيقظ الضمير فيهم، و تعود الذكري الي حياتهم الاسلامية ليستنير فيهم واقعهم و ما هم عليه، و تحيي في ايمانهم المعني الخفي للحقيقة التي انتقلت من الوحي النبوي في آل بيته و أبناء عترته، تلك هي ذكري عاشوراء و استشهاد سيدنا الحسين.

ففي هذا الشهر نري الناس في جميع مدن المغرب في هرج ومرج، لا يمكن أن


يوصف الا بأن حدثا عظيما قد حل بهم، وأي حدث أعظم من الفتنة الكبري التي أدت الي انهيار ذلك الطود العظيم، حفيد رسول الله صلي الله عليه و آله؟ فاذا هم منصرفون الي القيام بأعمال و تصرفات امتزجت اليوم بكلهم، و حلت من السنة محلا مرموقا مترقيا، ولكن الزمن أكسب هذه المناسبة طابع العادة حتي لا يكاد الا القليل يدك مغزاها الحقيقي.

غير أن الشي ء الذي تعارف عليه أهل المغرب و نظروا اليه نظرة احترام وتقديس، هو أن شهر المحرم شهر العزاء، يهيمن فيه الأسي و الحزن العميق علي القلوب فلا يباح مطلقا التجمل حتي و لا غسل بيوت أو ثياب، و لا تزف عروس، و لا تدق طبول أو تسمع مزامير، بل ان الناس ليلبسون في هذه المناسبة لباس العزاء في بلاد المغرب ثيابا بيضا.

و تبدأ الأسر العلوية هذه المراسيم منذ اليوم الأول من المحرم الي العاشر منه، أما باقي الشرفاء فيستمرون الي آخر الشهر، و يطبخ في اليوم المشهود الأكل للتصدق به، و قد جعلت طبقة التجار هذه المناسبة لبذل المال، فكان هذا اليوم هو يوم الزكاة في السنة، لكأنما يرمز ذلك الي محاسبة الأعمال. اما الآخرون فيمسكون عن الأكل في هذا اليوم احتسابا لله، و ما ينفك الحزن غالبا علي أحوالهم حتي ليعتقدون انه غالبا ما يصادف أن يبكي الانسان في هذا اليوم، يوم عاشوراء بل لتجدنهم سعداء بتلك الدموع الغالية التي تذرف تعبيرا عن الألم لفقدان شهيد الحق.

و أما الأطفال فلهم من هذه الذكري اللعب، و تلاحظ من بينها قلل الماء الصغيرة التي تهدي اليهم من ذويهم، و ذلك رمزا للظمأ الذي مات عليه شهيد الذكري. و أكبر ما يستوقف الملاحظ هو مشاهد المراثي التمثيلية بالمزاكز التي تقام كل سنة في مدينة مكناس، وفاس، و مراكش.

فكيف استقرت هذه العادات في الحياة المغربية؟ و الي أي حد تغلغلت


عقيدة المغاربة؟ ان للمغاربة منذ بداية تاريخهم الاسلامي حبا شديدا و تعلقا كبيرا بآل البيت الأطهار، و ليس أدل علي ذلك من مؤازرتهم لهم، حيث وجدوا عندهم الملاذ الأخير بعد أن حوربوا في بلادهم و يئسوا من البقاء فيها، فالتجأوا الي بلاد المغرب، فأيدم المغاربة، ونصروهم، و اعترفوا بحقهم. و بذلك تكونت في رحاب المغرب الاقصي و بين ظهراني المغاربة الدولة الهاشمية الادريسية، و هي أول دولة علوية تتكون في العالم الاسلامي. كما أن أول دولة شيعية، و هي الدولة الفاطمية، نشأت و ترعرعت في بلاد المغرب بتونس...» الخ.

ثم يتحدث الكاتب باسهاب عن انتقال بعض العلويين بعد موقعة فخ في ذي الحجة سنة «169 ه» و تشكيل الحكومات العلوية في الشمال الافريقي، و خاصة في المغرب منذ سنة «172 ه» و موالاة سكان ها تيك المناطق لآل البيت، مما لا مجال للولوج فيه باسهاب. و اكتفي بهذا القدر من هذا المقال الذي تطرق فيه كاتبه الي موضع النياحة علي الامام الحسين الشهيد عليه السلام في المغرب باجمال ضمن بحثه عن النهضات الشيعية في الشمال الافريقي، وخاصة في المغرب منذ القرن الثاني للهجرة، و تمسكها من بداية نشاطاتها بموضوع مقتل الامام الحسين عليه السلام في كربلاء، ثم اعتبار الشعب المغربي هذا الموضوع عقيدة يقوم باحيائها و تجديد ذكراها كل عام في شهر محرم حتي العصر الحاضر.

2- جاء في الصفحة «211» من كتاب (اقناع اللائم) ما لفظه:

«و الذي بلغنا ان الخوارج الاباضية في زنجبار يقيمون مراسيم الحزن يوم عاشوراء، لا مراسيم الأعياد، و أنهم بقدر بغضهم لعلي و ولده الحسن عليهماالسلام يحبون الحسين عليه السلام لقيامه بالسيف، و مقاومته للظلم».

و جاء في الصفحة «62» من المجلد «56» من «أعيان اشيعة» مانصه: «و لا ننسي كذلك اسم المرحوم علي باتو الذي أدي خدمات كبيرة لدولة زنجبار خلال الفترة بين 1918-1914 م، و قد قال له السلطان ذات يوم: اختر أنت بنفسك


الجائزة التي تريدها مقابل خدماتك، فأجاب علي الفور:

كل ما أريده ان يكون اليوم الحادي و العشرون من الشهر التاسع القمري، و اليوم العاشر من الشهر الأول القمري، يومي عطلة رسمية، فوافق السلطان علي ذلك. و منذ ذلك اليوم تعطل الدوائر الرسمية كل سنة، في ذكري مقتل الشهيد علي، و مقتل الشهيد الحسين».

أقول: و هذا اليومان هما: 21 شهر رمضان و 10 شهر محرم من كل سنة.

و قد نقل لي هذه الحكاية أيضا في طهران أحد مسلمي زنجبار الذي هجرها و أقام في عاصمة ايران و قال: ان علي ناتو كان من كبار تجار زنجبار الأثرياء.

3- أما في مصر فقد مر في فصل سابق ذكر لتاريخ النياحة علي الحسين و شعائرها وتطورها في هذا البلد. اما في القرن الحالي فقد لخص الدكتور علي الوردي في الصفحة «233» من كتابه «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» هذه النياحة بما عبارته:

«و قد شهدت المتصوفة يحتفلون بمولد السيدة زينب و الامام الحسين في القاهرة، فيقومون بحلقات الذكر، و يخرجون بالمواكب و الرايات علي منوال يشبه من بعض الوجوه ما يفعله الشيعة في العراق، احتفالا بوفيات ائمتهم...».

كما جاء في الصفحة «78» من كتاب«السيد محسن الامين - سيرته» المار ذكره عند وصفه رحلته سنة 1321 ه الي الحجاز لأداء فريضة الحج مارا بمدينة القاهرة بهذاالصدد قوله:

«وزرنا مشهد رأس الحسين عليه السلام فيها - أي في القاهرة - فخلنا أنفسنا في كربلاء، لأن ما يفعله المصريون في ذلك المشهد لا ينقص عما يفعله العراقيون الشيعة في كربلاء، و هو مشهد مبني بناء متقنا و رأينا فيه مدرسا معمما جالسا علي منبر صغير و حوله تلاميذ يستمعون الي درسه...».