بازگشت

في شبه القارة الهندية


أما في شبه القارة الهندية - أعني الهند و الباكستان - فقد اعتاد سكانها علي اختلاف مللهم و نحلهم، و خاصة المسلمين منهم علي اقامة المأتم علي الامام الحسين عليه السلام و بذل النفس و النفيس في هذا السبيل منذ أن تسربت أخبار هذه الفاجعة في أواخر القرن الأول الهجري الي تلك الأصقاع، وأنباء اقامة هذه المهرجانات الحزينة في الهند و الباكستان متوفرة منذ أكثر من اثني عشر قرنا، و قد طفحت الكتب و الصحف بذلك، مما يدل علي اهتمام المسلمين و خاصة الشيعة منهم في أنحاء شبه القارة الهندية بهذه المناحات، و باقامة المآتم و التعازي، و تسيير السبايا و الهوادج، و تشكيل مجالس العزاء و اجتماعات الحزن في شهري محرم و صفر من كل عام، ولا سيما في العشرة الأولي من محرم علي الامام السحين و آله و صحبه «رضوان الله عليهم».

هذا و قد تأثر الهندوس و الأقوام الهندية الأخري غير المسلمة بمشاهدة هذه المآتم و النياحات و حفلات الحزن، فسايروا المسلمين فيها، و أصبحت لديهم من العادات و التقاليد المتمسكين بها في هذين الشهرين، و حتي أن في بعض المدن والمناطق الهندية أنشأ الهندوس المباني و العمارات و أوقفوها علي الأمام


الحسين عليه السلام و مناحاته، و أطلقوا عليها اسم (الحسينية) تأسيا بالمسلمين. و يقيمون فيها شعائر الحزن و الأسي و المأتم، و أصبح اسم السحين عليه السلام لديهم من الأسماء التي يتبركون بها و يقدسونها، و لا يذكرون هذا الاسم الا بكل احترام و تعظيم و تجليل.

وأدرج فيما يلي ما توصلت الي العثور عليه من وصف لهذه المناحات في شبه القارة الهندية:

1- وصف العلامة السيد عبد اللطيف الموسوي الشوشتري [1] في الصفحات المختلفة من مؤلفه القيم «تحفة العالم» باللغة الفارسية عند شرح تجوالة في مختلف أنحاء الهند، وصف هذه المناحات و اقامة المآتم علي الامام السحين عليه السلام وصفا دقيقا، أقتبس منه نبذا تلائم بحثي في هذه الرسالة، مترجما اياها منه:

«نياح الهنود في دكن - حيدر آباد-: و الغريب في هذه المدينة انه علي الرغم من عدم الشعور بالاسلامية فيها، فان العظماء و الأثرياء و الهنود فيها يقيمون المآتم العظيمة علي الامام الحسين عليه السلام في أماكنها الخاصة. فانهم فور رؤيتهم هلال شهر الأحزان يلبس الجميع لباس الحداد و الحزن، و يلقون جانبا الملذات و لذائذ الحياة، و معظمهم يتركون نهائيا تناول المأكولات و المشروبات اللذيذة. و حتي أن بعضهم لا يدعون الطعام يمر في حلقومهم خلال مدة الأيام العشرة الأولي من المحرم، و يقضون ليلهم و نهارهم في هذه الأيام بترديد النياحات و قراءة المراثي، باللغات الهندوسية، أو الفارسية، كما أن كل انسان منهم يقوم بأطعام الفقراء و البذل علي المساكين، كل حسب طاقته، ثم يوزعون ماء الورد بالمجان، و يسبلونه علي المارة في كل زاوية من زوايا الأسواق و الشوارع و الأزقة، و يصنعون التماثيل من الخشب أو الورق علي شكل الأضرحة المقدسة، و يمرون أمامها. و بعد انقضاء العشرة الأولي من المحرم يلقون بهذه التماثيل اما في


الأنهر أو يدفنونها في أماكن معينة من الأرض، و يطلقون عليها اسم «كربلاء» أما في لكنهو، و بنغاله، و بنارس التي هي من بلاد الكفر أيضا فقد شاهدت الشماهد و المناظر المذكورة بأم عيني. والغريب أن المسلمين في بنغاله و بقية المناطق الآهلة بهم يقلدون الهنادكة في تلك الحركات و الشعائر، فهم لا يتناولون الطعام، و لا يشربون الماء، أو يقتصرون منهما علي أقل ما يمكن، و في مجالس المآتم و مجتمعات النياحات يبقون واجمين، و الفريقان يتسابقان في تعذيب الجسد في هذه العشرة الحزينة، و يخدشون الوجوه، و يجرحون الصدور، و يكدمون الرؤوس و يعذبون البدن بالضرب و اللطم تعذيبا يفقدون معه و عيهم.

أم في حيدر آباد دكن، فان المسلمين و الهندوس يقومون بحركات ما أنزل الله بها من سلطان، مما لا يستطيع العقل أن يتصورها، فان كثيرا من أعزة القوم هناك يقيدون أيديهم و أرجلهم بالسلاسل الحديدية، و يلقون علي عواتقهم مثل هذه السلاسل، و يقوم رجال من خدمهم بالقبض علي رؤوس هذه السلاسل و يسحبون أصحابها كالأسري و العبيد في مجالس العزاء و مجتمعات النياحة، و هؤلاء يتمرغلون علي الأرض كالبؤساء، متملقين و مستعطفين...» الخ.

2- و جاء في الكتاب نفسه وصف للمأتم الذي يقيمه أحد راجات الهند المعروفين «آصف الدولة» في احياء ذكري الامام الحسين عليه السلام ما ترجمته:

«لقد أنشأ آصف الدولة، ولاء منه للأئمة الأطهار عليهم السلام، مقرا عظيما لاقامة العزاء الحسيني و مسجدا فخما، بالقرب من داره و قد أنفق علي بنائها و تزيينهما مبالغ طائلة جدا، كل ذلك في سبيل احياء ذكري استشهاد الامام الحسين عليه السلام و اقامةالنياحة عليه، و قد قيل: انه لم يكن في الهند كلها بناء أعظم و أوسع و أشرح للصدر من هذا المكان، أجل ان لشاه جهان مقبرة شامخة في مدينة«أكبر آباد» تسمي «تاج گنج» و يتحدث عنها الناس احاديث كثيرة تشير الي اعجابهم بها...».


ثم يستطرد الكاتب كلامه فيقول:

«ان هذا المقر المخصص لاقامةالعزاء الحسيني و المسجد الملاصق له من عجائب الأبنية و العمارات في العالم كله، ففي كل ساحة من ساحاته «14» قبة شامخة، و تحت كل قبة ضريح يمثل قبور الأربعة عشر قبرا للمعصومين، و قد صنعت كل الأضرحة من الفضة الخالصة، و تضاء هذه الأضرحة أيام العاشوراء و لياليها بأربعمائة أو خمسمائة من الثريا البلورية، و بألفي ثريا عادية و فوانيس بلورية و كلها تضاء بالشموع الكافورية و قد نصبت عند هذه الأضرحة الساعات الذهبية و الفضية بأنواعها المختلفة، بالاضافة الي سائر الزينات الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة...».

و يستطرد الكتاب فيقول:

«أما نفقات هذه الأيام العشرة من شهر محرم لاقامة تلك المآتم فتبلغ ثلاثة «الكاك» [2] من الروبيات، و لو زاد من هذا المبلغ شي ء يوزع علي الزوار و الفقراء و المستحقين...».

3- نقلت «موسوعة العتبات المقدسة» في صفحتها «373» من المجلد الاول، قسم كربلاء، عن كتاب «تاريخ الشيعة في الهند» للدكتور «هوليستر» عن أهمية شهر محرم و اقامة مراسيم العزاء فيه، ما نصه تاليا:

«ان احياء مراسيم محرم و طقوسه في الهند قد انتشرت بانتشار الشيعة في البلاد. و يمكن أن تلاحظ في الهند و علي الأخص في «لكنهو» حيث لا يزال شي ء من البهاء و الرونق الذين كانت تعرف بهما أيام ملوك «أوده» الأولين، محتفظا به حتي اليوم، من أن البذخ الذي كان يبدو من النوابين الذين صرف أحدهم في سنة من السنين علي مراسيم محرم و حفلاته الدينية ثلاثمائة ألف باون قد انتهي أمره،


ومع ذلك فان الهبات و الأوقاف التي أوقفها محمد علي شاه عناك تجعل المراسيم المقامة في محرم اليوم مفعمة بالحيوية و النشاط، منذ أول ابتدائها من مساء اليوم الذي يتقدم أول يوم منه. كما أن عساف الدولة ملك «أوده» المتوفي سنة «1775 م» قد صرف علي مراسيم العزاء خلال شهر محرم في احدي السنين ستة ألكاك روبية».

ثم يصف الدكتور «هوليستر» كيفية احتفال المسلمين في الهند خلال أيام الحداد العشرة من محرم، ويعدد أنواع هذه الاحتفالات و أشكالها. فيبدأ بوصف مجالس التعزية التي تقرأ فيها قصة مقتل الحسين بصورة متسلسة موزعة علي عشرة أيام، مبتدئة بدعوة أهل الكوفة للامام عليه السلام، و منتهية باستشهادة المفجع. و يقول:

«ان اليومين الأولين يروي فيهما للمحتفلين المحتشدين تهيؤ الحسين للسفر، و زيارة المقربين له، و مذاكراته معهم، و المشورات التي قدمت له، ثم سفره و وصوله الي كربلاء. و تروي في اليوم الثالث أخبار المخيم الذي خيم فيه الحسين و آله و أصحابه، و تردده ما بينه و بين النهر، و مذاكرة بني أسد حول دفن القتلي الذين يمكن أن يخروا صرعي في ساحة القتال. أما في اليومين الخامس و السادس فتقص علي المحتفلين فيها مصائب الامام و صحبه، و البطولة التي أبداها علي الأكبر قبل استشهاده. و في اليوم السابع تروي قصة القاسم بن الحسن و بطولته في القتال، علاوة علي قصة زواجه بابنة عمه الحسين. و يخصص اليومان الثامن و التاسع لأخبار العباس و أصحاب الحسين الاثنين و السبعين، بينما تروي في اليوم العاشر الظروف الأليمة و الشكل الفظيع الذي قتل فيه الامام الشهيد، و هو بيت القصيد من مجالس التعزية كلها».

و يستطرد «هوليستر» فيقول:

«ان هذه المجالس كما يسميها الهنود المسلمون لا تقام في المساجد و الجوامع


التي تخصص للصلاة فقط، وانما تقام عادة في أماكن خاصة، أو «الحسينيات» يطلق علي الواحدة منها في الهند: «امام باره». و هذه تخصص لمجالس التعزية وحدها في الغالب أيضا. و يذكر بالمناسبة: أن احدي «الامام بارات» هذه قد بنيت في «جلال بور» بمبالغ جمعت من حاكة البلد و نساجيه، بعد أن فرضوا علي كل قطعة من متوجاتهم مبلغ «بيزه» واحدة و يقال: ان «الامام باره» الكبري التي شيدت في (هو كلي) بالبنغال كانت قد كلفت لكين من الروبيات. و هناك في (الكنهو) ثلاث «امام بارات» كانت ملوك اوده: محمد علي شاه و عساف الدولة و غازي الدين حيدر قد شيدوها بصورة تدعو للاعجاب. و يطلق علي التي شيدها غازي الدين اسم: «شاه نجف» لأنها تضم بين جدرانها ضريحا يعتبر تقليدا لضريح الامام علي في النجف. و علي الشاكلة نفسها توجد في (شاء جهانبور) أيضا «امام باره» فيها ضريح يعتبر تقليد لضريح الحسين كذلك».

و يصف «هوليستر» ما يسمي في الهند بالتعزية و يعتبرها من أبرز ما يلفت النظر في احتفالات الحداد في الهند أثناء محرم. و الظاهر أن كلمة «تعزية» تطلق في شمال الهند علي الهيكل المصغر لقبر الحسين، الذي يحمل مع مواكب العزاء الحسيني في يوم عاشوراء، و تطلق علي هذا في جنوب الهند كلمة «تابوت»، و قد نشأت عادة حمل هذه الهياكل المصغرة في مواكب العزاء - علي ما يقال - منذ أيام تيمور لنك الذي جاء بمثل هذا الهيكل الي الهند من كربلاء نفسها. و توضع هذه التعازي علي اختلاف حجومها و مظاهر الزينة فيها فوق هيكل من الخيزران، و فتحمل علي أكتاف الرجال الذين يكونون عادة من الهندوس المستأجرين، و تزين بأنواع الزينة و الزخارف من الخارج، و قد يعمد الأثرياء والموسرون الي انشائها من الخشب المغلف بالعاج، أو الأبنوس، أو الفضة.

و مما يذكر في هذا الشأن أن أحد ملوك «أوده» كان قد أوصي في انجلترا بصنع «تعزية» مثل هذه من النحاس الأصفر و الزجاج الأخضر. و قد شاهد


هوليستر نفسه «تعزية كبيرة» من هذا النوع يبلغ ارتفاعها عشرين قدما، و ذات أربعة طوابق، و لا تحمل مثل هذه التعزية الكبيرة عادة، و انما توضع و تزين في أماكن خاصة للتبرك بها.

و يتوسع «هوليستر» في وصف هذه التعزيات و زينتها و كيفية التبرك بها، و حملها في المواكب، و ما أشبه ذلك، ثم يأتي كذلك علي ذكر الأعلام التي ترفع بالتفصيل من حيث الشكل و اللون والرأس و يقول:

«ان شيعة «لكنهو» محظوظون لأن عندهم و بين ظهرانيهم نفس «البنجة» أو الكف المعدنية التي كانت تعلو علم الحسين بكربلاء و هي محفوظة في «درگاه» شيد خصيصا لها. أما كيفية أخذها الي الهند فيذكر قصة تروي عنها، و هي: أن أحد الحجاج الهنود في مكة رآي في المنام ذات ليلة «عباس بن علي» حامل لواء الحسين، فدله علي المكان الذي توجد مدفونة فيه في كربلاء نفسها. وحينما ذهب الحاج الهندي الي ذلك المكان وجد (البنجه) عينها، فجاء بها الي النواب عساف الدولة عامل لكنهو فعمد هذا الي تشييد مزار خاص لها، و عهد بسدانته الي الحاج المحظوظ الذي جاء بها من كربلاء بلد الحسين، و بعد مدة تمرض سعادت علي خان وشفي، فشيد علي أثر ذلك «درگاها» أجمل للبنجة المقدسة. و يأتي الناس في اليوم الخامس من محرم الي هذا المركز كل سنة ليلمسوا البنجة بأعلامهم. و يقدر أن الأعلام التي يؤتي بها لهذا الغرض كانت تبلغ في الأيام السالفة حوالي 40 أو 50 ألف علم».

و يقول: «هوليستر» عن المراثي التي تلقي في مواكب العزاء.

«انها عبارة عن قطع أدبية رائعة في بعض الأحيان».

و يشير من بينها الي مرثية «المير أنيس» علي الأخص التي يقول: «انها مع ما فيها من طول اغراق في الغلو و المبالغة، قطعة أدبية بليغة تثير أعمق العواطف و أقوي الأحاسيس، حينما تقرأ خلال الأيام العشرة كلها، و تنطوي بين تضاعيفها


علي قوة بالغة في الوصف لابد لأقوي الرجال من أن تدمع عيناه عند سماعها. أما في يوم عاشوراء فتستعد مواكب العزاء للخروج منذ الصباح الباكر في الهند، و بعد مراسيم مختصرة ترفع «التعزية» العائدة لكل موكب من مكانها في «الامام باره» مع الأعلام، و تؤخذ مشيا علي الأقدام الي حيث تدفن في أماكن، يطلق علي كل منها اسم «كربلاء»، أما في بومبي فتؤخذ الي البحر و ترمي فيه، لكن «التعزيات» الثمينة و الكبيرة تعود بها المواكب الي مكانها الأول، حيث تحفظ للسنين المقبلة. و يسير الموكب بطيئا في العادة و علي خط معين، لكنه يتوقف عن السير بين حين و آخر لالقاء المراثي و قراءتها، و يقوم عدد كبير من الناس خلال السير باللطم علي الصدور، و التنادي بجملة «يا حسين، يا حسين» بين حين وآخر. بينما يقوم آخرون بضرب ظهورهم يمنة و يسرة بسلاسل الحديد أو الخشب ذي المسامير الحادة، فيخرجون الدم منها».

ثم يقول «هوليستر»:

«ان نظام «حيدر آباد» كان قد أصدر سنة 1927 م فرمانا يمنع فيه الضرب علي الصدور أو الظهور بالسلاسل و المسامير، خلال شهر محرم في ممتلكاته. و قد تسمح الدموع التي تذرف خلال محرم بالقطن أحيانا، و يجمع هذا القطن بالذات من قبل الشخص الحزين نفسه أو شخص آخر، و المعروف عن هذا القطن أنه مفيد لشفاء بعض الأمراض و الأوجاع».

ثم يستطرد «هوليستر» كلامه عن وصف هذه المآتم والاحتفالات العزائية في الهند و يقول:

«ان عددا غير يسير من أهل السنة و الهندوس يشاركون فيها، و يعتقدون بها كثيرا. و المقول هناك: ان الطبقات الدنيا من الهندوس في مقاطعة «بيهار» يعبدون الحسن و الحسين بالفعل،و يعتبرونهما في صف الآلهة. و ان النساء و الرجال من بين الطبقات العليا كذلك مثل «الكياشئا» و «الأنمار و الأوالراجيوت»


ينذرون من أجل الحصول علي النسل و الأولاد أن يقوموا ببعض الأدوار في مواكب محرم، لعدة سنين، و خلال مدة حياتهم كلها في بعض الأحيان، و هؤلاء يمتنعون خلال محرم عن تناول الملح و الطعام الحيواني، و يهجرون جميع وسائل الترف. و تعتبر مختلف طبقات الهندوس في «بارودا» التعزيات التي تحمل مواكب العزاء أشياء مقدسة، و هم يمارسون بعض الحركات للتبرك بها، مثل المرور من تحتها أو رمي أنفسهم علي الأرض في طريقها».

و تستطرد موسوعة «العتبات المقدسة» كلامها بعد انتهائها من نقل وصف الدكتور «هوليستر» فتقول ما لفظه:

«و لقد روي أحد الصحفيين: أن الهندوس في جنوب الهند من جميع الطبقات - عدا البراهمة - يطلقون علي كل علم من أعلام محرم كلمة «بير»؛ و لهذا صار يدعي علم الامام علي «لال صاحب» كما يعرف عن النساء العقيمات هناك أنهن يرمين بأنفسهن أمام أعلام محرم و ينذرن النذور لها للحصول علي الأولاد، و حينما يرزقن بهم يطلقون عليهم أسماء مثل «هوسانا» أي الحسين، أو فاطمة، أو فقيرا، أو ما أشبه.

و قد كان من المعروف في بارودا: أن الرئيس أو «الفيكوار» الهندوسي يرعي مراسيم العزاء في محرم بنفسه، و أن المهراجا الهندوسي في «غواليور» يقود المواكب كل سنة في عاصمته و يقال: ان منشأ هذا هو أن مهراجا كان قد مرض قبل خمسين أو ستين سنة، فرأي ذات ليلة من ليالي مرضه الامام الحسين في المنام فقيل له: انه سوف يشفي و يبل من مرضه في الحال اذا ما أقام مجلسا من مجالس التعزية في محرم باسم الحسين عليه السلام و وزع الصدقات فيه، وقد فعل ذلك، فشفي باذن الله، فبقيت العادة حتي يومنا هذا. لكن المهراجا الحالي من نسله صار يكتفي اليوم بركوب حصان فاره يتقدم به موكب العزاء في يوم عاشوراء، و تقوم خزينةالدولة هناك بتسديد مصاريف الموكب.»


4- جاء في الصفحة «131» من كتاب «سفرنامه حاج بيرزاده» باللغة الفارسية، أي «رحلة الحاج بيرزاده» من طهران الي لندن، عند اجتيازه بمدينة بومبي في الهند، ما ترجمته:

«و الشيعة الاثنا عشرية من الهنود و الايرانيين في بومبي كثيرون، و لهم فيها مساجد و حسينيات زاهرة. و في الهند يطلقون علي الحسينية اسم: «امام باره» يقيمون فيها في أيام شهر محرم و عشرة عاشوراء التعازي و المآتم علي الامام الحسين الشهيد عليه السلام».

أقول: ان الحاج محمد علي بيرزاده، و هو من أعاظم رجال الصوفية في ايران، قام برحلته تلك سنة «1306 ه»

و قد أثبت التاريخ بمروياته أن اشتداد تمسك سكان شبه القارة الهندية بالعزاء الحسيني و ذكراه قد ظهر علي أتم صورة خلال القرون الأربعة الأخيرة، أي بعد أن أصبح تردد الايرانيين، من علماء و أمراء و ادباء و سفراء و تجار و غيرهم، يرداد علي الهند، و خاصة علي عهد السلسلة الصفوية، التي كانت صلاتها بملوك و أمراء الهند قوية و مستحكمة، مما أدي الي انتشار المذهب الشيعي في هذه البلاد أكثر فأكثر.

5- جاء في الصفحة «196» من كتاب «المجالس السنية» المار ذكره، نقلا عن رسالته الحكيم الألماني الدكتور ماربين، عن النهضة الحسينية و أثرها في الاسلام والعالم الاسلامي ما نصه:

«كانت الرئاسة الروحانية بعد الامام السحين في أولاده واحدا بعد واحد. و هؤلاء أيضا جعلوا اقامة عزاء الحسين الجزء الأعظم من المذهب، و ألبست هذه النكتة السياسية شيئا فشيئا اللباس المذهبي. و كلما ازداد قوة أتباع علي عليه السلام ازداد اعلانهم بذكر مصائب الحسين، و كلما سعوا وراء هذا الأمر ازدادت قوتهم و ترقيهم، و جعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيرون شكل ذكر مصائب الحسين


قليلا قليلا فجعلت تزداد كل يوم بسبب تحسينهم و تنميقهم لها، حتي آل الأمر الي أن صار لها اليوم مظهر عظيم في كل مكان يوجد فيه مسلمون حتي أنها سرت شيئا فشيئا بين الأقوام و أهل الملل الاخري، خصوصا في الصين و الهند، و عمدة أساب تأثيرها في أهل الهند، هو أن المسلمين جعلوا طريقة اقامة العزاء مشابها لمراسيم اقامة العزاء عند الهند. و قبل مائة سنة لم تكن اقامة عزاء الحسين شائعة في الهند شيوعا تاما و ظاهرة علنا، و في هذه المدة القليلة استوعبت بلاد الهند من أولها الي آخرها، و يظهر أنها في كل يوم في زيادة. و لعدم اطلاع بعض مؤرخينا علي كمية و كيفية هذه المآتم و رواجها استرسلوا في كلامهم علي غير علم، و جلعوا يصفون اقامة أتباع الحسين لها بأنها أفعال جنون و لم يقفوا أبدا علي مقدار ما أحدثته هذه المسألة من التغييرات و التبدلات في الاسلام، والحس السياسي، والثوران و الهيجان المذهبي، التي ظهرت في هذه الفرقة من اقامة هذه المآتم لم يرمثلها في قوم من الأقوام. ان من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع علي في الهند - الذين اتخذوا اقامة هذه المآتم شعارا لهم -يجزم بأنهم متبعون أعظم وسيلة للترقي. كما أن أتباع علي و الحسين في جميع بلاد الهند كانوا يعدون علي الأصابع، و اليوم هم في الدرجةالثالثة بين أهل الهند من حيث العدد، و كذلك في سائر البلدان. و عندما نقيس منهم دعاتنا «المبشرين» مع صرف تلك القوة و الثورة بمنهج دعاة هذه الفرقة، نري أن دعاتنا لم يحوزوا العشر من تقدم هذه الفرقة، رؤساء ديننان و ان كانوا يحزنون الناس بذكر مصائب حضرة المسيح، و لكنه ليس بذلك الأسلوب و الشكل الذي يتخذه أتباع الحسين. و يحتمل أن يكون السبب في ذلك أن مصائب المسيح في جنب مصائب الحسين لا تكون مؤثرة و مشجية للقلب، بتلك الدرجة التي لمصائب الحسين علي مؤرخينا أن يطلعوا علي حقائق رسوم و عادات الأغيار، و لا ينسبونها الي الجنون».

ثم يستطرد هذا المحقق الألماني و يقول:


«نحن الأوربيين بمجرد أن نري لقوم حركات ظاهرية في مراسيمهم الملية أو المذهبية، منافيه لعاداتنا ننسبها للجنون و التوحش، نحن غافلون عن أننا لو سبرنا غور هذه الأعمال لرأيناها عقلية سياسية، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة الشيعية، و في هؤلاء القوم بأحسن وجه. و الذي يجب علينا هو أن ننظر الي حقائق عادات و تقاليد كل قوم، و الا فان أهل آسيا أيضا لا يستحسنون كثيرا من عاداتنا، و يعدون بعض حركاتنا منافية للآداب و يسمونها بعدم التهذيب، بل بالوحشية، وعلاوة علي تلك المنافع التي ذكرناها، و التي هي طبعا أثر التهيج الطبيعي، فانهم يعتقدون أن لهم في اقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة...» الخ.

6- جاءفي الصفحة «79» من المجلد «56» من «أعيان الشيعة» ما لفظه:

«كانت للمجالس الحسينية التي تعقد بانتظام خلال شهري محرم و صفر في مدن الهند و الباكستان، و أحيانا أيضا خلال بقية الشهور الأثر الفعال، لا في انماء المعارف الدينية فحسب، بل في التقدم الخلقي و العقلي و الروحي للشيعة،. بفضل هذه المجالس التي تقام لذكري شهيد الاسلام العظيم الحسين بن علي عليهما السلام نبغ بين الشيعة في شبه القارة الهندية خلال الأجيال الطويلة فحول الشعراء والكتاب و أخيرا الخطباء...» الخ.

7- جاء في الصفحة «254» من كتاب «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» للدكتور علي الوردي عن النياحة علي الحسين في الباكستان ما نصه:

«ان مدينة تيري و المناطق المجاورة لها في الباكستان تحتوي علي كثير من الشيعة الذين اعتادوا أن يقيموا المواكب الحسينية في يوم عاشوراء من كل عام. و الغريب أن هذه المدينة فيها مدرسة دينية يدرس فيها المذهب الوهابي و يقيم فيها كثير من طلبة العلم، و اسمها «مدرسة الهدي».

و أخذ الوهابيون يضايقون الشيعة ويهددونهم لكي لا يقيموا المواكب حسب عادتهم في كل عام؛ فالمواكب في نظرهم بدعة و مروق عن الاسلام. و في


عام«1962 م»استعد الوهابيون لمنع المواكب بالقوة، و في يوم عاشوراء هجم الوهابيون علي المواكب بضراوة و استخدموا في هجومهم الأسلحة، و المعاول، و المجارف، و الفؤوس، و الخشب، فسقط المئات من الجرحي و القتلي، و كانت مذبحة فظيعة. و مما يلفت النظر أن عددا من أهل السنة قد قتلوا فيها لأنهم كانوا يشاركون الشيعة في مواكبهم، كما هو الحال في بعض مناطق العراق».


پاورقي

[1] هو العلامة السيد عبد اللطيف بن أبي‏طالب بن نور الدين بن نعمة الله الحسيني الموسوي الجزائري المولود سنة 1172 ه في ايران. و المتوفي حوالي سنة 1219 ه في الهند.

[2] اللک يساوي 500 الف وحده نقديه.