بازگشت

في تركستان و القفقاز و التبت و الصين


و في كل من القفقاز و تركستان و الصين و التبت و غيرها من البلدان


الآسيوية التي يستوطنها المسلمون، حيث ان الجالية الشيعية فيها قلة ضئيلة، فان شعائر الحزن و المراسم العزاء و مواكبها علي الامام الحسين عليه السلام كانت وما زالت قتام فيها في حدود ضيقة جدا، و لا تتجاوز اقامتها الدور و بعض الحسينيات و المزارات و المساجد.

ففي القفقاز التي كانت حتي قبل 100 سنة تحت الحكم الايراني، و لا سيما في مدنها المعروفة بأكثرية المسلمين فيها، كنخجوان، و ايروان، و باكو، و تفليس و غيرها، كانت المناحات و مجالس العزاء و مواكبها تقام فيها بكثرة، أيام محرم و صفر من كل سنة، و لا سيما العشرة الأولي من محرم، و بالأخص يومي تاسوعا و عاشوراء علي غرار ما كان متبعا في جارة القفقاز الجنوبية، أي منطقة آذربيجان الايرانية، و لكن علي نطاق أضيق. و قد انتشر أمر تقليد اقامة هذه المراسم العزائية في القفقاز منذ القرون الوسطي أي بعد استيلاء ايران عليها.

و استمرت الشيعة في القفقاز علي عهد الحكم القصيري باقامة هذه المناحات حتي انقلاب اكتوبر «1917 م». و القادمون من القفقاز الآن يقولون: ان مجالس العزاء و النوح علي الامام الحسين عليه السلام ما زالت تقام في بعض البيوتات الشيعية في نخجوان و باكو، و لكن تحت الستار و بخفاء تام و في نطاق ضيق جدا.

و في تركستان و خاصة في مدنها الهامة، مثل: خيوه، و مرو، و عشق آباد، و سمرقند، و طشقند، و بخاري التي لا زالت بعض الجاليات من بقايا الشيعية مستوطنة فيها، فان وضع اقامة شعارات العزاء علي الحسين عليه السلام لا تختلف كثيرا عن القفقاز، و ان العائلات الشيعية التي قد لا يتجاوز عددها المئة عائلة في جميع تلك الأصقاع في الوقت الحاضر تقيم مجالس العزاء هذه في دورها بخفاء و خوف و وجل.

و قد انتقلت تقاليد اقامة هذه المراسم العزائية الي تركستان من اقليم خراسان الواقع بجنوبها منذ أوائل القرن الثالث الهجري، عندما اضطر بعض


أهالي طوس من موالي آل البيت النبوي صلي الله عليه و آله الي الهجرة الي بخاري و خيوة و نواحي المتأخمة لها و الاستيطان فيها.

و لا زالت آثار بعض الحسينيات التي كانت تقام فيها مجالس العزاء ظاهرة للعيان في مدن تركستان و القفقاز، مما يدل علي أن شعارات اقامة النياحات و مواكب العزاء علي الامام الحسين عليه السلام كانت متداولة في تلك الأصقاع حتي انقراض العهد القيصري في روسيا.

أما في اقليم التبت في جنوب الصين فان ظروف بعض الأسر الشيعية في بلاد الأفغان قد اضطرتها في أواخر القرون الوسطي الي الهجرة اليها و الاستيطان فيها، و ان هذه الأسر بحكم عقيدتها في موالاة آل البيت النبوي عليهم السلام أخذت تقيم مجالس العزاء هذه علي الامام الحسين عليه السلام في دورها، و تعطل أعمالها يومي تاسوعاء و عاشوراء من شهر محرم في كل سنة.

و قد نقل لي بعض طلبة الدين في كربلاء و النجف الذين كانوا يتلقون العلوم الدينية فيها، و المنتقلين اليهما من بلادهم «التبت»: بأن أسرهم لا زالت تقيم النياحات و مجالس العزاء علي الامام السحين تحت الخفاء التام، حيث يجتمع أفراد هذه الأسر الشيعية في دار أحدهم، و يلقي عليهم خطيب المنبر الحسيني أو أحدهم تفاصيل مجزرة كربلاء حسب ما هو متداول في العتبات المقدسة، و يجري في هذه المجالس ما يجري في سائر الأقطار الاسلامية، من البذل و الانفاق، و سكب الدموع، و النياح، و البكاء، و العويل، و الضرب علي الصدور، و اللطم علي الرؤوس، و الجيوب، الي غير ذلك من مراسيم العزاء.

أما في بلاد الصين الشاسعة الأرجاء فتقيم الجاليات الشيعية فيها في العشرة الأولي من محرم، و بالأخص يوم عاشواء العزاء الحسيني و مأتمه في دورها تحت الستار، علي غرار ما يفعله الشيعة في صقع التبت، اذ المعروف أن أكثر شيعة الصين قد انتقلوا اليها في الثلاثة أعصر الأخيرة من تركستان و بلاد الأفغان، عبر صقع


التبت.

و قد رأيت ضمن بعض الاحصائيات عن عدد المسلمين في الصين بعد الحرب العالمية الأولي: أن عدد الشيعية الذين يستوطنون البلاد الصينية لا يتجاوز العشرة آلاف نسمة. و هؤلاء رغم قلتهم الضئيلة متمسكون بتقاليد مذهبهم و طقوسه و منها احياء ذكري مجزرة كربلاء و استشهاد الامام الحسين و آله و صحبه فيها، و اقامة المأتم الحسيني و عزائه أيام عاشوراء، في دورهم، و في مجالسهم و مجتماعتهم الخاصة، و الانفاق فيها.