بازگشت

في الافغانستان


أما في بلاد الأفغان فحيث أن الجالية الشيعية كثيرة العدد فيها و تناهز الملليوني نسمة تقريبا، و هي من ذرية أولئك الخراسانيين والموالين لآل الرسول صلي الله عليه و آله الذين هاجروا من طوس و سائر مدن خراسان الي أفغانستان واستوطنوا مدنها، و لا سيما مدن قندهار، و هراة، و بشاور، و كابل و مزار شريف، و جلال آباد و غيرها، و ذلك بعد استشهاد الامام الرضا عليه السلام في مدينة طوس سنة 203 ه، و ضغط الحكومات السنية التي توالت علي الحكم في خراسان و ما جاورها من البلدان عليهم. فأن هؤلاء قد بقوا متمسكين بموالاتهم لآل البيت عليهم السلام، و استمروا علي ما كان قد اعتاد عليه آباؤهم و أجدادهم من احياء ذكري فجيعة كربلاء و مجزرة الطف، و قد اتسع نطاق هذه الذكري و اقامة مجالس العزاء و مجتمعات النياحة علي الحسين فيها سرا و علنا بمرور الزمن حتي اصبح من أهم تقاليد الشيعة في أفغانستان خاصة علي عهد امارة طاهر الشيعية في هراة، و بعض وزراء الشيعة من أفعانستان. و كانت ولم تزل هذه المجالس العزائية تقام في المدن الأفغانية الرئيسية التي تسكنها الأسر الشيعية، و بالأخص المدن و القري و الدساكر التي تقع علي الحدود الايرانية و حتي أن في بعض البلدان أنشئت الحسينيات و أقيمت المزارات خصيصا لاقامة مجالس العزاء الحسيني و مواكب الحزن فيها.

و منها: «مزار شريف» المقام في قرية خيران من قري مدينة «بلخ»، ذلك المزار الذي يدعي الأفغانيون أنه مثوي جسد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث نقل من النجف بعد مرور ما يقرب من قرن علي مدفنه فيها الي هذه القرية. و تقام في ساحة هذ المزار و التكية المجاورة له أيام العشرة الأولي من المحرم كل سنة


النياحات و مجالس العزا و مواكب الحزن علي الامام الحسين عليه السلام و يشترك فيها أبناء السنة أيضا.

و من أكبر ملوك الأفغان الذي يشجع العزاء الحسيني فيها الملك محمود، الذي كان يميل الي الشيعة، و عاش في القرن الثالث عشر الهجري.

و قد وقع بيدي قبل أكثر من ربع قرن، الجزء الأول من كتاب باللغة الفارسية مطبوع في كابل، باسم: «تاريخ مزار شريف واقع در بلخ» أي «تاريخ مزار شريف الواقع في بلخ» لمؤلفة السيد حافظ نور محمد، و هو من القطع الكبير، و يقع في» 105» صفحة، و يتضمن تفاصيل عن كيفية نقل رفات الامام علي بن أبي طالب الي القرية المذكورة - كما يدعي - و معتقدات الأفغانيين عموما في ذلك، و تبركهم بهذا المزار، و ذكر الموقوفات الجسيمة التي أوقفت من قبل السلاطين و العظماء و السراة و الأثرياء عليه. و في بعض صفحات هذا الكتاب المزود بتصاوير كثيرة عن قباب و مآذن و ضريح المزار المذكور ذكر عما تقام في أرجائه و أفنائه من مجالس الذكر و الدعاء، و منها مجالس العزاء علي الامام الحسين عليه السلام.

و قد صدرت الصفحة الأولي و كذا غلاف الكتاب بالحديث النبوي الشريف: «أنا مدينة العلم و علي بابها».

و تكملة للبحث عن النياحة علي الامام الحسين في البلاد الأفغانية أنقل تاليا ما ذكره السيد جمال الدين الأسد آبادي المشتهر بالأفغاني في كتابه «تتمه البيان في تاريخ الأفغان» المطبوع سنة 1901 م - 1318 ه في القاهرة عن الشيعة في أفغانستان و تقاليدهم و شؤونهم و اقامتهم العزاء الحسيني في هذه البلاد:

1- فقد جاء في الصفحة «150» منه ما نصه:

«و جميع الأفغانيين سنيون، متمذهبون بمذهب أبي حنيفة لا يتساهلون - رجالا و نساء، و حضريين و بدويين - في الصلاة و الصوم، سوي طائفة «نوري»، فانهم متوغلون في التشيع و لهم محاربات شديدة مع جيرانهم السنين، و يهتمون


بأمر مأتم الحسين في الشعرة الأولي من محرم، و يضربون ظهورهم و أكتافهم بالسلاسلي مكشوفة».

و يستطرد الكاتب في الصفحة «152» و يقول:

«و الأفغانيون مع شدة تعصبهم للدين و المذهب و الجنس لا يعارضون غيرهم في حقوقهم، و لا يتحاشون عن أن يروا شيعيا أو غير مسلم يقيم مراسم دينه و مذهبه، و لا يمنعون المستحقين منها من نيل المراتب العالية في حكومتهم. فانك تري أرباب المناصب في البلاد الأفغانية من الشيعين «القزل باش».

و في الصفحة «165» منه، عندما يبحث السيد جمال الدين عن القبائل الأفغانية، و يتطرق الي قبيلة «هزاره»، يقول:

«و هذه القبيلة علي مذهب الشيعة، الا فصيلة شيخ علي و الجمشيدي. لكنها ليست علي شي ء من هذا المذهب الا بغض الخلفاء، و محبه علي، و اقامة مأتم ابنه في عاشوراء، بضرب السلاسل علي الصدور و الظهور، و لا يتقي آحاد هذه القبيلة اظهار مذهبهم، مع أن التقية من واجبات مذهب الشيعة، حتي لو سئل أحدهم عن مذهبه لقال بغلو و بدون مبالاة: اني «عبد علي» و لهم زيادة اعتصام بمذهبهم هذا». و مما يحسن سرده هنا: أن سنيا عرض التسنن علي جارية من الشيعية كانت عنده فأبت، فعزرها و زجرها و ألح عليها، فاستشاطت غيظا و قالت: «أهون علي أن أكون كلبة و لا أكون سنية».

و في الصفحة «170» من الكتاب يذكر المؤلف ما عبارته:

«و من الطوائف الموجودة في البلاد الأفغانية طائفة الشرفاء «أولاد علي بن أبي طالب» و يلقبون في تلك البلاد بالسيد. و بعض من هذه الطائفة يسكن في «بشنك» من نواحي قندهار، و بعض منها يسكن و لاية «كنر» الواقعة قرب جلال آباد. و لم يخل شرفاء «كنر» من الكبرياء و العظمة من عهد «بابر شاه» الي يومنا هذا. و للأفغانيين عموما مزيد اعتقاد بهذه الطائفة. و أما عاداتهم و أخلاقهم


و ملابسهم فتماثل عادات الأفغانيين و أخلاقهم و ملابسهم».

و يستطرد الكاتب الجليل كلامه في الصفحة «171» من الكتاب بالتطريق الي طائفة «قزل باش» التي جاءت الي الأفغان مع الملك نادر شاه ايراني، حين استولي علي هذه البلاد، و هي من أصل ايراني، و يسكن أفرادها الآن كابل، وغزنة، و قندهار، و يقول:

«و أفراد هذه الطائفة كلهم من الشيعة، يقيمون مأتم الحسين بن علي بن أبي طالب، في العشر الأول من محرم».

و يصف الكاتب أفراد هذه الطائفة بقوله:

«و لهم حذق في الآداب و الصنائع و الأعمال الديوانية، من أجل ذلك تري أن المتوظفين في الادارة الملكية الأفغانية منهم، و غالب الأمراء يختارونهم لتربية أولادهم و لتعليمهم الأدب و الشعر، و يمتازون بالذكاء و الفطنة و النظافة عن بقية سكان البلاد الأفغانية، و يتصفون بالشجاعة و الاقدام...» الخ.

هذا و الأفغانيون الشيعة يقومون بالسفر الي ايران و العراق و الحجاز طول السنة؛ لأداء مراسم زيارة أضرحة الأئمة الاثني عشر في هذه البلدان الثلاثة، و يزداد عددهم لزيارة العراق عن طريق خراسان بايران في العشرة الأولي من محرم كل سنة لغرض الاشتراك في شعارات النياحة بكربلاء أيام عاشوراء.

و قد تناقلت الأخبار بأنه لأول مرة في الصعر الحديث قام ولي عهد أفغانستان، و رئيس وزرائها، و سائر كبار رجال الأفغان الرسميين، فاشتركوا في حفلات مراسم العزاء التي أقيمت في محرم سنة «1393 ه» في كابل، من قبل الجالية الشيعية.