بازگشت

في ايران


أما في ايران فمنذ أن وصلها نبأ الحادث الحزن باستشهاد الامام الحسين عليه السلام و آله و صحبه، فقد عمت الأحزان الأوساط الايرانية من شعبية و رسمية، نظرا لأواصر المصاهرة التي ربطت الايرانيين الفرس بأسرة الامام الحيسن عليه السلام بتزوجه الأميرة شهربانو «شاهزنان» بنت الملك يزدجرد، التي ولدت له الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، مضافا الي ولاء كبار رجال ايران للامام علي بن أبي طالب و آله و بيته، كسلمان الفارسي و غيره. ثم تحولت هذه الاحزان بصورة تدريجية الي مناحات و مآتم محدودة في داخل الدور و في المجتمعات الخاصة، و تطورت بعد ذلك، حيث اتسعت دائرتها و أخذت تقام بصورة علنية علي شكل انشاد المراثي، و ذكر واقعة الاستشهاد، بالاستناد الي المرويات علي ألسنة الثقات، و يحدثنا التاريخ بأن كثيرا من رؤساء قبيلة الأشاعرة و أفخاذها اضطروا الي الهجرة من الكوفة الي اصفهان ثم الي «قم» الحالية و ضفاف نهرها للانتجاع، بعد أن قتل الحجاج بن يوسف الثقفي زعيمهم الأكبر محمد بن سائب الأشعري، و بعد أن أخذت النكبات تتري عليهم من قبل الحجاج و عمال الأمويين.

و منذ استقرار هؤلاء المهاجرين التابعين للامام علي عليه السلام و آله في هذه الناحية خلال مدة عشر سنوات - أي من سنة «73 ه» الي سنة «83 ه» -شرعوا


باقامة أسس بناء مدينة «قم» و نشر العمران فيها، كما بدأوا فور سكناهم هنا باقامة المآتم و المناحات في مجتمعاتهم الخاصة و مجالسهم السرية علي شهيد الطف عليه السلام خاصة أنهم كانوا قريبي عهد بالفاجعة وتفاصيلها و ملابساتها، مرددين فيها ما جري علي الامام الحسين عليه السلام و آله في مذبحة عاشوراء.

و لقد استمر هؤلاء الأشاعرة الشيعة علي احياء ذكري الطف الحزينة في يوم عاشوراء من محرم كل سنة و اقامة العزاء فيه، ثم تناقل الخلف عن السلف هذا التقليد الحزين، الي أن حلت السيدة فاطمة بنت الامام موسي بن جعفر عليهماالسلام و أخت الامام علي بن موسي الرضا عليهماالسلام هذه المدينة سنة «201 ه» آتية من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و قاصدة أخاها الامام الرضا عليه السلام في مرو بخراسان و لكن الأجل لم يمهلها فكانت - مدة اقامتها في هذه المدينة «17» يوما - مريضة طريحة الفراش في دار موسي بن الخزرج بن سعد الأشعري، و بعد وفاتها دفنت في أرض كانت لهذا المضيف الجليل، و أصبح قبرها روضة فيها بعد و للآن يقصده الجميع للزيارة و التبرك و اقامة المأتم الحسيني حوله.

و بعد دفن هذه العلوية العذرا التي اشتهرت ب «معصومة قم» تعاظمت سلطة الشيعة الأشعريين في هذه الناحية و استع نطاق اقامة مآتم ذكري شهيد الطف الحزينة بين مختلف طبقات سكان هذه المدينة و ما جاورها من القري و القصبات.

و هكذا كان الأشاعرة المهاجرون من الكوفة الي هذه الناحية في ايران من الأوائل الذين بذروا بذور التشيع لآل علي عليه السلام فيها، مستغلين موضوع استشهاد الامام عليه السلام بكربلاء و مقيمين مآتمه و عزاءه و مجالس النياحة عليه.

أما في مرو بخراسان فعلي عهد الامام الثامن علي بن موسي الرضا عليه السلام الذي بدأ منذ أخريات القرن الثاني و أوائل القرن الثالث الهجري، فقد تعززت نهضة اقامة المآتم و المناحات و احياء ذكري استشهاد الحسين عليه السلام، بالأخص و أن


سياسة المأمون العباسي كانت تميل الي مسايرة العلويين و اطلاق الحرية لهم اقامة شعائر الحزن و العزاء علي الامام الشهيد. و قد مر ذكر تفصيل ذلك في الفصل الخاص بالمناحة علي عهد الامام الرضا و ابنه الامام محمد التقي عليه السلام.

و بعد استشهاد الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام في طوس تبلورت حركة اقامة المناحات و حفلات العزاء علي الامام الشهيد في ايران، و تطورت بتطور سياسة الحكومات التي كانت تتولي السلطة في أنحاء ايران و مناطقها المختلفة بين القوة و الضعف. فكانت هذه الحركة تسير سيرها المدي في بعض الاصقاع التي كانت تحكمها السلطة الموالية لآل بيت النبي صلي الله عليه و آله، كالامراء البويهيين و تسير سيرها الجزري في الأقاليم الأخري التي تتولي السلطة فيها حكومة تعادي العلويين و تناهضهم، و قد استمرت هذه الحالة الي أن استولي علي الحكم في ايران الملوك الصفويون، الذين استطاعوا أن ينشئوا في ايران حكومة مركزية تسيطر علي جميع الأقاليم الايرانية، و أن يوجدوا في هذه البلاد وحدة متماسكة تحكمها حكومة مركزية قوية واحدة، هي الدولة الصفوية.

و قد اهتم ملوك هذه الدولة الشيعية اتهماما عظيما بالعزاء الحسيني و مأتمه في داخل البيوت و خارجها، و في المساجد، و التكايا، و المعابد، و الأسواق، و الشوارع، و الساحات العامة، و حتي في البلاط و دوائر الدولة، كما تنوعت و تشعبت اساليب هذه المناحات و عمت جميع طبقات الشعب، و أصبحت تقاليد متأصلة في النفوس، كما أن الحكومات التي خلفت الدولة الصفوية في ايران كالأفشارية و الزندية سارت علي نفس نهج تلك الدولة، في احياء هذه الذكري الحزينة و اقامة شعائرها و متابعة تقاليدها. و خاصة علي عهد الملوك القاجاريين و حتي الوقت الحاضر.

و أدرج فيما يلي بعض ما عثرت عليه في بطون الكتب و الأسفار عما تقدم ذكره في هذا الأمر:


1- جاء في كتاب «الشيعة و التشيع» للسيد أحمد الكسروي ما نصه:

«فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين و النوح عليه فوائد لهم، و الظاهر من أقوال المؤرخين أن اقامة شعائر المأتم، و احياء ذكري مصائب آل علي عليهم السلام و انشاد المراثي واقامة العزاء علي الحسين، قد راجت في ايران لأول مرة علي يدي البويهيين، و أن أحمد معز الدولة رحل من ايران الي بغداد سنة 334 و أعلن المذهب الشيعي فيها رسميا».

2- و جاء في الصفحة «87» من الكتاب نفسه ما نصه:

«ثم لما قام الصفويون في ايران أشاعوا المناحة بين الايرانيين؛ فأقبل العامة عليها اقبالا عاما، و كبرت و ظهرت فيها أعمال ضرب الجسد بالسلاسل، و جرح الرأس، و اقفال البدن، و غير ذلك مما لا حاجة الي عدها...» الخ.

3- و جاء في الصفحة «88» منه ما عبارته:

«ففي أيام القاجاريين في ايران كانت اقامة المأتم والاحتفال بمصاب الحسين شغلا شاغلا للشيعة، يقضون نصفا من ساعاتهم فيها، وكان الناس يزيدهم اقبال عليها ما كانوا يسمعون من الاحاديث في فضل البكاء، فقد روي عن أئمة الشيعة أنه: «من بكي أو أبكي أو تباكي و جبت له الجنة» فمن المسلم عند الشيعة أن البكاء علي السحين من أفضل العبادات، و أن من بكي عليه غفر الله ذنوبه و لو كانت عدد الرمال...» الخ.

4- ولقد سمعت من بعض المعمرين الذين أدركوا عهد قيام الملك ناصر الدين شاه، كبير ملوك السلسلة القاجارية، في زيارته. للعتبات المقدسة في العراق، سنة 1287 ه، أنه حينما كان يزور مشهد الامام الحسين عليه السلام و هو عند ضريحه المطهر، اذ خطب امامه أحد خطباء المنبر الحسيني خطبة مؤثرة جدا عن الفجيعة الحسينية، و تطرق أثناء كلامه الي كلمة يقال انها بدرت يوم عاشوراء من الامام الحسين عليه السلام في أحرج ساعاته، و هي: «هل من ناصر ينصرني؟»فقال الخطيب


صارخا: أن ناصرك قد أتي، و هو الآن بين يديك لينصرك فضج الجميع بالكاء، و كان نحيب ناصر الدين شاه و بكاؤه أعظم منهم و أنه رفع تاجه من رأسه و ألقاه بحرارة أمام الضريح من شدة التأثر.

5 - جاء في الصفحة «220» من كتاب «جولة في ربوع الشرق الأدني» لمؤلفة محمد ثابت المصري، المطبوع في القاهرة سنة «1934 م»، عند زيارته لمدينة مشهد الرضا في ايران و هي حاضرة اقليم خراسان ما نصه:

«أما شهرا محرم و صفر فأيام حداد، لا يدار فيها لهو و لا موسيقي، و يحيون لياليها بجلسات الحداد، يستمعون لقصص علي والحسين و هم يبكون. و غالب البيوت تراعي ذلك ليلة الجمعة من كل أسبوع حتي في غير هذين الشهرين، و في يوم عاشوراء - العاشر من المحرم - تقام حفلات في البلاد كلها المأساة الحسين».

و يستطردالكاتب فيقول:

«خرجت من حرم الامام الرضا الي الفناء و اذا في كل ركن من أركانه عالم - خطيب - يرتقي منبرا و حوله خلق كثير جلوس علي الأرض في وجوم و شبه ذهول، و هو يقص عليهم أنباء علي و الحسن و الحسين و الأسرة الشريفة كلها، و جميعهم يبكون، و كلما أشار في قوله الي الفاجعة صاحوا عاليا و لطموا جباههم، و خدودهم في قرقعة مؤلفة، و منهم الطفل، و المراهق، و السيد، والعجوز، و الكهل الفاني و المثقف، و الأمي الجاهل، و كنت أعجب لسيل دموعهم و بكائهم المر. و ذلك الوعظ و قراءة المقتل يظل طوال اليوم في جميع أركان الأفنية...» الخ.

و يواصل الكاتب كلامه فيقول:

«و بعد صلاة الغروب أخذ العلماء يقصون علي الناس نبأ فاجعة علي و الحسين، و الجماهير حولهم».

6 - جاء في الصفحة «207» من كتاب «تاريخ خلفاي فاطمي» باللغة الفارسية، تأليف المرحوم عبدالرحمن سيف آزاد، ضمن البحث عن أجداد آقا


خان الاسماعيلي، و انتقالهم بعد استيلاء هولاكو المغولي علي قلعة «الموت» قرب قزوين في ايران مركزهم الأصلي الي قرية «انجيدان» من قري مدينة «أراك» بوسط ايران، ما ترجمته:

«من الآثار القيمة التي لا زالت قائمة في الحسينية العائدة للشاه خليل الأول في انجيدان - انگيدان بالكاف الفارسية - و التي يحافظ عليها سكان هذه الناحية حتي الآن بكل احترام و تكريم، هو تمثال نخلة كبيرة جدا وصلبة، مصنوعة من مادة رخامية، يرفعها سكان انجيدان في كل نسة أيام عاشوراء و في مواسم اقامة العزاء السحيني علي أيديهم و في مقدمة الأعلام و الجهازات الأخري العائدة لسائرة القري، والسير بهذه النخلة، يتبعهم الألوف المشتركين في مراسم العزاء بكل اخلاص و حزن في مختلف القري حتي يصلوا الي القرب من مدينة «اراك» و في ضواحيها يتبرك الجميع بها بكل احترام و تعظيم. و بعد الانتهاء من مراسم العزاء خلال عشرة عاشوراء تعاد النخلة الي مكانها في حسينية الشاه خليل الأول للحفظ».

7 - لقد ذكرت الصحف الطهرانية بمناسبة اقامة العزاء الحسيني في مدينة مشهد في العشرة الأولي من محرم سنة 1392 ه، ما ترجمته:

«انه لأول مرة في تاريخ ايران تفد علي مدينة مشهد أول جماعة منظمة بمواكبها الحزينة، و مؤلفة من نخبة نساء مدينة بروجرد، تشكل السبايا و المواكب الحسينية و تسير في شوارع مدينة مشهد و في أفنية صحن الامام الرضا عليه السلام، علي غرار مواكب الرجال، وتنشد الأهازيج الحزينة و ترثي الامام الشهيد و تضرب علي الصدور و تنفش الشعور و هي مجللة بالسواد».

8 - جاء في الصفحة «370» من «موسوعة العتبات المقدسة» قسم كربلاء نقلا عن كتاب «تاريخ ايران» باللغة الانجليزية، لمؤلفه السربرسي سايكس، عن مجزرة كربلاء بعد بيان الحادث المفجع مفصلا، ما نصه:


«ان هذه الفاجعة كانت أساسا لتمثيل المسرحية الأليمة سنويا، ليس في ايران التي تعتبر العقيدة الشيعية مذهبا رسميا فيها فقط، بل في كثير من البلاد الآسيوية التي يتيسر فيها وجود المسلمين الشيعة أيضا. و قد شاهدت هذه المأساة تمثل أمامي مرات عديدة في ايران، و لذلك يمكنني أن أعترف و أقر بأن الاستماع الي ولولة النساء الصارخة، و مشاهدة الحزن الذي يغشي الرجال كلهم، يؤثر تاثيرا عميقا في المرء بحيث لا يسعه الا أن يصب نقمته علي الشمر و يزيد بن معاوية، بقدر ما يصبه سائر الناس الحاضرين. و الحقيقية أن هذه المسرحية الأليمة تدل علي قوة عاطفية جامحة تمتلي بالحزن و الأسي الذي لا يمكن أن تقدر بسهولة، و أن المناظر التي شهدتها بأم عيني ستبقي غير منسية في مخيلتي ما دمت في قيد الحياة».

9 - و جاء في الصفحة «7» من مجلة «نامه استان قدس رضوي» العدد المورخ 1391 ه، و هي المجلة التي تصدرها باللغة الفارسية سدانة مشهد الامام الرضا في خراسان، ضمن مقال طويل ما ترجمته:

«كان البويهيون من الشيعة المخلصين و قد بذلوا جهدهم من الصميم لنشر المذهب الشيعي و اشاعة أحكامه و مبادئه. و قد نقل المؤرخون أن اقامة شعائر المأتم السحيني و احياء ذكري مصائب آل علي عليهم السلام و انشاد المراثي و اقامة العزاء علي الحسين الشهيد قد راجت رواجا عاما في ايران لأول مرة علي عهد البويهيين، كما أن أحد معز الدولة رجل من ايران الي بغداد سنة» 334 ه» و أعلن المذهب الشيعي فيها رسميا، و أمر بلعن معاوية علي المنابر في بغداد، كما أمر سنة «352 ه» باقامة الحداد علي الحسين يوم عاشوراء و غلق الحوانيت و الأسواق فيه، و لبس الناس في هذا اليوم السواد وناحت النسوة فيه علي الحسين مشعثات الشعر».