بازگشت

النياحة علي الحسين في عهد الامراء البويهيين


لقد اتسع نطاق اقامة المناحات و مجالس العزاء علي الحسين عليه السلام علي عهد آل بويه، في أواسط الحكم العباسي، و قد أحيا هؤلاء الأمراء و رجال السلطة البويهية ما كان قد سبق من ذكريات هذه المناحات و شعارات المآتم، و أضافوا عليها كثيرا من الحالات، رغم معارضات و مخالفات معظم الخلفاء العباسيين لهم. و لم يقتصر احياء هذه الذكريات و الشعائر المؤلة من قبل البويهيين علي العراق، بل تعده الي سائر البلدان الاسلامية، كمصر، و شمال افريقية، و بعض البلدان العربية الأخري، و ايران، و غيرها.

و انه و ان لم يكن الأمراء البويهيون أول من أقام المناحة و العزاء و المآتم علي الامام الحسين عليه السلام و لكنهم كانوا أول من وسعوها و أخرجوها من دائرة النواح الضيقة، في البيوت و المجالس الخاصة و النوادي الهادئة، و علي قبر الامام الشهيد عليه السلام بكربلاء، الي دائرة الأسواق العلنية و الشوارع المتحركة، و تعويد الناس علي اللطم علي الصدور.

و لقد استمرت عادة النياحة علي الامام الحسين عليه السلام و اتسعت شعاراتها خلال مدة حكم آل بويه في العراق و ايران.

ذلك الحكم الذي ابتدأ سنة «334 ه» و انتهي في سنة «467 ه». و قد سقطت في فترة هذا الحكم السلطة من أيدي الخلفاء العباسيين ولم يبق لهم فيه غير الاسم


المجرد، اذ كانت السلطة الحقيقية بيد البويهيين.

و فيما يلي بعض ما روته كتب التاريخ و مؤلفات السير عن النياحة علي عهد البويهيين:

1- ذكر كتاب «مدينة الحسين» في سلسلته الثانية، عند البحث عن خدمات آل بويه في العراق و العتبات المقدسة ما عبارته:

«و هم - أي آل بويه - أول من بادروا بتخليد ذكر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء اذ في محرم سنة 352 ه أمر السلطان معز الدولة الذي استولي علي بغداد سنة 334 ه، علي عهد الخليفة المستكفي، بتعطيل الأسواق، و شل حركة البيع و الشراء و أن يسقوا الماء بنصبهم القباب في الأسواق، و خرجن النساء يلطمن وجوههن و ينحن علي الحسين عليه السلام. و بقيت هذه العادة مستمرة في كل عام من يوم عاشوراء حتي أواسط القرن السادس، علي عهد السلاجقة...»

2- جاء في الصفحة «372» من المجلد الأول من «موسوعة العتبات المقدسة» المار ذكرها، نقلا عن كتاب «تاريخ الشيعة في الهند» لمؤلفه الدكتور هولبيستر ما نصه:

«و كان معز الدولة البويهيي في أيام تفوق البويهيين و حكمهم في بغداد هو الذي أدخل عادة احياء الذكري المؤلة للحوادث التي وقعت في محرم، و عين فترة الحداد، فكانت بموجبه تغلق الأسواق و يعطل القصابون أعمالهم و يتوقف الطباخون عن الطبخ، وتفرغ الأحواض و الصهاريج بما فيها من الماء، و توضع الجرار مغلقة باللباد في الشوارع و الطرق، وكانت النساء يمشين بشعور منشورة، و أوجه مسودة، و ملابس ممزقة، يلطمن الخدود و يولولن، حزنا علي الحسين الشهيد، و كانت تقرأ في ذلك اليوم المراثي و المناحات كذلك.

و ان عادة اعلان الحداد العام خلال العشرة الاولي من محرم الحرام كانت أعظم ابتداع ابتدعه معز الدولة البويهي و كان هذا الأمر قد أصدره سنة 963 م،


فحتم علي الناس احياء الذكري السنوية لمقتل الحسين. وقد استمرت هذه العادة منذ ذلك الوقت و أصبحت أشهر العادات و أبعدها صيتا بين العادات و الأعراف الشيعية المألوفة...».

3- ذكر السيد جواد الشهرستاني في الصفحة «160» من كتاب «نهضة الحسين» ختاما لكتاب والده هذا، ما نصه:

«و قد سجل التاريخ اهتمام معز الدولة البويهي، و سائر الملوك البويهيين، في الدولة العباسية ببغداد، عام «352 ه» بشأن اقامة مآتم الحسين و ابرازها في هيئة مواكب خارج البيوت فكانت النساء يخرجن ليلا، و يخرج الرجال نهارا، حاسري الروؤس، حفاة الأقدام، تحيتهم التعزية و المواساة بمأساة الحسين عليه السلام. و لا تزال هذه العادة الي الآن في مدن العتبات المقدسة، في العراق و ايران...».

أقول: انها لم تقتصر علي العتبات المقدسة، و لم تقتصر أيضا علي العراق و ايران، و انما هي عادة متبعة في معظم بلدان العالم الاسلامي و قراها و قصباتها..

4- ذكر الشيخ عبدالعزيز جواهر الكلام، في الصفحة «11» من المجلد الأول من تأليفه «آثار الشيعة الامامية»، عند ترجمة حياة معز الدولة أحمد بن بويه قوله:

«و كان متصلبا في التشيع، أمر الناس باقامة المأتم للحسين الشهيد عليه السلام في العشرة الأولي من محرم، و استمرت عليها الشيعة من ذلك الحين...».

5- قال مؤلف «بغية النبلاء» السالف الذكر، في الصفحة «68» ما عبارته: «و كان آل بويه يناصرون الشيعة، و قد استكمل التشيع علي عهدهم، حتي أن معز الدولة أمر سند «352 ه» باقامة المآتم في عاشوراء. و كان ذلك أول مأتم أقيم في بغداد...».

أقول: لم يكن هذا أول مأتم في بغداد، بل سبقته مآتم كثيرة فيها، كما مر ذكر ذلك في الفصول المتعاقبة، ألا اذا أريد بأنه كان أول مأتم عام في الأسواق


و الشوارع ببغداد.

6- جاء في الصفحة «198» من المجلد الثالث، من كتاب «قهرمانان اسلام» باللغة الفارسية، أي: «أبطال الاسلام» لمؤلفه علي أكبر تشيد، ما ترجمته:

«و كان معز الدولة الديلمي قد أصر بمزاولة عادة اقامة المأتم في يومي تاسوعاء و عاشوراء في بغداد و صارت الجماعات من القائمين بهذه المآتم تجوب أسواق بغداد، بأعلامها الخاصة، لاطمة صدورها و رؤوسها. كما أن السلطان معز الدولة البويهي كان يرتدي رداء الحداد و الحزن، و يتقدم عسكره المشترك في هذا المأتم. و هذه العادة التي لا زالت متداولة حتي الآن في الأقطار الاسلامية هي من آثار معز الدولة الممتازة و كان معز الدولة سلطانا عادلا، و توفي سنة 356 ه...».

7- جاء في الصفحة «55» من كتاب «تاريخ الامامين الكاظمين» لمؤلفه الشيخ جعفر نقدي، ما نصه:

«و كان معز الدولة البويهي مع وزرائه و أعيان دولته يزور الامامين عليهماالسلام في كل خميس، و كان يبيت مع هؤلاء ليلة الجمعة في بيت فخم أعده حول المشهد، ثم يرتحل نهار الجمعة بعد تجديد الزيارة الي محل الحكم».

و في سنة «352 ه» أمر باقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي عليهماالسلام في شهر محرم...

و أمر الناس ببغداد أن يغلقوا دكاكينهم في العاشر منه و يعطلوا الأسواق و البيع والشراء، و أن يظهروا النياحة، و يلبسوا قباء عملوها بالمسوح، و أن يخرج الرجال و النساء، لاطمي الصدور و الوجوه، و كانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعزونهما بالحسين عليه السلام.

و بقيت هذه السنة في العراق مدة الحكم البويهي. و العزاء الحسيني الذي يقام اليوم من آثار تلك السنة الكريمة...».

أقول: و هكذا كان معز الدولة البويهي قد أمر بالضرب علي الصدر علنا


بهذه الكيفية التي نشاهدها اليوم، و أيده العلماء و الفقهاء في عصره الي يومنا هذا.

8- علق الشيخ محمد جواد مغنية في الصفحة «28» من كتابه «دول الشيعة في التاريخ»علي قول السيد مير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب: و هو أي معز الدولة البويهي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكري موقعة كربلاء. علق علي ذلك بما نصه:

«أي جعله يوم حزن بصفة رسمية، تعطل فيه الدوائر الحكومية و تقفل الأسواق، و الا فان هذا اليوم هو يوم حزن عند الشيعة قبل المعز، و منذ اليوم الأول الذي استشهد فيه سيد الشهداء عليه السلام...».

9- قال ابن الاثير في حوادث سنة «352 ه» ما عبارته:

«في هذه السنة أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم في عاشر المحرم، و يعطلوا الأسواق و البيع والشراء، و يظهروا النياحة علي الحسين، ففعل الناس ذلك و لم يكن للسنة قدرة علي المنع؛ لكثرة الشيعة؛ و لأن السلطان منهم...» [1] .

و استطرد ابن الأثير في حوادث سنة «389 ه» و قال «و كذلك عمل السنة في 18 محرم مثل ما عمل الشيعة يوم عاشوراء، و قالوا: هو يوم قتل فيه مصعب بن الزبير...» [2] .

10- جاء في الصفحة «40» من كتاب «دول الشيعة في التاريخ» المار الذكر، و ما لفظه:

«و ما اقتصر آل بويه في خدمة التشيع علي مظاهر الفرح يوم الغدير، و شعائر الحزن يوم عاشوراء، بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت بشتي الوسائل».

11- و في الصفحة «38» من نفس الكتاب، نقلا عن كتاب مختصر تاريخ


العرب للسيد مير علي يقول:

«و كان معز الدولة محبا للفنون و العلم، و هو الذي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكري موقعة كربلاء..»

و قد علق الشيخ مغنية علي هذا القول: «بأنه جعله يوم حزن بصفة رسمية» كما مر ذلك.

12- قال محمد كرد علي في كتابه «خطط الشام» صفحة «251» عن فرقة المتأولة - أي الشيعة - عند ذكر مأتم الحسين ما نصه:

«و يجتمع الشيعة في أيام عاشوراء، فتقيم المآتم علي الحسين بن علي شهيد كربلاء عليه السلام و عهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة. و أول من رثاه أبوباهل الجمحي بقصيدة يقول فيها:



تبيت النشاوي من أمية نوما

و بالطف قتلي ما ينام حميمها. [3] .



و الظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب الأغاني [4] : أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه ثم ان بني بويه أيام دولتهم عنوابها مزيد العناية، و لا تزال الي اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة و ليست هي من المفروض كما يتوهم بل يستحبونها، لأنها تصدر عن ولاء و محبة..».

و علي ذكر ديك الجن، الشاعر الشهير، و حضوره بعض اجتماعات المآتم الحسينية أنقل تاليا بعض الابيات المنقولة عن في البكاء علي الامام الشهيد عليه السلام ورثائه و هي:



جاءوا برأسك يابن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا



و كأنما بك يابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا



قتلوك عطشانا و لما يرقبوا

في قتلك التنزيل و التأويلا






و يكبرون بأن قتلت و انما

قتلوا بك التكبير و التهليلا [5] .



و ديك الجن، هو أبومحمد عبد السلام بن رغبان، و قد توفي سنة 236، أو 235 ه.

13- جاء في الصفحة «84» من كتاب «تاريخ كاظمين» باللغة الفارسية. لمؤلفة ميرزا عباس فيض، ما ترجمته:

«و في عاشوراء سنة 423 ه 1031 م و علي عهد جلال الدولة البويهي، اجتمع لفيف من شباب الشيعة الامامية من سكان الكرخ في مسجد براثا وارتقي و الخطيب المنبر، و شرع في بيان النهضة الحسينية و أسباب قيام الامام عليه السلام ضد الظلم و البغي و الاستبداد، ثم سرد فاجعة يوم عاشوراء سنة «61 ه» و ما جري علي الحسين الشهيد و آله و صحبه، من فتك و قتل و سبي، علي يد جلاوزة بني أمية. مما أثار شعور المسلمين و ألهب فيهم روح الحماس، و بعد نزول الخطيب من المنبر تكتل المجتمعون الذين جاشت عواطفهم في هذا اليوم الفجيع و التحق بهم عدد كبير من سكان تلك النواحي و ساروا نحو المشهد الكاظمي، لا طمين علي صدورهم و رؤوسهم، باكين نائحين، و مرددين عبارات الحزن و الأسي غير آبهين بأي شي ء. و مهرولين تحت تأثير حماس الحزن و الكآبة لفاجعة كربلاء من ذلك المسجد حتي انتهوا الي مشهد الامامين الكاظمين، و قد أقاموا فيه المناحة و النياحة طيلة ذلك اليوم، مما لم يسبق له مثيل حتي ذلك التاريخ...».

14- جاء في الصفحة «286» من تاريخ الكامل لابن الاثير المجلد التاسع في حوادث سنة 422 ه، ما نصه:

«زار الملك جلال الدولة، أبوطاهر، بن بهاء الدولة، بن عضد الدولة، بن بويه مرة مشهدي علي و الحسين عليهماالسلام. و كان يمشي حافيا قبل أن يصل الي كل


مشهد منهما نحو فرسخ، يفعل ذلك تدينا...».

15- جاء في الصفحة «87» من كتاب «التشيع و الشيعة» لمؤلفه أحمد الكسروي، عند ذكر آل بويه ما نصه:

«فمن الواضح أن الشعية قد رجوا من ذكر مصاب الحسين و النواح عليه فوائد لهم. و الظاهر من الكتب انهم ابتدؤوا بها من زمن آل بويه في بغداد، حيث كان التنافس بين الفريقين شديدا، و المشاحنات دائبة. كان السنيون يتخذون عاشوراء يوم سرور لهم لأنها عندهم من الأيام المتبركة، و الشيعة يتخذونها يوم غم و مأتم، فيجتمعون في مجتمع، أو ينشد لهم المنشد أشعارا، فيبكون و ينوحون..».

16- ذكر ابن كثير المتوفي سنة «774 ه» في تاريخه «البداية و النهاية» ما نصه:

«انه في سنة 352 ه أمر معزالدولة أحمد بن بويه في العشر الأول من المحرم ببغداد باغلاق جميع أسواق بغداد و يبطلون البيع و الشراء، و أن يلبس الناس السواد و أن يقيموا مراسم العزاء و يظهرون النياحة، و أن يخرج الرجال و النساء لا طمي الصدور و الوجوه، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعزونهما بالحسين عليه السلام. و العزاء الحسيني الذي يقام الآن في العالم الاسلامي هو من آثار تلك السنة. و قد توفي معز الدولة سنة 356 ه و دفن في داره ثم نقل الي مقابر قريش حيت بني له مشهد فيها».

تم الجزء الاول ويليه الجزء الثاني


پاورقي

[1] الکامل لابن‏الاثير 549: 8.

[2] الکامل لابن‏الاثير 155: 9.

[3] الأغاني 138: 7 و الصحيح أن الشاعر أبودهبل کما ورد.

[4] الأغاني 51: 14.

[5] بحارالانوار 244: 45، مناقب ابن‏شهر آشوب، 117: 4، و في کلا المصدرين عن خالد بن معدان.