بازگشت

بكاء الامام السادس جعفر الصادق


أما الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فأنه كان من أكثر الأئمة (عليهم السلام) حزناً وبكاء ونياحة علي جده الإمام الشهيد (عليه السلام)، والروايات في وصف بكاءه ونحيبه كثيرة ومتواترة. وقد ملأت بطون كتب التاريخ وأسفار الحديث والمرويات. وأنقل تالياً بعض هذه الروايات:

روي كتاب (إقناع اللائم) صفحة (97) عن ابن قولويه في (الكامل) بسنده عن ابن بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فدخل عليه ابنه، فقال: مرحباً وضمه وقبله. وقال حقر الله من حقركم، وأنتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً. فقد طال بكاء السماء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء، ثم بكي، وقال: يا أبا بصير،إذا نظرت إلي ولد الحسين آتاني ما لا أملكه بما أوتي إلي أبيهم وإليهم. يا أبا بصير إن فاطمة لتبكي...)

ثم يستطرد الإمام فيقول:

(أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة فبكيت حين قالها فما قدرت علي النطق من البكاء). [1] .

2- وفي (إقناع اللائم) أيضاً ما نصه:


(عن معاوية بن وهب قال: دخلت يوم عاشوراء إلي دار مولاي جعفر الصادق (عليه السلام) فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتي فرغ، فأطال في سجوده وبكاءه، فسمعته وهو ساجد يناجي ربه ويدعوا بالغفران لنفسه ولاخوته ولزوار أبي عبد الله الحسين ويكرر ذلك...).

ثم يستطرد معاوية فيقول: (فلما رفع مولاي رأسه أتيت إليه وسلمت عليه وتأملت وجهه، فإذا هو كاسف اللون، متغير الحال، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر علي خديه كاللؤلؤ الرطب. فقلت: يا سيدي مم بكاؤك لاأبكي الله لك عيناً؟ وما الذي حل بك؟ فقال لي: أوفي غفلة أنت عن هذه اليوم؟ فبكيت لبكائه، وحزنت لحزنه. فقلت يا سيدي فما الذي فُعل في مثل هذا اليوم؟ فقال: ياإبن وهب، زر الحسين (عليه السلام) من بعيد أقصي، ومن قريب أدني وجدد الحزن عليه، وأكثر البكاء عليه والشجو له..).

ثم يواصل معاوية الكلام ويقول: (فقلت جعلت فداك: لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كله حتي سمعت دعاءك لزواره فقال لي:يا ابن وهب أن الذي يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الأرض، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد. فمن تركها لخوف أحد. رأي الحسرة والندم. يا ابن وهب، أما تحب أن يري الله شخصك؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة؟ قلت: يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت؟ فقال لي: لا تجعله صوم يوم كامل، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة، علي شربة من ماء، فإنه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم، ومنهم في الأرض ثلاثون قتيلاً، يعز علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان حياً لكان هو المعزي بهم. ثم بكي الصادق (عليه السلام) حتي اخضلت لحيته بدموعه، ولم يزل حزيناً كئيباً


طول يومه ذلك، وأنا أبكي لبكائه وأحزن لحزنه..). [2] .

3- روي الصدوق في (الأمالي) [3] ، وابن قولويه في (الكامل) [4] بسنديهما عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن علي، فأنشدته فبكي، ثم أنشدته فبكي قال: فو الله مازلت أنشده فيبكي حتي سمعت بكاء من في الدار. فقال: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكي خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكي فله الجنة...).

4- وروي (الكشي) في كتاب (الرجال) [5] عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق، ونحن جماعة من الكوفيين، فدخل جعفر بن عفان علي أبي عبد الله، فقربه وأدناه، ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك، جعلني الله فداك، قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد فقال له نعم،جعلني الله فداك، قال: قل، فأنشده، فبكي ومن حوله حتي صارت الدموع علي وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر، والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين هاهنا يسمعون قولك في الحسين، لقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالي لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها، وغفر الله لك فقال: يا جعفر،أولا أزيدك!! قال: نعم يا سيدي، قال: ما من أحداً في الحسين شعراً فبكي وأبكي به ألا أوجب الله له الجنة وغفر له).


5- وروي أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه [6] ، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، (قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد، فأستأذن [7] آذنه للسيد الحميري، فأمر بإيصاله، وأقعد خلف ستر، ودخل فسلم وجلس، فأستنشده فأنشد قوله:



أمــــــرر عــــــلــــي جــــدث الـحـسين

فــــــقــــــل لا عــظــمـــه الـــزكـيـــــة



آ أعــــظـــمـــاً لا زلـــــــــــــت مــــــن

‍وطـــــفــــــاء ســــــاكــــبــــة رويـــــه



وإذا مـــــــررت بــــــــقـــــبــــــــــــــره

فـــــــأطـــــــــــل بـــه وقـــف الـمطيه



وأبـــــــك الـمـــطـــهـــر لـلــمـــطـــهـر

الــــــمــــطـــــهــــرة الـــتـــقــيـــــــــه



كـــبـــــكـــــاء مـــعــــولـــــة أتــــــــت

يــــومـــــــــــاً لـــواحـــــدهـــا الـمـنـية



قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر علي خديه، وأرتفع الصراخ من داره حتي أمره بالإمساك فأمسك..).

وروي أبو الفرج في أغانيه [8] ، عن التميمي، عن أبيه، عن فضيل الرسان، قال: أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد:



لأم عـمـــــــرو بــــاللــــوي مـــــربـــع

طـــــامـــســــة أعـــلامــــه بــــرقـــــع



فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هي؟ فأخبرته أنها للسيد، وسألني عنه فعرفته وفاته، فقال: رحمه الله...).

6- وروي الصدوق في (ثواب الأعمال) بالإسناد إلي أبي هارون المكفوف، قال: أدخلت علي أبي عبد الله الصادق، فقال لي: يا أبا هارون، أنشدني في الحسين، فأنشدته، فقال لي: أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة فأنشدته، أمرر علي جدث الحسين - فقل لأعظمه الزكية.


قال: فبكي.. ثم قال: زدني، فأنشدته القصيدة الأخري.



مــــا لــــذ عـــيــــش بـعــــد رضــــــك

بــــــالــجــــيـــــاد الأعـــــــــوجــــيـــة



فبكي، وسمعت البكاء من خلف الستر. [9] .

7- وفي (إقناع اللائم) عن خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) قال: (لقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن علي (عليه السلام)، وعلي مثله تلطم الخدود، وتشق الجيوب..).

8- وفي بعض الروايات:

(إن الصادق (عليه السلام) قال: من قال في الحسين شعراً فبكي وأبكي غفر الله له، ووجبت له الجنة..). [10] .

9- في الصفحة (150) من (المجالس السنية) ما نصه: (روي عن الصادق أنه قال: ما اكتحلت هاشمية، ولا اختضبت، ولا روئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتي قتل عبيد الله بن زياد.

وعن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنها قالت: ما تحنأت امرأة منا، ولا أجالت في عينها مروداً، ولا أمتشطت حتي بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد..).

10- وفي صفحة (81) من كتاب (المجالس الحسينية) السالف الذكر، من دعاء للإمام الصادق (عليه السلام):

(اللهم أرحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وأرحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا.. وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا...).

11- جاء في الصفحة (108) من (إقناع اللائم) ما يلي:

(روي ابن قولويه في الكامل بأسانيده عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله جعفر الصادق في يوم قط فرئي مبتسماً ذلك


اليوم إلي الليل، وكان أبو عبد الله يقول: الحسين عبرة كل مؤمن..). [11] .

12- وجاء في الصفحة (105) منه أيضاً ما يلي: (روي الشيخ الطوس في الأمالي، عن المفيد، بسنده عن أبي عبد الله الصادق إنه قال:

(كل الجزع والبكاء مكروه سوي الجزع والبكاء علي الحسين...). [12] .

وروي ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق، إنه قال: (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء علي الحسين بن علي (عليه السلام) فإنه فيه مأجور...). [13] .

هذا ومما يجدر الإشارة إليه هنا: أن النائحين علي الحسين قد وجدوا متنفساً علي أواخر عهد الإمام الباقر وطوال عهد الإمام الصادق لبيان حزنهم، وإقامة مآتمهم، وأحياء ذكري عزاء الحسين وآله وأصحابه.

إذ أن الفترة الواقعة في زمن هذين الإمامين بين عهد مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين، وأبو العباس السفاح أبو الخلفاء العباسيين، كانت فرصة مؤآتية للإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق لبث علوم أهل البيت ونشرها علي الناس، وأحياء ذكري الإمام الحسين وإذاعتها، والنياحة عليه علناً بعد أن كانت سراً.


پاورقي

[1] کامل الزيارات: 82.

[2] اقناع اللائم: 96 مع اختلاف فيه.

[3] أمالي الصدوق: 6:121.

[4] کامل الزيارات: 105 مع اختلاف فيه.

[5] الکشي في کتاب الرجال: 508:289.

[6] الاغاني 240:7.

[7] في المصدر (اذ استأذن).

[8] الاغاني 241:7.

[9] ثواب الاعمال للشيخ الصدوق: 83.

[10] ثواب الاعمال للشيخ الصدوق: 84.

[11] کامل الزيارات: 108.

[12] امالي الطوسي: 163:1.

[13] کامل الزيارات: 100.