بازگشت

اول من رثي الحسين بعد دفنه


تقول الروايات: بأنه لم يكن يجسر أحد من الشعراء وغيرهم علي المجاهرة برثاء الحسين (عليه السلام) والبكاء عليه مدة ملك بني أمية وسلطنتهم، عدا من شذ ممن كان يقول الأبيات المعدودة في الرثاء مجاهراً بها، وبما يبديه من حزن وجزع وبكاء علي الإمام الشهيد (عليه السلام) وقد نقلت بعض الأبيات في رثائه التي قيلت علي عهدة بني أمية في أوائل ملك العباسيين.

ويستدل من هذه الأبيات أن رثاء الإمام (عليه السلام) والنياحة عليه في أوائل العباسيين وفي أواخرهم تباري شعراء الإسلام فيه. وكان في مقدمة هؤلاء الشعراء شعراء الشيعة الذين أكثروا في هذا الرثاء والنحيب، نظراً لما لا قوه من الحرية نتيجة ضعف العباسيين. ولقد اختلفت الروايات وتباينت الأخبار في أول من قام بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) وقبور آله وأصحابه، ورثائه، والنوح عليه وعليهم، بعد أن تم دفن الأجساد من قبل أفراد من قبيلة بني أسد.

وقد تواترت هذه الروايات بأن أول هؤلاء الراثين والنائحين علي القبر هو عبيد الله بن الحر الجعفي، لقرب موضعه من ساحة الشهداء. كما أن هناك رواية أخري تقول: بأن سليمان بن قته كان أول من زار هذه القبور وناح عليها. وفيما يلي نبذة من هذه الروايات التي إن دلت علي شيء فأنها تدل علي شدة اهتمام شيعة علي (عليه السلام) بمصرع ابنه (عليه السلام) فور علمهم به:


1- جاء في الصفحات (120ـ121) من كتاب (الحسين في طريقه إلي الشهادة) نقلاً عن (إرشاد) الشيخ المفيد ما نصه: (ثم مضي الحسين (عليه السلام) حتي أنتهي إلي قصر بني مقاتل فنزل به، فإذا هو بفسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الخباء؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي، قال: ادعوه إلي. فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي يدعوك. فقال عبيد الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية إن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني فأتاه الرسول فأخبره. فقام الحسين فجاء حتي دخل عليه، وسلم وجلس، ثم دعاه إلي الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه. فقال له الحسين: فإن لم تكن [1] تنصرنا فاتق أن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك. فقال: أما هذا فلا يكون أبداً إنشاء الله، ثم قام من عنده حتي دخل رحله...). [2] .

2- وفي الصفحة (65) من كتاب (مدينة الحسين) السلسلة الثانية المار الذكر ما نصه:

(إن أول من زار قبر الحسين (عليه السلام) بعد مصرع الحسين ودفن الأجساد كما روي عن أبي مخنف هو عبيد الله بن الحر الجعفي، الذي كان من شجعان العرب ومن شعرائهم الأفذاذ وكان من المحبين للإمام (عليه السلام) وحضر معه معظم حروبه. وعندما سمع بقدوم الحسين خرج من الكوفة وأتي قصر بني مقاتل حتي نزله الحسين في طريقه إلي كربلاء...). وبعد أن يذكر الكاتب اجتماع الحسين بعبيد الله، وامتناع هذا عن نصرة الحسين يقول:

(فودع الحسين عبيد الله بن الحر، ثم سار الحسين إلي كربلاء وترك عبيد الله


في فسطاطه، وبعد رحيل الحسين أتي منزله علي شاطئ الفرات فنزله. ولما كان مقتل الحسين جاء إلي كربلاء ووقف علي أجداث الشهداء، وبكي بكاءً شديداً، واستعبر، ورثي الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بعد أن جري ما جري بينه وبين ابن زياد، ووقف باكياً متأوّهاً، منشداً قصيدة طويلة في رثاء الإمام وندمه لعدم اشتراكه في القتال. وهذه الأبيات من تلك القصيدة.



يــقـول أمــيــر غــادر وابــن غــــــادر

ألا كــنــت قــابــلت الشــهيد بن فاطمة



ونــفــسي عــلــي خــذلانــه واعـتزاله

وبــيــعــة هــذا الــنــاكث الــعهد لائمه



وفــيــا نــدمــي أن لا أكــون نــصرتـه

الأكــــل نــفــس لا تــســــدد نــائــمـــه



ويــا نــدمــــي أن لــم أكــن من حماته

لــذو حــســرة مــا أن تــفــارق لازمه



ســــقــي الله أرواح الــــذيــن تــآزروا

عــلــي نــصــره سقياً من الغيث دائمه



وقــفــت عــلــي أجــداثهــم ومــحالهم

فــكــاد الــحشي ينقض والعين سـاجمه



لــعــمري لقد كانوا سـراعاً لي الوغي

مــصــاليت في الهيجا حـماة خـضارمه



تــآسوا عـلي نـصـر ابـن بـنـت نـبـيهم

بـأسـيـافـهـم آســـاد غــيـل ضـراغـمـه



فـإن تـقـتـلـوا فـكــــل نــفـــس تــقـيــة

عـلـي الأرض قـد أضـحت لذلك واجمه



ومــا أن رأي الـــراؤون أفـضـل منهم

لــدي الـمـوت ســادات وزهـر قـمـاقمه



أتـقـتـلـهـم ظـــلـمـاً وتـرجــوا ودادنـــاً

فــــــدع خــطــة لـيـسـت لـنـا بـمـلائمه



لـعـمـري لــقـد راغـمـتـمـونـا بـقـتـلهم

فـكـــم نـــاقـــم مـنـا عـلـيـكـم ونـاقـمـه



أهــــم مـــراراً أن أســيـــر بـجـحـفـــل

إلي فـئــة زاغــت عـــن الـحـق ظـالمه



فــكـفــــوا وإلا زرتــكـم فـي كــتـائـــب

أشــــد عـلـيـكـــم من رصوف الديالمه [3] .



3- جاء في الصفحتين (237ـ 238) من تاريخ (الكامل) لابن الأثير(المجلد الرابع) وكذا في تاريخ (الرسل والملوك) حول حادث الجعفي ما نصه:


(لما مات معاوية، وقتل الحسين بن علي، لم يكن عبيد الله بن الحر الجعفي من حضر قتله، وتغيب عن ذلك تعمداً. فلما قتل الحسين جعل ابن زياد يتفقد الأشراف من أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتي دخل عليه، فقال له: أين كنت يا ابن الحر؟ قال: كنت مريضاً قال: مريض القلب، أم مرض البدن؟ فقال أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد من الله علي بالعافية. فقال ابن زياد: كذبت، ولكنك مع عدونا. فقال: لو كنت معه لرأي مكاني. وغفل عنه ابن زياد فخرج، فركب فرسه، ثم طلبه ابن زياد فقالوا: ركب الساعة. فقال: علي به. فأحضر الشرطة خلفه. فقالوا: أجب الأمير. فقال: ابلغوه عني أني لا آتيه طائعاً أبداً. ثم أجري فرسه وأتي منزل أحمد بن زياد الطائي، فاجتمع إليه أصحابه. ثم خرج حتي أتي كربلاء، فنظر إلي مصارع الحسين ومن قتل معه فاستغفر لهم، ثم مضي إلي المدائن. وكان عبيد الله قد قال في هؤلاء الصرعي قصيدة: (يقول أمير المؤمنين وابن غادر...) إلي أخر القصيدة وأقام ابن الحر بمنزله علي شاطئ الفرات إلي أن مات يزيد..).

4- ذكر كتاب (الحسين في طريقه إلي الشهادة) وكذا العلامة العاملي في أعيانه، والسبط ابن الجوزي عن السدي في تذكرته، وكذا المفيد بسنده عن إبراهيم بن داحة ما نصه: (إن عقبة بن عمر العبسي أو السهمي وهو من بني سهم بن غالبة كان أول من ناح الحسين وزار قبره، ورثاه بقصيدة ندرج بعض أبياتها تالياً، وذلك في أواخر المائة الأولي من الهجرة. والأبيات هي:



مـررت عــلـي قـبــر الـحـسـيـن بكربلا

ويـسـعــد عـيـنـي دمـعـهـا وزفـيـرهــا



ونـاديــت مــن بـعـد الـحـسين عصائباً

أطــافـــت بــه مـن جـانـبـيـه قـتـورهـا



إذا الـعـيـن قـرت فـي الـحـيـاة وأنـتـــم

تـخـافـــون فـي الــدنـيـا فـأظـلم نورها






ســلام عـلــي أهـل الـقـبـور بـكـربـلاء

وقـــل لـهـا مـنـي ســـلام يـــزورهـــــا



ســـلام بــآصـــال الـعـشـاء وبالضحي

تـؤديــه نــكـبـاء الــريـــاح ومــورهـــا



ولا بـــــرح الــــوفــاد زوار قــبـــــــره

يـــفــوح عــلـيـهـم مـسـكـهـا وعبيرها [4] .



5- جاء في المجلد (25) من موسوعة (أعيان الشيعة) صفحة (365) ما نصه: (وقيل: أن

سليمان بن قته العدوي التيمي مر بكربلاء فنظر إلي مصارع الشهداء فبكي حتي كاد أن

يموت، ثم قال هذه الأبيات. وكان مروره بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاثة أيام، فنظر إلي مصارع الشهداء، واتكأ علي فرس له عربية وأنشد. وهو المتوفي سنة 126 في دمشق. والأبيات وهي:



مــــررت عـــلـي أبــيـات آل مـحـمــــد

فــــلــم أرهـــــا أمـثـالــهــا يـوم حــلت



ألـــم تــر أن الـشـمس أضحت مريضة

لـقـتـــل حــســين و الـبــلاد اقـشـعرت



وكـــانــوا رجــاء ثـم أضــحـــوا رزيـة

لــقـد عـظـمـت تـلـك الـرزايــا وجـلــت



إلي أن يقول:



وإن قـتــيـــل الـطـف مـن آل هــاشــــم

أذل رقـــــاب الـمـسـلـمـيـــن فــذلــــت



وقـــد أعــولــت تـبـكـي الـسـماء لفقده

وأنـجـمـهـــا نــاحــت عـلـيـه وصـــلت [5] .



وسليمان هذا هو مولي بني تيم بن مرة، وإنه كان منقطعاً إلي بني هاشم، وجاء في نفس الصفحة من الأعيان لسليمان هذه الأبيات.



عــيـن جـــودي بـــعــبـــرة وعـــويـــل

وانـــدبـــي أن نــدبـــت آل الــرســـول



تــســعــــــة كـلــهـم لـصــلــب عـــلــي

قــــــد أصـيـبـوا وســــبــعـــة لـعـقـيـل



وانـدبــي إن بـكـيــت عــــوناً أخـــاهـم

لـيـــس فــيـمـــا يـنـوبــهـــم بــخـــذول



وســــمــي الـنـبــي غــــودر فــيــهـــم

قـــــد عـــــلـــوه بــصـــارم مــصــقول






وانــــدبــــي كــلــهـــم فـلــيــس إذا ما

عـــد فـــي الـــخــيــر كـهـلهم كالكهول



فــلــعــمــري لــقد أصيب ذووا القربي

فـأبـكـــي عـــلـي الــمـصـــاب الـجـلـيل



فــإذا مـــا بــكـيــت عــيـنـي فـجـــودي

بـــدمـــوع تـــســيـــل كــــل مــسـيــــل



6- جاء في كتاب (مجالس المؤمنين) ما يلي: (إن المختار بن عبيد الله الثقفي بعد رجوعه من الحج أتي وسلم علي القبر، وقبل موضعه، وأخذ بالبكاء وقال: يا سيدي، قسماً بجدك وأبيك وأمك الزهراء، وبحق شيعتك وأهل بيتك. قسماً بهؤلاء جميعاً، أن لا أذوق طعاماً طيباً أبداً حتي انتقم من قتلك..).

7- في الصفحة (152) من كتاب (نهضة الحسين) نقلاً عن (المجالس السنية) [6] ما نصه: (ومر ابن الهبارية الشاعر بعد سليمان بن قته العدوي بكربلاء، فجلس علي الحسين وأهله، وقال بديهاً:



أحــــســين والـمـبـعـوث جـدك بالهدي

قـســمـاً يـكــون الـحــق عـنـه مـسـائل



لــو كـنـت شــاهد كـربـلاء لـبذلت في

تـنـفـيــس كــربـــك جـهـد بــذل الـباذل



وسـقـيـت حــد الـسـيـف مـن أعــدائكم

عـلـلاً وحـــد الـسـمــهـــري الـــذابــــل



لـكـنـنـي أخــرت عـنـــك لـشـــقـــوتــي

فــبـــلا بـــلـــي بــيـن الـغـــري وبـابل



هـبـنـي حـرمت الـنـصـر مـن أعــدائكم

فـــاقـــل مــن حـــزن ودمــع ســـائـــل



ويقال إنه نام فرأي النبي فقال له: جزاك الله عني خيراً، أبشر فإن الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين..).

8- جاء في الصفحة (153) من(قناع اللائم) ما عبارته: (وعن المرزباني: أنه دخل أبو الرجح الخزاعي إلي فاطمة بنت الحسين،


فأنشدها مرثية في الحسين منها:



أجــالــت عـلـي عـيـنـي سـحائب عبرة

فـلـم تـصـح بـعـد الـدمـع حتي ارمعلت



تــبـكـي عـــلـي آل الـنـبـــي مــحــمـــد

ومـــا أكـثـــرت فـي الـدمع لا بـل أقلت



أولـئـــك قــوم لــم يـشـجـــوا سـيوفهم

وقــــد نـــكـأت أعـــداؤهم حـيـن سـلت



وإن قـتـيـــل الــطــــف مـــن آل هـاشم

أذل رقـــابــــاً مـــن قـــريـــش فــذلـت



فقالت فاطمة: يا أبا لرجح هكذا تقول. قال: فكيف أقول، جعلني الله فداك؟ قالت: قل:

أذل رقاب المسلمين فذلت فقال: لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا...).



پاورقي

[1] ليس في المصدر.

[2] ارشاد المفيد 81:2.

[3] مقتل الحسين (ع)، لابي مخنف: 245.

[4] الامالي للشيخ المفيد 324 مع تقديم و تأخير في الشعر، تذکرة الخواص: 242.

[5] المجالس السنية 42:1.

[6] المجالس السنية 42:1.