بازگشت

اول نياحة علي الحسين و آله في مصر


أما السيدة زينب أخت الحسين (عليه السلام) فكان وجودها في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياًًً لأن يلهب شعور الحزن والأسي علي شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس علي الطغاة وسفاك الدماء، حتي كاد الأمر من جراء ذلك يفسد علي بني أمية، فكتب واليهم بالمدينة إلي يزيد: (أن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها علي القيام للأخذبثأر الحسين).

وفور تسلم يزيد في الشام هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار. فطلب الوالي من السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة، لكنها نزلت في النهاية علي رأي نساء بني هاشم، فخرجت من المدينة، ورحلت إلي مصر. وقد وصلتها في أول شعبان سنة (61) هـ،أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر.

واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال، وسار بها إلي قرية قرب (بلبيس). وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر. فلما أطلت علي المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها، حتي إذا بلغت عاصمة مصر مضي بها (مسلمة) إلي داره فأقامت بها قرابة عام.


وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور ـ الحركة المعادية لبني أمية، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الإمام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة علي أرواح هؤلاء الشهداء الميامين.

وقد ماتت السيدة زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب، سنة (62) هـ. ولازال قبرها منذ ذلك التاريخ حتي الآن في مصر مزارا يفد إليه المسلمون للتبرك به.

وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقري والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً علي شهداء الطف بكربلاء رغم ما كانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الأمويين، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات علي استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً، وخاصة علي زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء (عليه السلام) طول السنة وبالأخص في العشرة الأولي من شهر محرم من كل سنة، وخاصة يوم عاشوراء منه.

وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسينية في القطر المصري منذ وطأت قدم السيدة زينب أرض مصر.

1- جاء في (موسوعة آل النبي) قسم (بطلة كربلاء) صفحة (755) ما نصه:

(بزغ هلال شعبان عام 61 هـ في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل، فإذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها. وساروا هكذا حتي بلغوا قرية بلبيس، فقابلتهم هناك جموع آتية من عاصمة الوادي الطيب.

إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والإمام علي، وأخت الإمام الشهيد.

فلما أطلت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد أجهشوا بالبكاء، وحفوا


بركبها، حتي إذا بلغت العاصمة مضي بها (مسلمة) إلي داره، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة.

ثم كانت نهاية المطاف، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد، لأربع عشرة مضين من رجب 62 هـ، علي أرجح الأقوال. وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضني أن يستريح.

فمهدت لها الأرض الطيبة مرقداً ليناً في مخدعها، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة.

وبقي قبرها مزاراً مباركاً يفد إليه المسلمون حتي يومنا هذا من كل فج عميق..).

وقالت الدكتورة (بنت الشاطئ) أيضاً في الصفحة (768) من موسوعتها ما يلي:

(أجل، هي زينب التي جعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة، وصيرت من يوم مقتله مأتماً سنوياً للأحزان والآلام).

2- وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيدة زينب. إذ أن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف، وآخرون قالوا أنه في دمشق. وغيرهم أفاد: انه في المدينة، وأنقل في ما يلي رأي العلامتين، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، والسيد محسن الأمين العاملي، حسماً للخلاف. سيما وإنهما الحجتان في مثل هذه المواضيع في هذا القرن. وأتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر، منذ وطأت قدم السيدة زينب تلك البلاد.

3- جاء في الصفحة (256) من الجزء (6) من المجلد (3) من مجلة (المرشد) البغدادية، بقلم العلامة الشهرستاني الحسيني، ما نصه: (واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب، والمشهور أنها دفنت في قناطر


السباع بمصر.

وجاء في كتاب (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) صفحة 235 ما يلي:(وعلي اختلاف الروايات أن للسيدة زينب مقامين، أحدهما بدمشق، وهو مقصود من كل الجهات، خصوصاً من أهل الشيعة. والثاني بمصر، وهو أشهر من الأول، ولها أوقاف وإيراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله). وقال صاحب دائرة المعارف البستاني، صفحة (355) مجلد (9) (وللسيدة زينب، بنت علي بن أبي طالب، أخت الحسن والحسين، مزار في قناطر السباع بمصر، يزار ويتبرك به). كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الإسماعيلية، في الجزء (3) من المجلد (16) من مجلة العرفان بأن (مزار القبر المنسوب إلي السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغري المكناة بأم كلثوم، بنت الإمام علي (عليه السلام). ويقع بقرية راوية،علي بعد فرسخ من مدينة دمشق..). انتهي كلام العلامة الشهرستاني الحسيني.

4- أما العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد أشار إلي هذا الموضوع في الصفحة (218) من المجلد (33) من موسوعته (أعيان الشيعة) حيث قال:

(وهذا المشهد ـ أي مشهد زينب في مصر ـ مزور، معظم، مشيد البناء، بناءه غاية الإتقان، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري إلي الحجاز بطريق مصر، عام (1340) هـ، ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحداناًًًًً، وتلقي فيه الدروس، هم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب، حتي رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن، ولا اسم مؤلفه وفيه: أن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب...).

وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب، وأعود إلي موضوع


الرسالة في المناحة علي الإمام الحسين في مصر منذ صدر الإسلام.

5- جاء في كتاب (الدلائل والمسائل) لمؤلفه السيد هبه الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه: (وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر إقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً، كما يخرج الرجال نهاراً..).

6- جاء في الصفحة (66) في كتاب (دول الشيعة في التاريخ) لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية، ما نصه: (وعن خطط المقريزي: أن شعار الحزن بيوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين، وأتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالأزقة والأسواق ويأتون إلي مشهد أم كلثوم ونفسية، وهم نائحون باكون. وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب: وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين: الحسينية، وهي بناء فسيح الأرجاء، تقام فيه ذكري مقتل الحسين في موقعة كربلاء، وأمعن الفاطميون في أحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتي أصبحت جزءاً من حياة الناس..).

7- ورد في الصفحة (159) من كتاب (إقناع اللائم) ما نصه: (وقال السبط ابن الجوزي في تذكرة [1] الخواص: أن أبو عبيد الله النحوي بمصر قال:كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء، فعوقب علي ذلك فقال:



وقــائــل: لــم كــحــلــت عــينـاً

يــوم اســتــبــاحوا دم الحسين



فــقــلت: كــفواً، أحــق شــيء

تــلــبــس فــيــه الــسواد عيني




8- هذا ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي علي مصر إلا وأخذ بالضغط علي الشيعة فيها ومطاردتهم، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء علي الإمام الشهيد (عليه السلام) وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك، واتفقت كلمتهم علي ذلك فيما يلي بعض مروياتهم.

9- جاء في كتاب (إقناع اللائم) صفحه (3) نقلاً عن خطط المقريزي، في جزءه الثاني، صفحه (385) ما عبارته: (فأنه ـ أي المقريزي ـ بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن، تعطل فيه الأسواق، قال: فلما دالت الدولة، أتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه علي عيالهم، ويتبسطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً علي عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن علي الحسين بن علي، لأنه قتل فيه...).

ثم قال:(وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط..).

10- جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة (أعيان الشيعة) صفحة (61) ما نصه:

(وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر، وفرق بين الرجال والنساء حتي لا يتناسلوا، وذلك من الظلم الفاحش. وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنّه بنو أميه والحجاج، بالشام وغيرها، وأحدث جعله عيداً بمصر، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي).

11- ورد في الصفحة (92) من كتاب (الشيعة والحاكمون) لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الأيوبي للفاطميين والشيعة في


مصر قولة: (وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر، وفرق بين الرجال والنساء حتي لا يتناسلوا، وأعاد يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بنو أميه والحجاج...).

12- وبمناسبة ذكر المناحات علي الإمام الشهيد في مصر، وتأييدها حيناً ومنعها أحيانا، حسب رغبة الحكام فيها، لا أجد ضيراً من الإشارة إلي المكان الذي قبر فيه رأس الإمام الشهيد (عليه السلام) بعد نقله من كربلاء إلي الكوفة، ثم الشام ثم عسقلان والقاهرة واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف، ورأي الأكثرية منهم في أنه نقل علي عهد الفاطميين من عسقلان إلي القاهرة حيث ووري التراب في محله الحالي في القاهرة، وهنا اكتفي برأي السيد حسن الأمين، المحقق المعاصر، أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة (العربي) الصادرة في الكويت، بعددها (155) المؤرخ شعبان 1391 هـ حيث قال السيد الأمين ما نصه:

(لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشاء أن يكون في دمشق، فأبعده إلي عسقلان وفي العام (548) نقل الفاطمييون الرأس من مدفنه في عسقلان إلي مكانه الحالي في القاهرة...).

وقد كتب السيد الأمين هذا البحث رداً علي ما نشرته مجلة (العربي) بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها، التي خزن فيها يزيد الرأس.



پاورقي

[1] تذکرة الخواص: 245.