بازگشت

الشام و مناحتها علي الحسين و أهله


وقد سارع عبيد الله بن زياد بالكتابة إلي يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الإمام الشهيد (عليه السلام) ووصول سباياه ورؤوس القتلي إلي الكوفة، فأجابه يزيد بالإسراع في إيفاد الأسري من السبايا مع الرؤوس إليه، فبادر ابن زياد حالاً بإرسال ركب الأسري والسبايا، والرؤوس إلي الشام. فبعث الرؤوس مع زحر بن قيس، وإرسال السبايا اثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي شمر بن ذي الجوشن. ولم يكد هذا الركب الحزين يصل إلي العاصمة الأموية إلا وعمت النياحات أوساطها عليه، كما كانت قد عمت الأوساط الكوفية وسائر المدن والنواحي والقصبات التي مر بها هذا الركب المفجع - ولقد تناقلت الروايات وصف هذه المناحات في الشام فانقل منها ما يلي:

1- جاء في الصفحة (134) من كتاب (المجالس السنية) السالف الذكر ما نصه:

(إنه عند ما أدخل ثقل الحسين (عليه السلام) وسباياه ونساؤه علي يزيد بن معاوية في الشام، وهو بين حاشيته وأعيانها ووجهائها، وهم مقرنون في الحبال، والإمام زين العابدين (عليه السلام) مغلول. قال الإمام (عليه السلام) مخاطباً يزيد: أنشدك الله ما ظنك برسول الله لو رآنا علي هذه الصفة، فلم يبق في القوم أحداً إلا وبكي. فأمر يزيد بالحبال فقطعت، وأمر بفك الغل عن الإمام زين العابدين (عليه السلام).

ثم وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي يزيد الذي أجلس النساء خلفه لئلا


ينظرون إليه، فجعلت فاطمة وسكينة بنتا الإمام الحسين (عليه السلام) يتطاولان لينظران الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس. فلما رأين الرأس صحن. فصاحت نساء يزيد، وولولت بنات معاوية، فقالت فاطمة: إن بنات رسول الله سبايا يا يزيد، فبكي الناس، وبكي أهل داره حتي علت الأصوات. وإما زينب فإنها لما رأت الرأس أهوت إلي جيبها فشقته، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب. يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا ابن مكة ومني، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، يا ابن بنت المصطفي.... قال الراوي: فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت، ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين وتنادي: يا حبيباه، يا سيد أهل بيتنا، يا ابن محمداه، يا ربيع الأرامل واليتامي، يا قتيل أولاد الأدعياء، فأبكت كل من سمعها. وكان في السبايا الرباب بنت أمرئ القيس زوجة الحسين (عليه السلام)، وهي أم سكينة بنت الحسين وأم عبد الله الرضيع المقتول بكربلاء، فأخذت الرباب الرأس ووضعته في حجرها وقبلته... ثم أقيمت المناحة ثلاثة أيام وصالاً...).

وكانت هذه أول مناحة عامة علي الحسين (عليه السلام) وأهله وآله وصحبه تقام في الشام. إذ أن الروايات تفيد بأن يزيد أمر بأن تقام للسبايا والأسري دار تتصل بداره، وكان هؤلاء مدة مقامهم في أيامهم الحزينة بالشام ينوحون علي الحسين في سرهم وعلنهم.

هذا ولم تكن بنات آل البيت والهاشميات وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن، فلم تبق أموية إلا وأخذت تبكي وتنوح علي الحسين (عليه السلام) وسباياه.

2- جاء في كتاب (أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام) لمؤلفه عمر كحالة، عند بحثه عن مجلس يزيد في الشام وحضور السبايا فيه. قوله:(ثم أخرجهن فأدخلهن دار يزيد بن معاوية، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن


وأقمن علي الحسين المناحة ثلاثاً...). [1] .

3- وصف السيد عبد العزيز سيد الأهل في مؤلفه: (زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) كيفية وصول الإمام (عليه السلام) ومعه السبايا إلي الشام وصعود الإمام المنبر ليخطب في الناس، ثم يقول:

(وجعل علي بن الحسين يخطب ويفتخر بأهل بيته ويسميهم بأسمائهم فرداً فرداً، ويذكر فضائلهم وأياديهم علي الملة والناس، ومازال يقول ويطنب حتي بكي الناس و انتحبوا، وتحركوا أو كادوا. فكان أيضاً أول انتحاب....).

4- جاء في (موسوعة آل النبي) المار ذكرها عند ترجمة (الرباب بنت أمرئ القيس بن عدي زوجة الإمام الحسين التي توفيت سنة 62 هـ، والتي كانت ضمن أسري ركب سبايا الحسين إلي الكوفة وفي الشام والمدينة، إنها (أي الرباب) قد أنشدت هذين البيتين عندما أخذت رأس الحسين وقبلته ووضعته في حجرها:



واحســـيناً فلا نســيت حســـيناً

أقــــصدته أســــنة الأعــــــداء



غــــادروه بــــكربــلاء صـريعاً

لا ســــــقي الله جــانبي كربلاء



وكانت هذه السيدة الجليلة لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء علي الحسين ولم تستظل تحت سقف حتي ماتت بعد سنة كاملة...)

5- وفي الصفحة (132) من (المجالس السنية) عند وصفه كيفية وصول السبايا إلي درج باب المسجد الجامع، في الشام، قال المؤلف ما عبارته:

(جاء شيخ وأخذ يشتم النساء والسبايا، جابهه الإمام زين العابدين بتعريف السبايا وبذكر بعض آيات القرآن الكريم، وقال له: نحن الذين أشار إليهم القرآن، فبكي الشيخ ورمي عمامته، ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم أني أبرأ إليك من عدو آل محمد. ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له الإمام: نعم أن تبت تاب عليك الله،


وأنت معنا، فقال أني تائب. فبلغ يزيد بذلك الأمر فأمر بقتله....).

6- في الصفحة (140) من (المجالس السنية) عند وصف صعود الإمام زين العابدين المنبر في الشام وإلقائه خطبة موجزة جاء ما نصه:

(فلم يزل يقول الإمام: أنا، حتي ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام...).

7- جاء في الصفحة (746) من (موسوعة آل النبي) في وصف مثول السبايا بين يدي يزيد ما نصه:

(فهم يزيد أن يتلوا الآية: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم... لكنه ما لبث أن سكت، فقد كان صراخ النسوة يسمع من بعيد، فاجعاً مؤثراً، عالي الرنين. ولم تكن بنات بني هاشم وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن... فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح علي الحسين، وأقيمت المناحة ثلاثة أيام وصالاً ثم أمر يزيد فجهزن للسفر إلي المدينة، في صحبة حارس أمين، معه خيل وأعوان...).

8- في الصفحة (147) من كتاب (نهضة الحسين) عند الحديث عن اختتام مثول السبايا والأسري بين يدي يزيد يقول مؤلفه الجليل ما لفظه: (هنا، وفي هذه الساعة انطفأت جذوة الانتقام التي كان لهيبها يستعر في صدر يزيد من قبل. وهنا خاتمة المصائب.

هنا أذن يزيد لأهل البيت النبوي إقامة العزاء لفقد سيدهم ليالي وأياماً، وعلت من بيوت يزيد ونسوته أصوات البكاء والعويل كحمامات الدوح يتجاوبن مع النوادب من آل الرسول علي سيد شباب أهل الجنة).

9- جاء في الصفحة (133) من كتاب (المجالس الحسينية) لمؤلفه الشيخ مغنية، نقلاً عن كتاب (نفس المهموم) ما نصه: (إن هند بنت عبد الله بن عامر كانت تحت الحسين (عليه السلام) فطلقها وتزوجت يزيد. وحين أدخل السبايا علي يزيد في الشام حسرت هند عن رأسها وشقت الثياب ودخلت علي يزيد في مجلسه تندب وتصيح، وقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب...؟).


10- جاء في الصفحة (133) من (المجالس السنية) ما عبارته: (روي أن بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين (عليه السلام) بالشام أخفي نفسه شهراً من جميع أصحابه، فلما وجدوه بعد أن فقدوه وسألوه عن سبب ذلك فقال: ألا ترون ما نزل بنا ثم أنشأ يقول:



جــاءوا بــرأســــك يــا ابن بنت محمد

مــــتـــرمــلاً بــــــدمــــائه تــرمــيــــلا



وكــــأنمــــــــا بــك يــا ابن بنت محمد

قــــــــتلوا جــــــــهاراًًًًً عـامدين رسولا



قــــــتلوك عطشــــــاناً ولمــــــا يرقبوا

فــي قــتلك التــــــــأويــل والــتــنزيـلا



ويــكــبــرون بــــأن قــــتلت وإنـــــــما

قــــــتــلوا بــــك الــــتــكبير والــتهليلا [2] .



11- ورد في الصفحة (153) من كتاب (إقناع اللائم) ما عبارته:

(وفي العقد الفريد [3] عن المدائني بسنده عن الحسن البصري قال: قتل مع الحسين ستة عشر من أهل بيته والله ما كان علي الأرض يومئذ أهل بيت يشبهون بهم، وحمل إلي الشام بنات رسول الله سبايا علي ظهور الإبل، فلما ادخلوا علي يزيد قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، ادخلي علي بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت. قالت: فدخلت إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدمة تبكي. وقالت بنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين ومن أصيب معه.



عــــــيني أبــكي بعبرة وعويـل

وانــــدبي أن ندبت آل الرسول



ســــــتة كــلهم لصــــلــب علي

قــــد أصــــيبوا وخمسة لعقيل



12- جاء في الصفحة (297) من تاريخ الطبري المجلد السادس، عند ذكره وضع رأس الحسين بين يدي يزيد في الشام ما نصه: (وقيل [4] : إن هندا بنت


عبد الله بن عامر زوجه يزيد سمعت بما يدور في مجلس زوجها فتقنعت بثوبها وخرجت، فقالت: يا أمير المؤمنين، أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟ قال: نعم، فاعولي عليه وحدي [5] ، عجل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله....).

13- جاء في الصفحة (211) من (إقناع اللائم) عند بحثه عن أفراح عاشوراء لدي بعض الفرق وخاصة في الشام قوله: (والصحيح إن الذين سنوها هم بنو أمية كلهم وأتباعهم من زمن يزيد لا خصوص الحجاج. ولما دخل سهل بن سعد الصحابي الشام رآهم قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقال في نفسه تري لأهل الشام عيداً لا نعرفه؟ ثم علم أن ذلك بسبب دخول رأس الحسين (عليه السلام)، فعجب لذلك).

14- وللسيد الرضي في هذه الأعياد هذا البيت الذي أورده كتاب (إقناع اللائم) أيضاً.



كــــانت مــآتم بالعراق تـــعدها

أمــــــويـة بالشام من أعيادها



وكذلك لابن منير الدين الطرابلسي في رائيته المشهورة هذه الأبيات في تلك الأعياد



وحــــــلــقت في عشـــر المحر

م مــــا اســــــتطال من الشــعر



ونــــويــت صــــوم نــــهــــاره

وصــــــــــيــام أيـــــام أخــــــر



ولبــــســــت فــــيه أجــــمل ثو

ب لــلــــــــملابــــس يــــدخـــر



وســــــهــرت فــي طـبخ الحبو

ب مــــــن العشــاء إلي السحر



وغــــــدوت مــكــتــحلاً أصــــا

فــــح مــــــن لــقيت من البشر



ووقفــــت فــــي وســط الــــطر

يــــــق أقــص شارب من عبر





پاورقي

[1] أعلام النساء 97:2.

[2] اللهوف في قتلي الطفوف: 76.

[3] العقد الفريد 132:5.

[4] في المصدر هکذا: (قال: فسمعت دور الحديث هند بنت عبدالله بن عامر بن کريز و کانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت).

[5] في المصدر زيادة (علي ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و صريحة قريش).