بازگشت

اهل الكوفة ينوحون علي الحسين و أهله


قلت في الفصل الثامن: أن عمر بن سعد بارح أرض المعركة (كربلاء) قبيل ظهيرة الحادي عشر من محرم، ومعه سبايا سيد الشهداء (عليه السلام) من النساء والأطفال، وفي مقدمتهم الإمام العليل علي بن الحسين زين العابدين و(72) رأساً من رؤوس الطف، سائراً بهم إلي الكوفة حيث قصر أميره عبيد الله بن زياد:

وفيما يلي وصف لما جري علي السبايا منذ وصولها إلي ضواحي الكوفة، ومدة مكوثها وحتي خروجها منها قاصدة الشام، وما لاقاه ركب هذه السبايا من أهل الكوفة من نياحة وعزاء ومناحة:

1- جاء في الصفحة (145) من كتاب (مقتل سيد الأوصياء ونجله سيد الشهداء) المار ذكره ما لفظه: ثم أمر عمر بن سعد بأن تسير سبايا آل محمد (صلي الله عليه وآله) إلي الكوفة. فلما دخلت السبايا الكوفة اجتمع الناس للنظر إليها، فأشرفت امرأة من أهل الكوفة علي الأساري وسألت النساء وقالت: من أي الأساري أنتن؟ فأجبنها نحن أساري آل محمد (صلي الله عليه وآله)، فنزلت من شرفتها وجمعت لهن أزراً ومقانع وضج أهل الكوفة بالبكاء. فقال لهم الإمام زين العابدين: أتنوحون وتبكون من أجلنا، فمن الذي قتلنا؟

وفي هذه الأثناء خطبت زينب، ثم فاطمة بنت سيد الشهداء، ثم أم كلثوم


بنت الإمام علي (عليه السلام) ثم الإمام زين العابدين. وبعد كل خطبة كان الناس يضجون بالبكاء والنحيب، ونشرت النساء شعورهن، وخمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكي الرجال والأطفال والنساء، فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم.

2- قال الشيخ المفيد في (إرشاده) ما نصه: (ولما وصل رأس الحسين من كربلاء إلي الكوفة ووصل ابن سعد في غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين وأهله، جلس ابن زياد في مقر الإمارة فأذن للناس أذناً عاماً، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه، فجعل ينظر إليه ويبتسم وفي يده قضيب يضرب به ثناياه، وكان عنده أنس بن مالك فبكي وقال: كان أشبههم برسول الله (صلي الله عليه وآله). وكان إلي جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو شيخ كبير، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما لا أحصيه كثره تقبلهما، ثم انتحب باكياً. فقال له ابن زياد: أبكي الله عيناك، أتبكي لفتح الله: والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم وهو يقول: أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة، والله ليقتلن خياركم، وليستعبدن شراركم، فبعداً لمن يرضي بالذل والعار..). [1] .

ويستطرد المفيد في (إرشاده) بوصف مثول بقية الأسري من آل الحسين (عليه السلام) بين يدي ابن زياد، وقوله لزينب: قد شفي الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك. فيقول المفيد: (فرقت زينب وبكت وقالت: لعمري لقد قتلت كهلي....) إلي آخر الحديث. [2] .


وقد أستمر عويل ونحيب وبكاء ونواح أهل الكوفة من الرجال والنساء علي مرأي من السبايا والأساري، وأسقط في أيدي أهل الكوفة من هول الفاجعة وذهلوا. وقد عمت هذه النوائح علي سبايا الحسين (عليه السلام) الأوساط الكوفية طيلة أيام مكوثها فيها.

3- جاء في الصفحة (123) من كتاب (المجالس السنية) السابق الذكر بعد أن يذكر المؤلف تفصيل الخطبة التي ألقتها فاطمة الصغري بنت الإمام الشهيد (عليه السلام) علي الكوفيين ما نصه: (وقبيل انتهائها من الخطبة ارتفعت أصوات الكوفيين بالبكاء والنحيب وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضمرت أجوافنا، فسكتت...). [3] .

4- وفي الصفحة (124) منه ما نصه:

(لما جاء بالسبايا من أهل البيت إلي الكوفة، خطبت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء). [4] .

ثم قال المؤلف ـ بعد أن ذكر خطبتها ما عبارته: (فضج الناس بالبكاء والنحيب، ونشر النساء شعورهن، ووضعن التراب علي رؤوسهن وخمشن وجوههن، ولطمن خدودهن ودعون بالويل والثبور، وبكي الرجال فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم..) ثم يستطرد الكتاب مشيراً إلي خطبة الإمام زين العابدين مخاطباً الناس ويقول: (فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية، وقال بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون).

5- روي ابن طاووس الحسيني في كتابه (اللهوف في قتلي الطفوف) هذه


الرواية:(إنه لما جاء بسبايا أهل البيت إلي الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون. قال بشر [5] بن خزيم الأسدي: ونظرت إلي زينب بنت علي (عليه السلام) يومئذ فلم أري خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أومأت إلي الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت: الحمد لله، والصلاة علي محمد وآله الطاهرين. أما بعد، يا أهل الكوفة [6] فلا راقت الدمعة ولا قطعت [7] الرنه....) إلي آخر الخطبة. ويستطرد ابن طاووس بعد نقل الخطبة كلها ويقول نقلاً عن بشر: (فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حياري يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً إلي جانبي يبكي حتي خضلت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزي و لا يبزي...). [8] .

6- جاء في كتاب (الصواعق المحرقة) لأبن حجر قوله: (ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك، فإنه لما حمل رأس الحسين لابن زياد في الكوفة، جعله في طست، وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويدخله في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً، إنه كان لحسن الثغر. وكان عنده أنس فبكي وقال: كان أشبههم برسول الله (صلي الله عليه وآله). [9] .

وروي هذا الحادث الترمذي [10] ، وكذا كتاب (تذكرة الخواص) [11] للسبط


ابن الجوزي، وكذا البخاري [12] عن ابن سيرين.

7- جاء في الصفحتين (137و137) من كتاب (نهضة الحسين) عند وصفه وصول السبايا والأسري إلي الكوفة ما نصه: (وأهل الكوفة في عِبرة وعَبرة من هذا المشهد الغريب، يضجون ويعجون، مما جري علي آل الرسول (صلي الله عليه وآله) وفيهم من يناول الأطفال بعض الخبز والتمر رأفة ورحمة. فحري بالحرة الهاشمية- زينب سليلة الرسول- أن تصرخ بهم وتقول. أن الصدقة محرمة علينا أهل البيت. ونساء الأزقة والسطوح باكيات علي هؤلاء.

قال خزيمة الأسدي: دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من كربلاء إلي ابن زياد فرأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدة المرض: يا أهل الكوفة، أتبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟) ويستطرد كاتب (نهضة الحسين) نقلاً عن خزيمة قوله:

(فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حياري يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم...).

8- وذكرت الدكتورة بنت الشاطئ (وهي عائشة بنت عبد الرحمن) في الصفحة (734) من (موسوعة آل النبي) ما نصه:(ودخل الموكب الكوفة. ووقفت الجموع محتشدة تشهد نساء البيت النبوي في طريقهن إلي عبيد الله بن زياد، وسمعت آهة من هنا، وشهقة من هناك، وكلمة من هنالك، رثاء وعزاء. ورأيت نساء الكوفة قياماً يندبن مخترقات الجيوب، وبكي الباكون الكريمات المستذلات.

فلم تطق زينب علي ذلك صبراً، لم تطق أن تري أهل الكوفة يبكون الحسين وآله وهم ضحاياهم، ويرثون بنات الرسول وما انتهك


حرمتهن سواهم).

ثم تستطرد بنت الشاطئ فتقول:

(حتي استقرت عينا زينب علي أولئك الباكين فأشارت إليهم أن اسكتوا، فطأطأ برؤوسهم، خزيا وندماً إلي حين مضت هي تقول...) الخ:

(ثم تنقل هذا المؤلفة الباحثة فقرات من خطبة زينب في الكوفة وتقول:

(قال من سمعها: فلم أري والله خفرة أنطق منها، كأنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فلا والله ما أتمت حديثها حتي ضج الناس بالبكاء. وذهلوا وسقط ما في أيديهم من هول المحنة الدهماء...).



پاورقي

[1] ليس في المصدر «وهو يقول: ايهاالناس... بالذل و العار»، و بدلها في المصدر «من بين يديه و صار الي منزله».

[2] ارشاد المفيد 114:2.

[3] اللهوف في قتلي الطفوف: 67.

[4] في المصدر زيادة (والله).

[5] في المصدر (بشير).

[6] في المصدر زيادة (يا اهل الختل و الغدر اتبکون).

[7] في المصدر (ولا هدأت).

[8] اللهوف في قتلي الطفوف: 63.

[9] الصواعق المحرقة: 118.

[10] صحيح الترمذي 3778:659.

[11] تذکرة الخواص: 231.

[12] صحيح البخاري 32:5 باب مناقب الحسن و الحسين عليهماالسلام.