بازگشت

نساء الحسين يندبنه في ساحة المعركة


لم يكد ينتهي عمر بن سعد وزمرته الشريرة من قتل الإمام الثالث الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآله وصحبه في ساحة كربلاء بعيد ظهيرة يوم الخميس العاشر من محرم الحرام سنة 61 هـ ألا وأمر ابن سعد في بقية ذلك اليوم وأمسيته وفي صبيحة اليوم التالي (11محرم 61هـ) بدفن أجساد جنده بعد أن صلي عليها، تاركاً أشلاء الإمام الحسين (عليه السلام) والذين استشهدوا معه في العراء، بين لهيب الشمس وحميم الأرض الرمضاء، وعرضة للنسور والعقبان، دون غسل، أو صلاة، أو دفن.

وقبيل ظهيرة اليوم الحادي عشر من محرم أي بعد مرور حوالي عشرين ساعة علي مقتل الإمام وصحبه رحل ابن سعد وما تبقي من جيشه عن كربلاء، تاركاً ساحة المعركة، وعائداً إلي الكوفة ليقدم تقريره عن نتائج فعلته الشنيعة إلي رئيسه عبيد الله بن زياد، وآخذاً معه ما بقي من رحل الإمام الشهيد وأهله وبينهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين ـ و كان عليلا بالذرب ـ وكذا رؤوس الشهداء أصحاب الإمام الـ (72) رأسا عدا رأس الإمام الحسين (عليه السلام) الذي كان ابن سعد قد أرسله إلي ابن زياد في الكوفة بعد القتل مباشرة أي بعد ظهر يوم العاشر من المحرم سنة 61هـ وذلك علي يد خولي بن يزيد.


هذا وقبل أن يغادر الأسري من النسوة والأطفال والصبية بما فيهم الإمام العليل زين العابدين (عليه السلام)، أرض المجزرة الرهيبة، تحت حراسة جلاوزة ابن سعد، قالت النسوة السبايا للحراس: بحق الله ألا مررنا علي مصرع الحسين وأجساد الشهداء، فجاز الركب ساحة المعركة حيث الأشلاء مبعثرة في الدماء. فلما نظر النسوة إلي القتلي صحن وضربن وجوههن. فصاحت زينب: وامحمداه، صلي عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء (إلي آخر ما مر ذكره في الفصل السابق). فضجت النسوة من ورائها بالنواح، وبكي كل عدو وصديق من هذا الموقف الرهيب. كما أن سكينة بنت الحسين (عليه السلام) اعتنقت جسد أبيها فأجتمع عليها عدة من الأعراب حتي جروها عنه. وكان هذا أول نواح عام علي ضحايا الطف بعد المعركة الشنيعة والمجزرة الرهيبة.

وفيما يلي أقوال بعض المؤرخين الثقاة في وصف المعركة بإيجاز، مما له صلة ببحث النياحة.

1- جاء في الصفحة (113) من (المجالس السنية) عند وصف ساعة طعان الإمام لوحده للأعداء، قول المؤلف:

(فسقط عليه السلام عن فرسه إلي الأرض علي خده الأيمن، ثم قام، وخرجت أخته زينب إلي باب الفسطاط وهي تنادي: وأخاه واسيداه، واأهل بيتاه، ليت السماء أطبقت علي الأرض، وليت الجبال تدكدكت علي السهل. [1] .

وختمت نداءها هذا ـ الذي مر ذكره في الفصل السابق ـ قائلة: ويلكم أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء).

2- وجاء في الصفحتين 116 و 117 من الكتاب نفسه ما عبارته:

(لما قتل الحسين وضعت أم كلثوم يدها علي أم رأسها ونادت: وامحمداه، واجعفراه، واحمزتاه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا ـ إلي أن يقول المؤلف الجليل عند وصف سلب خيم الإمام وزين العابدين


علي بن الحسين (عليه السلام) طريح الفراش مريضاً بالذرب ـ الإسهال ـ وأراد شمر قتله فمنعه عمر بن سعد ـ ما نصه:

(حتي جاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه:

(لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء، ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض..)

ثم يضيف المؤلف إلي ذلك قوله: (وفي رواية: أنه أشعلوا النار في الفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات..).

3- جاء في الصفحة (106) من الكتاب نفسه عن حادث مقتل العباس بن علي (عليه السلام) فيقول: (فضربه آخر من الأعداء بعمود فقتله، فوقف عليه الحسين (عليه السلام) منحنياً، وجلس عند رأسه يبكي بكاء شديداً حتي فاضت نفس العباس الزكية. ولنعم ما قال القائل:



أحــــق النـــاس أن يبكي عليه

فــــتــي أبـكي الحسين بكربلاء



أخـــــوه وابـــن والــــده عــلي

أبو الــفــضل المضرج بالدماء



ومــن واســـــاه لا يثنيه شيء

وجــــادلـــه عـلـي عطش بماء



4- وفي الصفحة (115) من نفس الكتاب قوله:

(وبعد أن اجتز شمر رأس الحسين دفعه إلي خولي فقال: احمله إلي الأمير عمر بن سعد وهذا أرسله حالا إلي ابن زياد في الكوفة..).

5- وفي الصفحة (118) منه قوله:

(لما كان يوم عاشوراء سرح عمر بن سعد برأس الحسين مع خولي بن يزيد إلي عبيد الله بن زياد. قال الطهري وابن الأثير وغيرهما: فوجد خولي القصر مغلقاً فأتي بالرأس إلي منزله فوضعه تحت إجانة ودخل فراشه وقال لامرأته جئتك بغني الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار: فقالت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله، والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت، وقامت من الفراش فخرجت من الدار...).

6- وفي الصفحة (118) منه أيضا بعد وصف حز رأس الحسين (عليه السلام) من قبل


شمر وإرساله إلي ابن سعد ثم إلي ابن زياد ما نصه:

(وأمر ابن سعد بقطع رؤوس الباقين من أصحاب الحسين وأهل بيته فقطعت وكانت (72) رأساً وسرح بها إلي ابن زياد، وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الحادي عشر إلي الزوال ثم توجه إلي الكوفة، وحمل معه نساء الحسين وبناته وأخواته ومن كان معه من الصبيان، وفيهم علي بن الحسين قد أنهكته العلة فقال النسوة: بحق الله إلا مررتم بنا علي مصرع الحسين، فمروا بهم علي الحسين وأصحابه وهم صرعي، فلما نظر النسوة إلي القتلي صحن وضربن وجوههن. قال الراوي: فوالله لا أنسي زينب وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كثيب: يا محمداه، صلي عليك ملائكة السماء، هذا حسينك مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلي الله المشتكي، وإلي محمد المصطفي وإلي علي المرتضي وإلي فاطمة الزهراء وإلي حمزة سيد الشهداء يا محمداه، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا. واحزناه. واكرباه عليك يا أبا عبد الله. اليوم مات جدي رسول الله. يا أصحاب محمد، هؤلاء ذرية المصطفي يساقون سوق السبايا. إلي أن يقول المؤلف- قال: فأبكت والله كل عدو وصديق. ثم أن سكينة بنت الحسين اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الأعراب حتي جروها عنه..).

7- وفي الصفحة (138) من كتاب (سيد الأوصياء ونجله سيد الشهداء) المار ذكره قول المؤلف:

(الرحيل - ثم أمر عمر بن سعد بسبي العيال وترحيلهم إلي الكوفة، فأركب النساء ومروا بهن علي مصارع القتلي، فلما رأين النساء تلك الأجساد الطاهرة مقطعة الأوصال، قد فصلت عنها رؤوسها، علت أصواتهن بالبكاء، وصحن صيحة واحدة: واجداه، وامحمداه، واأبتاه، وا علياه. وألقت عقيلة بني هاشم زينب جسده الطاهر ورفعته إلي السماء وقالت: إلهي تقبل منا هذا القربان..).

8- جاء في الصفحة (107) من الكتاب (المجالس الحسينية) لمؤلفه الشيخ


محمد جواد مغنية، نقلاً عن مقال منشور في عدد شباط 1959 من مجلة (الغد) المصرية ما نصه:(واندفعت زينب من خبائها نحو أخيها حاسرة الرأس ملتاعة وزعقت بكل قواها.. وا حسيناه. ثم سقطت مغمي عليها من الحزن العميق..).

9-جاء في الصفحة (63) من كتاب (مدينة الحسين) السلسلة الثانية المار ذكره، نقلاً عن كتاب (الحدائق الوردية) ما عبارته:(بعث عمر بن سعد برأس الحسين مع خولي بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم في عشية عاشوراء إلي عبيد الله بن زياد في الكوفة..).

وقال هذا المؤلف في مكان آخر من كتابه ما نصه: (وكان مع رأس الحسين رأس العباس. كما أمر عمر بن سعد بقطع رؤوس الباقين من أصحاب الحسين فقطعت وأرسلت إلي الكوفة..).



پاورقي

[1] اللهوف في قتلي الطفوف: 54.