بازگشت

الحسين يتنبأ الكارثة


لم يكد الإمام الشهيد يغادر مكة يوم 8 ذي الحجة سنة 60 هـ قاصداً العراق إلا وأخذت الأنباء المخزنة تتوارد عليه فيما يلاقيه رسله وموفدوه من نشوز وظلم وبغي وخيانة من أهل الكوفة بعد وصول الوالي الجديد إليها عبيد الله بن زياد. وقد أصبح الإمام متأكداً من أنه وآله وأصحابه ملاقون أسوأ المصير فيما هم عازمون عليه. ولكن لا راد لإرادة الله. وفيما يلي بعض ما يؤيد ذلك:

1ـ جاء في كتاب (المجالس السنية) صفحة (53) عند ذكر حادث مسلم بن عقيل في الكوفة، ومحاربته جلاوزة الوالي الغشوم عبيد الله بن زياد، ثم مقتل مسلم، ما عبارته: (وفي رواية المفيد: أن مسلم أخذ بالأمان بعد أن عجز عن القتال، فأتي ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله وانتزعوا منه سيفه، عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه ثم قال: هذا أول الغدر. فقال محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس فقال: وما هو إلا الرجاء، أين أمانكم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكي. فقال له عبيد الله بن العباس السلمي: إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به ما نزل بك لم يبك. فقال: والله ما لنفسي بكيت ولا لها عن القتل أرثي ولكني أبكي لأهلي المقبلين، أبكي


علي الحسين وآل الحسين..). [1] .

2ـ وجاء في الصفحة (58) من نفس الكتاب بعد ذكر مجزرة مقتل مسلم بن عقيل في الكوفة (وفي أثناء الطريق من مكة إلي العراق لقي الفرزدق الشاعر الإمام الحسين (عليه السلام) فسلم عليه وقال له يا ابن رسول الله، كيف تركن إلي أهل الكوفة؟ وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته، فاستعبر الحسين (عليه السلام) ثم قال رحم الله مسلماً..)

3ـ وفي الصفحة (64) من ذاك الكتاب ورد ذكر قصة نزول الحسين (عليه السلام) في الثعلبية بطريقه من الحجاز إلي العراق، ووصول أحد الأسديين من الكوفة ورؤيته مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة، وأخبار رجلين من الرحل الحسيني بهذا النبأ المفجع، ثم يستطرد الكاتب بعد ذلك ويقول:(فسكت الإمام، وأرتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل، وسالت الدموع عليه كل مسيل....).

4 ـ وجاء في الصفحة (73) من الكتاب المذكورة بعد ذكر وصول ركب الإمام الشهيد إلي القرب من كربلاء يوم أول محرم سنة 61 قوله: (فقال الحسين جواباً لمن أقترح عليه أن يبدأ بقتال الحر وجيشه: ما كنت لأبدأهم بالقتال فقال له زهير: فسر بنا يا بن رسول الله حتي نزل كربلاء فإنها علي شاطئ الفرات فنكون هناك، فإن قاتلونا نقاتلهم استعنا الله عليهم. قال: فدمعت عين الحسين (عليه السلام) ثم قال:(اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء...)

هذا ويستدل من الروايات المتوافرة والأحاديث المتوفرة: أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان متأكداً من أنه قتيل آل أمية مهما حاول التملص من ذلك. وإن


تنبؤاته بهذا المصير المحزن كثيرة، إسناداً إلي ما كان قد سمعه من جده المصطفي (صلي الله عليه وآله) ومن أبيه الكرار (عليه السلام) وتطبيقاً منه لما جربات الحوادث التي كانت تمر عليه في كل يوم وليلة منذ أواخر عهد معاوية بن أبي سفيان وبعد استيلاء يزيد علي الحكم. وفيما يلي بعض ما عثرت عليه في بطون الكتب في هذا الأمر:

5 ـ نقل كتاب (إقناع اللائم) في صفحته (189) عن مقال للمستشرق الألماني الشهير (مار بين) حول فاجعة كربلاء، ما ترجمته تالياً:

(وأكبر دليل علي أن الحسين (عليه السلام) كان ذاهباً لمصرعه ولم يقصد السلطنة والرئاسة أبداً، هو أنه مع ذلك العلم، وتلك السياسة والتجربة التي أكتسبها في عهد أبيه وأخيه في قتالهم مع بني أمية: كان يعلم أنه لا يملك الاستعدادات اللازمة مع تلك القوة التي كانت ليزيد لتمكنه من المقاومة. وأيضاً فإن الحسين بعد قتل أبيه كان يخبر عن نفسه أنه مقتول لا محالة، ومن الساعة التي خرج فيها من المدينة كان يقول بصوت عال وبلا تستر: إنني ذاهب للقتل. وكان يصرح بذلك لأصحابه إتماماً للحجة، وليبرأ نفسه من أنه يجاهد طمعاً في الجاه، وكانت لهجته علي الدوام إن إمامي طريق المصرع. ولو لم يكن الحسين بهذه الأفكار لم يكن ليستسلم للموت بل كان يسعي لأعداد جيش، لا أن يفرق الجماعة الذين معه، ولما لم يكن له قصد سوي القتل الذي هو مقدمة لتلك الأفكار السامية، وتلك الثورة المقدسة التي كانت في نظره أنها أكبر وسيلة لتلك الثورة التي سيفقد فيها الأنصار ويصاب بها بالقتل مظلوماً شهيداً، لذلك أختارها لتكون مصائبه أشد تأثيرات في القلوب...).

ثم يستطرد الكاتب الألماني فيقول: (إنه ـ أي الحسين ـ لم يتحمل هذه المصائب للحصول علي السلطنة، ولم يرد هذه المهلكة العظمي علي غير علم، كما تصور ذلك بعض مؤرخينا، بدليل: أنه كان قبل هذه الواقعة بسنين متطاولة يترنم بذكر مصائبه التي ستقع علي سبيل التسلية


لخواص أصحابه من ذوي الأفكار العالية والأدمغة الواسعة قائلاً: سيظهر الله بعد قتلي وظهور تلك المصائب المفجعة أقواماً يميزون الحق من الباطل، ويزورون قبورنا، ويبكون علي مصائبنا، ويأخذون الثأر من أعداء آل محمد (صلي الله عليه وآله). هؤلاء الجماعة يروجون دين الله وشريعة جدي، ونحبهم أنا وجدي، وسيحشرون معنا يوم القيامة..).

6ـ جاء في الصفحة (29) من كتاب (لمعة من بلاغة الحسين (عليه السلام)) لمؤلفه السيد مصطفي محسن الاعتماد الموسوي الحائري من خطبة للحسين (عليه السلام) عند عزمه علي المسير من الحجاز إلي العراق قوله:

(وخير لي مصرع أنا ألاقيه، كأني بأوصالي يقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، ويوفينا أجور الصابرين...).

7- وجاء في الصفحة (32) من الكتاب نفسه في جواب الإمام (عليه السلام) لأبي هرم لما قال له: يا ابن رسول الله، ما الذي أخرجك عن حرم جدك قوله:

(يا أبا هرم، أن بني أميه شتموا عرضي فصبرت. وأخذوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت: وإيم الله ليقتلونني فيلبسهم الله ذلا شاملا، وسيفاً قاطعاً...).

8- جاء في الصفحة (35) من هذا الكتاب أيضاً (ما نصه) عند مخاطبة الإمام أصحابه قوله: (قال الحسين (عليه السلام)): أن رسول الله قال لي: يا بني أنك ستساق إلي العراق، وهي أرض قد التقي بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعي عجوزا وأنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك تكون الحرب عليك وعليهم سلماً...).

9- وفي الصفحة (37) منه جاء ضمن خطبة للإمام (عليه السلام) يخاطبه بها أصحابه ما لفظه: (وقد قال جدي رسول الله ولدي حسين يقتل بطف كربلا غريباً وحيداً عطشاناً...).


10- وورد في الصفحة (67) منه جواب للإمام الشهيد (عليه السلام) علي كتاب عبد الله بن جعفر الطيار الذي يرجو فيه من الإمام عدم مغادرة مكة إلي الكوفة لأن فيها هلاك الإمام وصحبه ما نصه:

(أعلم أني قد رأيت جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في منامي فأخبرني بأمر أنا ماض له. فوالله يا ابن العم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتي يقتلوني...).

11- جاء في الصفحة (647) من كتاب (موسوعة آل النبي) للدكتورة السيدة بنت الشاطئ ما نصه:

(وكان الحسين – فيما يروي عدد من المؤرخين الإخباريين – يعلم منذ طفولته بما قدر له. كما كان دور أخته زينب حديث القوم منذ ولدت، فهم يذكرون: أن سلمان الفارسي أقبل علي علي (عليه السلام) يهنئه بوليدته، فألفاه واجماً حزينا يتحدث عما سوف تلقي ابنته في كربلا. وبكي علي الفارس الشجاع، ذو اللواء المنصور، والملقب بأسد الإسلام).

12- جاء في الصفحة (685) من الموسوعة نفسها عند ذكرها إحضار وآلي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان الحسين (عليه السلام) ليأخذ منه البيعة ليزيد، وامتناع الإمام عن ذلك، وما حدث له في مجلس الوليد – قولها:

(خرج الحسين حتي أتي منزله وألقي إلي أهله النباء وأسرلهم بعزمه علي الرحيل.

ومر بمسجد المدينة. ويقال: أنه سمع إذ ذاك – يتمثل بقول ابن مفرغ:



لا ذعــــرت الســــوام في فـلق الصبح

مــــغــيــرا ولا دعــــيــت يــــــــزيــــدا



يــــــــوم أعــطي مــن المهانة حيــنـــاً

والمــــــنــايــا يــرصــــدنني اذأ حــيدا



13- وفي الصفحة (702) من نفس الموسوعة عند الحديث عن منع عبد الله بن جعفر الحسين (عليه السلام) من الشخوص إلي العراق وامتناع الإمام عن ذلك وإصراره علي الرحيل إلي الكوفة قولها:

(ثم مشي الحسين في طريقه لا يلوي علي شيء فزار قبر جده مودعاً وهو يقول:

(وقد غسلت يدي من الحياة، وعزمت علي تنفيذ أمر الله).


14- وفي الصفحة (706) من نفس الموسوعة ذكر عن مثول الأسديين الآتيين من الكوفة بين يدي الحسين (عليه السلام) في الطريق وإخباره بمقتل مسلم بن عقيل، ثم تقول:

(فساد القوم – أنصار الحسين ومرافقيه – وجوم حزين لم يطل. ثم أعولت النساء وضج الجميع بالبكاء.

وكانت مناحة في العراء وحين خفت ضجة النواح أراد الحسين أن يرجع بآله، فوثب عند ذلك بنو عقيل وهم يصيحون:

(لا نرجع والله أبداً حتي ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا ونقتل بأجمعنا).

فنظر الحسين إلي الأعرابيين اللذين نصحاه بالرجوع وقال في جدوأسي: لا خير في العيش بعد هؤلاء، وأمن القدر علي ما قاله بنو عقيل فلم يرجعوا بل قتلوا أجمعين...).



پاورقي

[1] ارشاد المفيد 59:2.