بازگشت

النبي و اصحابه اول من بكوا الحسين


لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة علي أن جبرائيل قد أوحي [1] للنبي (صلي الله عليه وآله) بنبأ مقتل الإمام الشهيد الحسين (عليه السلام) ومكان استشهاده. و فيما يلي بعضَ هذه الروايات في ذلك.

1ـ قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة (30) من مصنفه: (إقناع اللائم علي إقامة المآتم) ما نصه: (ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (أعلام النبوة) صفحه 83 طبع مصر فقال:

(ومن إنذاره (صلي الله عليه وآله) ما رواه عروة عن عائشة قال: دخل الحسين بن علي (عليه السلام) علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يوحي إليه، فبرك علي ظهره وهو منكب ولعب علي ظهره، فقال جبرائيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك ويقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك اسمها الطف.

فلما ذهب جبرائيل خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ فقال: أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني


بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه) [2] انتهي.

ثم يضيف السيد محسن العاملي علي ذلك بقوله:

(أقول: ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرائيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرائيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن علي ولده، فان ذلك مما يبعث علي أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي (صلي الله عليه وآله) والصحابة فكيف بهم معه. فهذا أول مأتم أقيم علي الحسين (عليه السلام) يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمستمعون أصحابه)

2- جاء في الصفحة (31) من الكتاب نفسه:

(وفي منتخب كنز العمال صفحه 112 الجزء الخامس للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال أخرج الطبراني في الكبير [3] عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم سلمة قالت: كان النبي (صلي الله عليه وآله) جالسا ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي (صلي الله عليه وآله) يبكي، فاطلعت فإذا الحسين في حجره أو إلي جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت: والله ما علمت به حتي دخل. قال النبي (صلي الله عليه وآله) أن جبرائيل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حب الدنيا نعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلا. فتناول من ترابها فأراه النبي (صلي الله عليه وآله)، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا:


أرض كربلا، قال: صدق رسول الله (صلي الله عليه وآله) أرض كرب وبلاء..).

أقول: وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها، كصاحب العقد الفريد [4] في الجزء الثاني، وأحمد بن حنبل [5] ، وأبو يعلي، وابن سعد، والطبراني، وأنس بن مالك، وابن عساكر، وغيرهم كثيرون. [6] .

ورواها أيضا من الشيعة كثيرون من علماءها، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الإمام الخامس محمد الباقر (عليه السلام) بهذه العبارة:

(كان النبي (صلي الله عليه وآله) في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل علي أحد، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتي دخل علي النبي (صلي الله عليه وآله)، فدخلت أم سلمة علي أثره، فإذا الحسين علي صدره، وإذا النبي (صلي الله عليه وآله) يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال، النبي (صلي الله عليه وآله): يا أم سلمة، إن هذا جبرائيل يخبرني إن ابني هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي...) [7] انتهي قول العلامة العاملي.

3- ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه:

(روي الأوزاعي عن عبد الله بن شداد عن أم الفضل بنت الحرث أنها دخلت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقالت يا رسول الله، رأيت الليلة حلماً منكراً. قال: وما هو؟ قالت إنه شديد قال: ما هو؟ قلت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين قالت: وكان في حجري كما قال رسول


الله (صلي الله عليه وآله) فدخلت يوماً علي النبي وأنا أحمل الحسين [8] فوضعته في حجره، ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما بالك؟ قال: أتاني جبرائيل فأخبرني أن طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء...) [9] الخ.

وروي شماك عن ابن مخارق عن أم سلمة قالت: بينا رسول الله ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك تبكي؟ جعلت فداك. فقال: جاءني جبرائيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني إن طائفة من أمتي تقتله، لا أنالهم الله شفاعتي). [10] .

وروي بإسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت: خرج رسول الله وهو أشعث أغبر ويده مضمونة، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال: أسري بي في هذا الوقت إلي موضع من العراق يقال له كربلاء، فرأيت فيه مصرع الحسين أبني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دمائهم فهاهي في يدي وبسطها إلي فقال: خذيها واحتفظي بها، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان اليوم العاشر من محرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين أخرجتها في أول النهار وهي بحالها. ثم عدت إليها آخر النهار. فإذا هي دم عبيط، فضججت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعدائهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظاً للوقت واليوم حتي جاء الناعي بنعيه


ما رأيت. [11] .

4ـ جاء في مستند أحمد بن حنبل صفحة (85) من الجزء الأول بسنده عن عبد الله بن نجي عن أبيه (إنه سار مع علي (عليه السلام) وكان صاحب مطهرته (أي الإناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه) فلما حاذي نينوي وهو منطلق إلي صفين فنادي علي (عليه السلام) أصبر أبا عبد الله، أصبر أبا عبد الله بشط الفرات قلت: وما ذاك؟ قال، دخلت علي النبي (صلي الله عليه وآله) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت، يا نبي الله أغضبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرائيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال فقال: هل لك إلي أن أشمك من تربته؟ قال: قلت نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا..)

ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب (الصواعق المحرقة) [12] لابن حجر، وكتاب (منتخب كنز العمال) [13] والسبط ابن الجوزي الحنفي في (تذكرة الخواص) [14] والبغوي في معجمه، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة.

5 ـ وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة بإضافة: (إن جبرائيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله علي من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟). [15] .

6 ـ أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مستند ابن عباس، قال: رأيت النبي (صلي الله عليه وآله) فيما يري النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها


دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم فأحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك ـ اليوم. [16] .

7 ـ جاء في الصفحة (39) من كتاب (إقناع اللائم) المار ذكره ما نصه: (روي ابن شهر آشوب في المناقب [17] عن جامع ـ الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني، أن أم سلمة قالت: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المنام وعلي رأسه التراب. فقلت: مالك يا رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ فقال:شهدت قتل الحسين آنفاً..).

أقول: ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي [18] بسنده عن سلمة [19] قالت: دخلت علي أم سلمة وهي تبكي فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) في المنام وعلي رأسه ولحيته أثر التراب فقلت مالك يا رسول الله مغبراً؟ قال شهدت قتل الحسين آنفاً..).

وروي المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: أصبحت يوماً أم سلمة تبكي، فقيل لها: لم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) منذ مضي إلا ليلة، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت: مالي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه. [20] .

هذا وقد رويت أمثال هذه الأحاديث بإسنادها من ـ مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصي.


8 ـ وقد أشار ابن نباته في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ علي منابر الإسلام في الجُمع، لا يزال يقرأ علي المنابر إلي اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال: (وكان عليه الصلاة والسلام يعني الرسول (صلي الله عليه وآله) من حبه في الحسين يقبل شفتيه، ويحمله كثيراً علي كتفه فكيف لو رآه ملقي علي جنبيه، شديد العطش والماء بين يديه، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه، لصاح عليه الصلاة السلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم الله علي هذا السبط السعيد ـ الشهيد، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا الله حق تقواه...).

9 ـ أما أم سلمة فهي إحدي زوجات الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله)، وقد تقدم بها العمر إلي أواخر سنة 61 للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة (320) من كتابها (موسوعة آل النبي) الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه: (وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتي امتحنت كما امتحن الإسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت ـ الرسول هناك. وتقول رواية: إنها ماتت في آخر سنة 61 هجرية، بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي (عليه السلام) ـ إلي أن تقول بنت الشاطئ ـ: وأم سلمة آخر من مات من نساء النبي (صلي الله عليه وآله) وصلي عليها أبو هريرة الصحابي، ودفنت بالبقيع..)

10 ـ أقول: لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة 61 هـ. إلي المدينة المنورة، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرمة والمدينة لهذا الحادث الجليل والمصاب العظيم، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية.



پاورقي

[1] اما ان نقول: «أن جبرئيل قد اخبر النبي» او نقول: «ان الله اوحي للنبي».

[2] و ذکر الخبر ايضا بالفاظ مختلفة و بطرق متعددة في المصادر التالية: مستدرک الصحيحين 176:3، 398:4، مسند أحمد بن حنبل 242:3، 265، والمحب الطبري في ذخائرالعقبي: 147، 148، ولامتقي الهندي في کنزالعمال 222:6، 223، 106:7، و الصواعق المحرقة: 115، والهيثمي في مجمعه 187:9، 188، 189، 191.

[3] المعجم الکبير للطبراني 289:23:637.

[4] العقد الفريد 10:383:4.

[5] مسند أحمد بن حنبل 294:6.

[6] کنزالعمال 37666:656:13 عن ابن ماجه و الطبراني و أبي نعيم.

[7] امالي الصدوق: 3:130.

[8] ليس في المصدر.

[9] ارشاد الشيخ المفيد 129:2، و ينابيع المودة 318:2 عن البيهقي.

[10] ارشاد المفيد 130:2.

[11] ارشاد المفيد 130:2.

[12] الصواعق المحرقة: 115.

[13] کنزالعمال 105:7، وابن حجر في تهذيب التهذيب 347:2.

[14] تذکرة الخواص: 225.

[15] الصواعق المحرقة لابن حجر: 115 قال أخرجه ابن سعد مع اختلاف في اللفظ.

[16] مسند أحمد بن حنبل 242:1، و رواه الخطيب البغدادي في تاريخه 142:1، وابن الأثير في اسدالغابة 22:2، وابن حجر في اصابته 17:2 مع اختلاف فيه و رواه غيرهؤلاء ايضا من ائمة الحديث.

[17] مناقب آل أبي طالب 55:4.

[18] امالي الصدوق 1:119 مع اختلاف فيه.

[19] سلمي: هي زوجة أبي رافع مولي النبي صلي الله عليه و آله..

[20] مشکاة المصابيح: 570، اسدالغابة 22:2.