بازگشت

في مدحه اخاه عند دفنه


و انه عليه السلام كان بصيرا بالشؤون العامة و السياسة قال:


رحمك الله يا ابامحمد، ان كنت لتباصر الحق مظانه، و تواثر الله عند تداحض الباطل، في مواطن التقية، بحسن الرؤية، و تستشف جليل معاظم الدنيا بعين حافرة، و تفيض عليها يدا طاهرة الاطراف، نقية الاسرة، و تردع بادرة غرب اعدائك بايسر المؤنة عليك: و لا غرو، و انت ابن سلالة النبوة، و رضيع لبان الحكمة، فالي روح و ريحان و جنة و نعيم، اعظم الله لنا و لكم الاجر عليه؛ و وهب لنا و لكم السلوة، و حسن الاسي عنه. [1] .

و يعلم من تلك الكلمات الشريفة، ان الحسين عليه السلام كان موافقا لما صنعه اخوه الحسن عليه السلام في امر الصلح، مع عدوه معاوية: و انه لا يمكن دفع الباطل الا بذلك، بل كان من احسن الروية، و ايسر المؤنة، فما نسب اليه من الاشعار الدالة، علي عدم رضاه به، فمأول علي فرض صحة الانتساب كما يأتي.



فما سائني شي ء كما سائني اخي

و لم ارض لله الذي كان صانعا



و لكن اذا ما الله امضي قضائه

فلابد يوما ان تري الامر واقعا



و لو انني شوّرت فيه لما رأوا

قريبهم الا عن الامر شاسعا



و لم اك ارضي بالذي قد رضوا به

و لو جمعت كل الي المجامعا



و لو خرانفي قبل ذلك خرة

بموسي لما القيت للصلح تابعا



قال الاربلي في كشف الغمة: ان صح، ان هذه الابيات من شعره عليه السلام، فكل منهما يري المصلحة بحسب حاله و مفتضي زمانه، [2] .


اقول ان الحسين عليه السلام كان عارفا باخيه الحسن عليه السلام و عالما بعلو قدره، و سمو مقامه، و موقنا بامامته، و معتقدا بامانته و عصمته، و تسليما لامره، لا يعارضه في شي ء، و لا يخالفه في حكم، بل يجب عليه متابعته، و تلك الابيات لو صحت نسبتها اليه عليه السلام ليست في مقام النقض و الرد، علي ما فعله اخوه الامام السبط الاكبر، بل هي تشير الي ان طبعه العالي، و روحه السامي، لوخلي و طبعه، لما يرضي بذلك، و لو خر بموسي انفه؛ لكن المصلحة الدينية الالهية الجأته علي ذلك، فصبر علي هذه الغصة، و قبل المحنة، حفظا لمصالح الامة، و حقنا لدم الجماعة، مترقبا للفرصة، كما ان اباه عليا فعل كذا؛ و صبر و كظم و قال: صبرت و في العين قذي، و في الحلق شجي، تأسيا بالنبي المصطفي، و الرسول المجتبي، لما صالح كفار مكة في حديبية، و قد عد في التاريخ من اعظم سياسات النبي صلي الله عليه و اله و اعقب نتائج مهمة، و مصالح كثيرة للمسلمين.

و قد اورد علي الحسن المجتبي جماعة من اصحابه في ذلك، فاجابهم بما يزيل الشبهة، و يذهب بالتهمة اذكره اتماما للحجة.

و ممن انكر عليه مسيب بن نجبة الخزاعي، و ابوسعيد، و حجر بن عدي، و سليمان بن صرد، فقال الحسن عليه السلام في جواب مسيب: يا مسيب لم يكن معاوية باصبر عند اللقاء و لا اثبت عند الحرب مني، و لكني اردت صلاحكم، و كف بعضكم عن بعض، فارضوا لقدر الله و قضائه، حتي يستريح بر، و يستريح فاجر.

و قال لابي سعيد: يا اباسعيد، علة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، و بني اشجع، و لاهل مكة، حين انصرف من الحديبية، اولئك كفار بالتنزيل، و معاوية و اصحابه كفار بالتاويل.


يا اباسعيد: اذا كنت اماما من قبل الله تعالي ذكره؛ يجب ان لا يسفه رأيي فيما اتيته، من مهاونة او محاربة، و ان كان وجه الحكمة فيما اتيته ملتبسا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة، و لو لا ما اتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الارض احد الا قتل.

و قال عليه السلام لحجر بن عدي: يا حجر، ليس كل الناس يحب ما تحب و لا رأية رأيك، و ما فعلت الا ابقاء عليك، والله كل يوم هو في شأن و قال لسليمان: انتم شيعتنا، و اهل مودتنا، فلو كنت بالهزم في امر الدنيا اعمل، و لسلطانها اركض و انصب، ما كان معاوية اشد شكيمة و لا امضي عزيمة، و لكني اري غير ما اريتم، و ما اردت بما فعلت، الا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، و سلموا لامره، و الزموا بيوتكم و امسكوا [3] و ياتي في عنوان الحسين في زمان الصلح ما يوجب زيادة البصيرة.


پاورقي

[1] بلاغة الحسين ص 23 نقلا عن عيون الاخبار لابن‏قتيبة و التاريخ الکبير لابن‏عساکر.

[2] کشف الغمة ج 2 ص 248.

[3] ناسخ التواريخ، تاريخ الامام الحسن عليه‏السلام.