بازگشت

جريرة العدل


و لم تنقض سنوات أربع علي يوم كربلاء حتي كان يزيد قد قضي نحبه، و نجمت بالكوفة جريرة العدل التي حاقت بكل من مديدا الي الحسين و ذويه..


فسلط الله علي قاتلي الحسين كفؤا لهم في النقمة و النكال يفل حديدهم بحديده و يكيل لهم بالكيل الذي يعرفونه. و هو المختار بن أبي عبيد الثقفي داعية التوابين من طالب ثأر الحسين. فأهاب بأهل الكوفة أن يكفروا عن تقصيرهم في نصرته، و أن يتعاهدوا علي الأخذ بثأره فلا يبقين من قاتليه أحد ينعم بالحياة، و هو دفين مذال القبر في العراء..

فلم ينج عبيدالله بن زياد، و لا عمرو بن سعد، و لا شمر بن ذي الجوشن، و لا الحصين بن نمير، و لا خولي بن يزيد، و لا أحد ممن أحصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب و المهانة الي الموتي أو الأحياء..

و بالغ في النقمة فقتل و أحرق و مزق و هدم الدور و تعقب الهاربين، و جوزي كل قاتل أو ضارب أو ناهب بكفاء عمله.. فقتل عبيدالله و أحرق، و قتل شمر بن ذي الجوشن و ألقيت أشلاؤه للكلاب، و مات مئات من رؤسائهم بهذه المثلات و ألوف من جندهم و أتباعهم مغرقين في النهر أو مطاردين الي حيث لا وزر لهم و لا شفاعة.. فكان بلاؤهم بالمختار عدلا لا رحمة فيه، و ما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من العذر ما بلغته قسوة المختار.

و لحقت الجريرة الثالثة بأعقاب الجزيرة الثانية في مدي سنوات معدودات..


فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني أمية الي أيام عبدالملك ابن مروان، و كان أحرج الفريقين من سبق الي أحرج العملين. و أحرج العملين ذاك الذي دفع اليه - أو اندفع اليه - الحجاج عامل عبدالملك..

فنصب المنجنيق علي جبال مكة، و رمي الكعبة بالحجارة و النيران فهدمها و عفي علي ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية. فقد كان قائده الذي خلف مسلم بن عقبة و ذهب لحصار مكة أول من نصب لها المنجنيق و تصدي لها بالهدم و الاحراق.. و مازالت الجرائر تتلاحق حتي تقوض من وطأتها ملك بني أمية، و خرج لهم السفاح الأكبر و أعوانه في دولة بني العباس.. فعموا بنقمتهم الأحياء و الموتي، و هدموا الدور، و نبشوا القبور، و ذكر المنكوبون بالرحمة فتكات المختار بن أبي عبيد، و تجاوز الثأر كل مدي خطر علي بال هاشم و أمية يوم مصرع الحسين.

لقد كانت ضربة كربلاء، و ضربة المدينة، و ضربة البيت الحرام، أقوي ضربات أمية ضربات أمية لتمكين سلطانهم و تثبيت بنيانهم و تغليب ملكهم علي المنكرين و المنازعين... فلم ينتصر عليهم المنكرين و المنازعون بشي ء كما انتصروا عليهم بضربات أيديهم و لم يذهبوا بها ضاربين حقبة، حتي ذهبوا بها مضروبين الي آخر الزمان.

و تلك جريرة يوم واحد هو يوم كربلاء.. فاذا بالدولة العريضة تذهب في عمر رجل واحد مديد الأيام، و اذا بالغالب في يوم كربلاء أخسر من المغلوب اذا وضعت الأعمار المنزوعة في الكفتين..