بازگشت

تخاذل و ضعف


و لا يظهر من عدد الفريقين ساعة القتال أن المتحولين الي معسكر الحسين كانوا كثيرين أو متلاحقين. و لكن بداءة التحول كانت مما يخيف و يزعج، لأنها اشتملت علي قائد كبير من قواد ابن زياد هو الحر بن يزيد الذي أرسلوه في أول الأمر ليحلي ء الحسين عن دخول الكوفة، و قد كان يحسب أن عمله ينتهي الي هذه المراقبة و لا يعدوها الي القتال و سفك الدم... فلما تبين نية القتال، أقبل يدنو نحو عسكر الحسين قليلا قليلا، و تأخذه رعدة و ينتابه ألم شديد... حتي راب أمره صاحبه المهاجر بن أوس فقال له.

- و الله ان أمرك لمريب... ما رأيت منك قط مثل ما أراه الآن، و لو قيل من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك...

فباح له الرجل بما في نفسه و قال له:


- اني أخير نفسي بين الجنة و النار، و لا أختار علي الجنة شيئا و لو قطعت أو حرقت...

ثم ضرب فرسه، و لحق بالحسين و هو يعتذر قائلا:

- لو علمت أنهم ينتهون الي ما أري ما ركبت مثل الذي ركبت، و اني قد جئتك تائبا مما كان مني الي ربي، مؤاسيا لك بنفسي حتي أموت بين يديك!...

و لن يخلو معسكر ابن زياد من مئات كالحر بن يزيد يؤمنون ايمانه و يودون لو يلحقون به الي معسكر الحسين، و يزعجهم أن يتحول أمامهم الي المعسكر و هم ناظرون اليه، لأنه يبكتهم و يكشف مغالطتهم بينهم و بين أنفسهم و يحضهم علي الاقتداء به و التدبر في أسباب ندمه، لا لأنه ينتقص عددهم أو ينذر بالهزيمة في ميدان القتال... فكلهم و لا ريب يشعر بشعوره و يعتقد في فضل الحسين علي يزيد مثل اعتقاده، و بعيد علي العقل أن يصدق في هؤلاء الشر اذم أنهم قد أطاعوا يزيد لأنه صاحب بيعة حاصلة و أنهم قد «تأدبوا بأدب الدولة» أدبا يغلب شعور الجماعة و ايمان المرء بحق الشريعة و حرمة البيت النبوي، و يهون عليه قتل سبط النبي في هذا السبيل، و كيف و ان منهم لمن بايع الحسين علي البعد و دعاه اليه لبقود «الجند المجند» الي قتال يزيد؟ فكلامهم في البيعة الحاصلة لغط يلو كونه بألسنتهم و لا يستر ما في طويتهم، و ليس أثقل علي أمثال هؤلاء من عب ء المغالطة كلما تلجلج في مكانه و حركته القدوة التي


يريدونها و لا يقوون عليها، كتلك القدوة الماثلة بصاحبهم الحر بن يزيد.

لا جرم كان أعظم الجيشين قلقا و أشدهما حيرة و أعجلهما الي طلب الخلاص من هذا المأزق الثقيل هو أكبر الفئتين و أقوي العسكرين...