بازگشت

مقتل مسلم بن عقيل


و توسلوا بكل وسيلة تبلغ بهم ما أرادوا من تخذيل الناس عن مسلم ابن عقيل حتي كانوا يرسلون الزوجة وراء زوجها و الأم وراء ولدها و الأخ وراء أخيه، فيتعلقون بهم حتي يقفلوا الي دورهم أو يدخلوا بهم في زمرة عبيدالله...

فلما غربت شمس ذلك اليوم، نظر مسلم حوله فاذا هو في خمسمائة من أولئك الآلاف الأربعة... ثم صلي المغرب فلم يكن وراءه في الصلاة غير ثلاثين تسللوا من حوله تحت الظلام، و بقي وحيدا في المسجد لا يجد معه من يدله علي منزل يأوي اليه.

و تسمع عبيدالله من القصر حين سكنت الجلبة، و سأل أصحابه أن يشرفوا ليروا من بقي من تلك الجموع... فلم يروا أحدا و لم يسمعوا


صوتا. فخيل اليهم أنها مكيدة حرب و أن القوم رابضون تحت الظلال، فأدلي بالقناديل و المشاعل حتي اطمأن الي خلو المسجد و تفرق مسلم و أتباعه، فدعا الي الصلاة الجامعة و أمر المنادين في أرجاء الكوفة: «ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء و المناكب - رؤوس العرفاء - و المقاتلة، صلي العشاء الا في المسجد».

و أقام الحراس خلفه و هو يصلي بمن أجابوه و قد امتلأبهم المسجد، فخطبهم بعد الفراغ من صلاته قائلا: «برئت ذمة الله من رجل وجدنا ابن عقيل في داره».

و صاح في رئيس شرطته: «يا حصين بن نمير!... ثكلتك أمك ان ضاع باب سكة من سكك الكوفة و خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة فابعث مراصد علي أفواه السكك... و أصبح غدا فاستبري ء الدور و جس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل...»

و ما هي الا سويعات حتي جي ء بابن عقيل و قد دافع الشرط عن نفسه ما استطاع. و وصل الي القصر جريحا مجهدا ظمآن فأهوي الي قلة عند الباب فيها ماء بارد، فقال له أحد أصحاب عبيدالله: «أتراها ما أبردها! و الله لا تذوق منها قطرة حتي تذوق الجحيم في نار جهنم!».


و أنكر عمر بن حريث هذه الفظاعة من الرجل، فجاءه بقلة عليها منديل و معها قدح فصب منها في القدح و أدناه منه، فاذا هو ينفث الدم في القدح كلما رفعه للشرب منه حتي امتلأ و سقطت فيه ثنيتاه، فحمد الله و قال: «لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته».

و أدخلوه علي عبيدالله فنظر الي جلسائه و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فناشده القرابة ليسمعن منه وصية ينفذها بعد موته. فأبي أن يصغي اليه!... ثم اذن له عبيدالله فقام معه فقال مسلم: «ان علي بالكوفة دينا استدنته سبعمائة درهم، فبع سيفي و درعي فاقضها عني، و ابعث الي الحسين من يرده، فاني قد كتبت اليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه الا مقبلا»...

فعاد عمر الي عبيدالله فأفشي له السر الذي ناجاه به و أوصاه أن يكتمه. ثم دعا عبيدالله بالحرسي الذي قاومه مسلم و ضربه علي رأسه و اسمه بكير بن حمران - فأسلم مسلما اليه و قال:

- لتكن أنت الذي تضرب عنقه.

و صعدوا به الي أعلي القصر فأشرفوا به علي الجموع المحيطة به و ضربوا عنقه، فسقط رأسه الي الرحبة و ألقيت جثته الي الناس. ثم أرسل برأسه الي يزيد مع رؤوس سراة في المدينة كان مسلم يأوي اليهم أول مقدمه


اليها، و منهم هاني ء بن عروة الذي تقدمت الاشارة اليه.