بازگشت

السفر الي العراق


و خرج في الثامن من ذي الحجة لا ينتظر العيد بمكة، لأن أخبار البيعة بالكوفة حفزته الي التعجيل بالسفر قبل فوات الأوان...

و كان مسلم بن عقيل قد نزل بالكوفة، فأقبل عليه الناس ألوفا ألوفا يبايعون الحسين علي يديه... و بلغوا ثمانية عشر ألفا في تقدير ابن كثير و ثلاثين ألفا في تقدير ابن قتيبة.

و هال الأمر النعمان بن بشير - و الي الكوفة - فحار فيما يصنع بمسلم و أتباعه و هم يزدادون يوما بعد يوم، فصعد المنبر و خطب الناس معلنا


أنه لا يقاتل الا من قاتله و لا يثب الا علي من وثب عليه...

و تسابق أنصار بني أمية الي يزيد ينقلون اليه ما يجري بالكوفة، فأشار عليه سرجون الرومي مولي أبيه أن يعزل النعمان و يولي الكوفة عبيدالله بن زياد، مضمومة الي البصرة التي كان يتولاها في ذلك الحين.

و قدم عبيدالله الي الكوفة فكان أول ما عمل بها أن جمع اليه عرفاء المدينة - أي مشايخ أحيائها - فأمرهم أن يكتبوا له أسماء الغرباء و من في أحيائهم من «طلبة أميرالمؤمنين و الحرورية و أهل الريب»، و أنذرهم «أيما عريف و جد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه اليه، صلب علي باب داره، و ألغيت تلك العرافة من العطاء».

و التمس وجوه المدينة من شيعة الحسين يترضاهم و يستخرج خفاياهم. فسأل عمن تخلف منهم عن لقائه و علي رأسهم هاني ء بن عروة، فقيل له أنه مريض لا يبرح داره... و كان يتعلل بالمرض تجنبا للقائه و السلام عليه.

فذهب عبيدالله اليه يعوده و يتلطف اليه، و جاء في بعض الروايات أنه قد أشير علي مسلم بن عقيل بقتله و هو في بيت هاني ء، فأبي أن يغتاله و هو آمن في بيت مريض يعوده...


و قال ابن كثير ما فحواه انهم أشاروا علي مسلم بن عقيل بقتله و هو في دار شريك بن الأعور، و قد علم شريك أن عبيدالله سيعوده... فبعث الي هاني ء بن عروة يقول له: «ابعث مسلم بن عقيل يكون في داري ليقتل عبيدالله اذا جاء يعودني»... فتحين مسلم عن قتله، و سأله شريك: «ما منعك أن تقتله؟» قال: «بلغني حديث عن رسول الله صلي الله عليه و سلم (ان الايمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)، و كرهت أن أقتله في بيتك»... قال شريك: «أما لو قتله لجلست في الثغر لا يستعدي به أحد، و لكفيتك أمر البصرة، و لكنت تقتله ظالما فاجرا».

ثم مات شريك بعد ثلاثة أيام...

و تضطرب الأقاويل في وقائع هذه الأيام لتلاحقها و كثرتها و كثرة رواتها و العاملين فيها... و لكن الشائع من تلك الأقاويل ينبئنا عن عنت شديد لقيه عبيدالله بن زياد في مغالبة مسلم و شيعته، و أنه هرب مرة من المسجد لأن الناس بصروا بمسلم مقبلا فتصايحوا بعبيدالله فاعتصم بقصره و أغلق عليه أبوابه...

و اجتمع الي مسلم أربعة آلاف من حزبه، فأمر من ينادي في الناس بشعار الشيعة: «يا منصور!... أمت». ثم تقدم الي قصر الامارة في تعبئة كتعبئة الجيش.

و لم يكن في القصر الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون من أهل


الكوفة. فخامر اليأس عبيدالله و ظن أنه هالك قبل أن يدركه الغوث من مولاه. و لكنه تحيل بما في وسع المستميت من حيلة هي علي أية حال أجدي و أسلم له من التسليم، فأنفذ أنصاره الي كل صوب في المدينة يعدون و يتوعدون... و انطلق هؤلاء الأنصار يرجفون بقرب وصول المدد الزاخر من يزيد، و ينذرون الناس بقطع العطاء و أخذ البري ء بالمذنب و الغائب بالشاهد و يبذلون المال لمن يرشي بالمال، و الوعد لمن يقنع بالوعد الي حين...