موازنة
لخص المقريزي المنافسة التي بين الهاشميين و الأمويين في بيتين فقال:
عبد شمس قد أضرمت لبني ها
شم حربا يشيب منها الوليد
فابن حرب للمصطفي، و ابن هند
لعلي، و للحسين يزيد
و سنعرض في خاتم هذا الفصل عرضا موجزا لهذه المقابلة المتسلسلة بين أفراد الأسرتين لتحقيق الرأي فيها، و لكننا نجتزي ء هنا بالقابلة بين الخصمين التصاولين من هاشم و عبدشمس في شخصي الحسين و يزيد...
فأيا كان الميزان الذي يوزن به كل من الرجلين فلا مراء البتة في خير الرجلين...
و ما من رجل فاز حيث ينبغي أن يخيب، كما قد فاز يزيد بن معاوية في حربه للحسين، و ما اختصم رجلان كان أحدهما أوضح حقا
و أظهر فضلا من الحسين في خصومته ليزيد بن معاوية.
و الموازنة بين هذين الخصمين هي في بعض وجوهها موازنة بين الهاشميين و الأمويين من بداءة الخلاف بين الأسرتين، و هي موازنة حفظت كفتيها علي وضعهما زهاء سبعة قرون، فلم يظهر في هذه القرون أموي قح، الا ظهرت فيه الخصال الأموية المعهودة في القبيلة بأسرها، و لم يظهر في خلالها هاشمي قح، الا رأيت فيه ملامح من تلك الخصال التي بلغت مثلها الأعلي في محمد بن عبدالله عليه الصلاة و السلام.
و الهاشميون و الأمويون من أرومة واحدة ترتفع الي عبدمناف، ثم الي قريش في أصلها الأصيل..
و لكن الأسرتين تختلفان في الأخلاق و الأمزجة و ان اتحدتا في الأرومة... فبنوهاشم في الأغلب الأعم مثاليون أريحيون و لا سيما أبناء فاطمة الزهراء و بنوأمية في الأغلب الأعم عمليون نفعيون، و لا سيما الاصلاء منهم في عبدشمس من الآباء و الأمهات.
و تفسير هذا الاختلاف مع اتحاد الأرومة غير عسير.. فان الأخوين في البيت الواحد قد يختلفان في الأخلاق و الأعمال، كما يختلف الغريبان من أمتين بعيدتين، تبعا لاختلاف سلسلة الميراث في الاصول و الفروع، علي ذلك النحو الذي يأذن أحيانا باختلاف الألوان و الملامح في نسل واحد، تأخذ كل شعبة منه بناحية من نواحي الوراثة.
و من الثابت الذي لا نزاع فيه أن عبدالمطلب و أمية كانا يختلفان حتي في الصورة و القامة و الملامح..
و في نسل أمية شبهة نشير اليها و لا نزيد، فهي محل الاشارة و المراجعة في هذا المقام...
دخل دغفل النسابة علي معاوية فقال له: «من رأيت من علية قريش؟». فقال: «رأيت عبدالمطلب بن هاشم و أمية بن عبدشمس».
فقال: «صفهما لي». فقال: «كان عبدالمطلب أبيض، مديد القامة، حسن الوجه، في جبينه نور النبوة و عز الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب». قال: «فصف أمية» قال «رأيته شيخا قصيرا، نحيف الجسم ضريرا، يقوده عبده ذكوان» فقال معاوية: «مه!... ذاك ابنه أبوعمرو». فقال دغفل: «ذلك شي ء قلتموه بعد و أحدثتموه... و أما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به».
و ذكر الهيثم بن عدي في كتاب المثالب أن أباعمرو بن أمية كان عبدا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقة، و نقل أبوالفرج الأصبهاني - و هو من الأمويين - ما تقدم فلم يعرض له بتفنيد...
و وضح الفرق بين بني هاشم و بني أمية في الخلائق و المناقب في الجاهلية قبل الاسلام. فكان الهاشميون سراعا الي النجدة و نصرة الحق و التعاون عليه... و لم يكن بنوأمية كذلك.. فتخلفوا عن حلف الفضول الذي نهض به بنوهاشم و حلفاؤهم، و هو الحلف الذي اتفق فيه نخبة من
رؤساء قريش «ليكونن مع المظلوم حتي يؤدوا اليه حقه، و ليأخذن أنفسهم بالتآسي في المعاش و التساهم في المال، و ليمنعن القوي من ظلم الضعيف و القاطن من عنف الغريب» و اتفقوا علي هذا الحلف لأن العاص ابن وائل اشتري بضاعة من رجل زبيدي و لواه بثمنها، فنصروا الرجل الغريب علي القرشي و أعطوه حقه...
و لما تنافر عبدالمطلب و حرب بن أمية الي نفيل بن عدي، قضي لعبدالمطلب و قال لحرب:
أبوك معاهر و أبوه عف
و ذاد الفيل عن بلد حرام
يشير الي فيل أبرهة الذي أغار به علي مكة. و قال عن أمية انه «معاهر» لأنه كان يتعرض للنساء، و قد ضرب بالسيف مرة لأنه تعرض لامرأة من بني زهرة. و كان له تصرف عجيب في علاقات الزواج و البنوة، فاستلحق عبده ذكوان و زوجه امرأته في حياته، و لم يعرف سيد من سادات الجاهلية قط صنع هذا الصنيع.