بازگشت

نافع بن هلال الجملي


هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي، كان نافع سيّداً شـريفاً سرياً شجاعاً، وكان قارئاً كاتباً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وحضر مـعـه حـروبـه الثـلاث فـي العـراق وخـرج إلي الحـسـيـن عليه السلام فـلقـيـه فـي الطـريـق وكان ذلك قـبـل مـقـتـل مـسـلم، وكـان أوصـي أن يـتـبـع بـفـرسـه المـسـمـّي بالكامل، فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه الذي ذكرناهم.

قـال ابـن شـهـرآشـوب: لمـا ضـيـّق الحـر عـلي الحـسـيـن عليه السلام خـطـب أصـحـابـه بـخطبته التي يقول فيها: (أمّا بعد، فقد نزل من الأمر ما قد ترون وأنّ الدنيا قد تنكرت وأدبرت) إلخ. قـام إليـه زهـيـر فـقـال: قـد سـمـعـنـا هـداك اللّه مـقـالتـك إلخ. ثـمّ قـام نـافـع فـقـال: يـابـن رسـول اللّه أنـت تـعـلم أنّ جـدّك رسـول اللّه صلي الله عليه وآله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته، ولا أن يرجعوا إلي أمره ما أحب، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر، ويضمرون له الغـدر يـلقـونـه بـأحـلي مـن العـسـل، ويـخـلفـونـه بـأمـر مـن الحـنـظـل حـتـّي قـبـضـه اللّه إليـه، وأنّ أبـاك عـليـّاً قـد كـان فـي مـثـل ذلك، فـقـوم قـد أجـمـعـوا عـلي نـصره، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين، وقوم خـالفـوه حـتـّي أتـاه أجـله ومـضـي إلي رحـمـة اللّه


ورضـوانـه، وأنـت اليـوم عـنـدنـا فـي مـثـل تـلك الحـالة، فمن نكث عهده وخلع نيته فلن يضرّ إلاّ نفسه واللّه مغن عنه، فسر بنا راشداً مـعـافـي مـشرقاً إن شئت وإن شئت مغرباً، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، ولا كرهنا لقاء ربّنا، فـإنّا علي نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك [1] ثمّ قام برير فقال ما تقدّم في ترجمته.

وقال الطبري: منع الماء في الطف علي الحسين عليه السلام فاشتدّ عليه وعلي أصحابه العطش، فدعا أخاه العباس، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وأصحبهم عشرين قِربة، فجاؤ ا حتّي دنـوا مـن المـاء ليـلاً واسـتـقـدم أمـامـهـم بـاللواء نـافـع بـن هـلال فـحـسّ بـهـم عـمـرو بـن الحـجـاج الزبـيـدي ـ وكـان حـارس المـاء ـ فـقـال: مـن؟ قـال: مـن بـنـي عـمـّك، فـقـال: مـن أنـت؟ قـال: نـافـع بـن هـلال، فـقـال: مـا جـاء بـك؟ قـال: جـئنـا نـشـرب مـن هـذا المـاء الذي حـلأتـمـونـا عـنـه، قـال: إشـرب هنيئاً، قال: لا واللّه لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان ومن تري من أصحابه، فَطَلعوا عليه، فقال: لا سبيل إلي سقي هؤلاء، إنّما وُضِعنا بهذا المكان لنمنع الماء، فلمّا دنا أصـحـابـه مـنـه قـال: إمـلأوا قـربـكـم، فـنـزلوا فـمـلأوا قـربـهم، فثار عمرو بن الحجّاج وأصـحـابـه، فـحـمـل عـليـهـم العـبـّاس بـن عـلي عليه السلام ونـافـع بـن هـلال الجـمـلي فـفـرّقـوهـم و أخـذوا أصـحـابـهـم، وانـصـرفـوا إلي رحـالهـم، وقـد قتلوا منهم رجالاً [2] .

وقـال أبـو جعفر الطبري: لمّا قُتل عمرو بن قرظة الأنصاري جاء أخوه علي وكان مع ابن سعد ليـأخـذ بـثـأره فـهـتـف بـالحـسـيـن عليه السلام ـ كـمـا سـيـأتـي فـي تـرجـمـة عـمـرو ـ فـحـمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ [3] .


ثمّ جالت الخيل التي منعت عليّاً فردّها نافع عن أصحابه وكشفها عن وجوههم.

وحـدّث يـحـيـي بـن هـانـي بـن عـروة المـرادي [4] أنـّه لمـّا جـالت الخـيـل بـعـد ضـرب نـافـع عـليـاً، حـمـل عـليـهـا نـافـع بـن هلال فجعل يضرب بها قدماً وهو يقول:



إن تنكروني فأنا ابن الجملي

ديني علي دين حسين بن علي



فقال له مزاحم بن حريث: إنّا علي دين فلان، فقال له نافع: أنت علي دين الشيطان، ثمّ شدّ عـليه بسيف، فأراد أن يولي ولكن السيف سبق، فوقع مزاحم قتيلاً، فصاح عمرو بن الحجّاج أتدرون من تقاتلون، لا يبرز إليهم منكم أحد.

وقـال أبـو مـخـنـف: كـان نـافـع قـد كـتـب اسـمـه عـلي أفـواق نـبـله، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول:



أرمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها أخفاقها



ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها



فقتل اثني عشر رجلاً من أصحاب عمر بن سعد سوي من جرح حتّي إذا فنيت نباله، جرّد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول:



أنا الهزبر الجملي

أنا علي دين علي



فـتـواثـبـوا عـليـه وأطـافـوا بـه يـضـاربـونـه بـالحـجـارة والنـصـال حـتـّي كـسـروا عـضـديـه، فـأخـذوه أسـيراً، فأمسكه الشمر بن ذي الجوشن، ومعه أصـحـابـه يـسـوقـونـه حـتـّي أتـي بـه عـمـر بـن سـعـد، فـقـال له عـمـر: ويـحـك يـا نـافـع مـا حـمـلك عـلي مـا صـنـعـت بـنـفـسـك! قـال:إنّ ربـّي يـعـلم مـا أردتُ، فـقـال له رجـل وقـد نـظـر الدمـاء تسيل علي لحيته: أما تري ما بك؟ قال: واللّه لقد قتلت منكم اثني عشر رجلاً سوي من جرحت وما ألوم نـفـسـي عـلي الجـهـد، ولو بـقـيـت لي عـضـد وسـاعـد مـا أسـرتـمـونـي، فـقـال شـمـر لابـن سعد: اقتله


أصلحك اللّه! قال: أنت جئت به، فإن شئت فاقلته فانتضي شـمـرسـيفه، فقال له نافع: أما واللّه لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقي اللّه بدمائنا فـالحـمـد للّه الذي جـعـل منايانا علي يدي شرار خلقه، ثمّ قتله [5] رضوان اللّه عليه ولعنته علي قاتليه.

وفيه أقول:



ألا ربّ رام يكتب السهم نافعاً

ويعني به نفعاً لآل محمد



إذا ما أرنت قوسه فاز سهمها

بقلب عدو أو جناجن معتد



فلو ناضلوه ما أطافوا بغابه

ولكن رموه بالحجار المحدد



فأضحي خضيب الشيب من دم رأسه

كسير يد ينقاد للأسر عن يد



وما وجدوه واهناً بعد أسره

ولكن بسيما ذي براثن ملبد



فإن قتلوه بعدما ارتث صابراً

فلا فخر في قتل الهزبر المخضد



ولو بقيت منه يد لم يقد لهم

ولم يقتلوه لو نضا لمهنّد



(ضبط الغريب)

ممّا وقع في هذه الترجمة:

(نـافـع): يـجـري عـلي بـعـض الألسـن ويـمـضـي فـي بـعـض الكـتـب هلال بن نافع وهو غلط علي ضبط القدماء.

(الجـمـلي): مـنـسوب إلي جمل بطن من مذحج. ويمضي علي الألسن، وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح.

(حلأتمونا): يقال حلأ الناقة عن الورد، أي: منعها وذادها عنه.

(أفواق): جمع فوق بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم.


(أخـفـاق): الصـرع يـقـال: أخـفـق زيـد عـمـراً فـي الحـرب أي صـرعـه، فـكـان النبل يجري بها الصرع.

(الرشاق): جمع رشيق وهو السهم اللطيف. (الإشفاق): الخوف.

(ناضلوه): راموه بالسهام. (براثن): جمع برثن كقنفذ وهو مخلب الأسد.

(الملبد): الأسد ذي اللبد. (المخضد): المكسر. (نضا): جرّد.


پاورقي

[1] لم أعثر عليه في المناقب، راجع البحار: 44: 381.

[2] تاريخ الطبري: 3: 312.

[3] تاريخ الطبري: 3: 324.

[4] لاحظ ترجمته في تهذيب الکمال 32: 18، تحت رقم 6936.

[5] تـاريـخ الطـبـري: 3: 328 بـتـفـاوت فـي النقل وسقط في بعض العبارات.