بازگشت

يوم عاشوراء في اللغة و التاريخ و الحديث



المقدمة

وردنا سؤال من الجزائر حول الاساس الذي بني عليه بعض المسلمين اعتقادهم بصيام عاشوراء «يوم مقتل الحسين (ع) و أهل بيته و أصحابه الكرام » والاحتفال به كأحد أعياد المسلمين ؛ في الوقت الذي يحزن فيه شطر عظيم من المسلمين ، لاسيما من أتباع أهل البيت (ع) في جميع أنحاء العالم ، ويقيمون شعائر كبري تخليداً لذكري هذه الثورة المأساوية التي أراق فيها طغاة بني اُمية دماء العترة الطاهرة لنبي الإسلام العظيم محمد (ص) في أرض كربلاء المقدسة ، فما هو الحق في ذالك ؟

عاشوراء، علي وزن فاعولاء مختومة بالالف الممدودة ، و تصح ّبالالف المقصورة بلا همزة : عاشوري فهي صفة مؤنّثة لليلة العاشرة من الشهر القمري العربي ، و غلبت علي الليلة العاشرة من أول الشهورالقمرية العربية : محرم الحرام ، ولذالك لا يوصف بها اليوم فلا يقال : اليوم العاشوراء، وانما يقال : يوم عاشوراء بنحو الإضافة ، بحذف الليلة ،و التقدير: يوم ليلة عاشوراء، و الموصوف الليلة محذوف .

ولا ريب في استعمال الكلمة و اشتهارها في ليلة العاشر من محرم الحرام ذكري شهادة الإمام سيد الشهداء ابي عبدالله الحسين بن علي (ع) و قد نص اللغويون علي أنها «اسم إسلامي » «لم يعرف في الجاهلية »


و عليه فكيف نفسر ما جاء في الخبر؟

1ـ عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ،و كان رسول الله يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه و أمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه و من شاء تركه .

2ـ عنها قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، و كان النبي يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما نزل رمضان ، كان رمضان الفريضة . و ترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه .

وكانها عللت صومهم فيه بخبر آخر:

3ـ عنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ،و كان يوماً تستر فيه الكعبة ، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله: من شاء أن يصومه فليصمه ، ومن شاء أن يتركه فليتركه .

فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مر من نصوص اللغويين علي أن اسم عاشوراء اسم إسلامي لم يعرف في الجاهلية ؟ وإذا كانوا يصومونه لانه كان يوماً تستر فيه الكعبة ، فلماذا اضيف الي وصف الليلة «عاشوراء» كما مر؟ولم تكن الكعبة تستر في الليل قطعاً. أم هل وصفوا اليوم المذكر بصفة التأنيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا؟

و الجاهلية هي عهد ما قبل الإسلام ، فإذا كان النبي يصوم يوم عاشوراء في الجاهلية فلماذا تركه بعد الإسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركين فلماذا رجع اليه بعد الهجرة ؟ هذا ما روي عن عائشة و تلك هي التساؤلات التي تفرض نفسها بلا جواب شاف ٍ كاف ٍ.


و جاء في مجموعة ثانية

1ـ عن ابن عباس قال : قدم النبي المدينة فرأي اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال :

ما هذا؟ قالوا: هذايوم صالح ، يوم نجّي الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسي .

قال : انا احق بموسي منكم . فصامه و أمر بصيامه

2ـ عنه قال : إن النبي لما قدم المدينة كانوا يصومون يوماً «يعني يوم عاشوراء» فقالوا: هذا يوم عظيم ، وهو نجّي الله فيه موسي وأغرق آل فرعون ، فصام موسي شاكراًلله. فقال : انا اولي بموسي منهم . فصامه و أمر بصيامه .

3ـ عنه قال : لما قدم النبي المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسي وبني أسرائيل علي فرعون ، ونحن نصومه تعظيماً له . فقال رسول الله: و نحن أولي بموسي منكم . فأمر بصومه .

4ـ عنه قال : قدم النبي المدينة و اليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذايوم ظهر فيه موسي علي فرعون . فقال النبي لاصحابه : انتم أحق بموسي منهم ، فصوموا.

5 ـ عنه قال : لما قدم رسول الله المدينة و اليهود تصوم عاشوراء،فسألهم ، فقالوا: هذا اليوم الذي ظهر فيه موسي علي فرعون . فقال النبي :نحن أولي بموسي منهم .

6ـ عن أبي موسي الاشعري قال : دخل النبي المدينة و إذا اُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه ، فقال النبي : نحن أحق بصومه ، فأمر بصومه .

7ـ عنه قال : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً، فقال النبي : فصوموه أنتم .

هذا ما روي عن ابن عباس وابي موسي الاشعري من قبل المسلمين ،وليس فيه ان اليهود كانوا يسمّونه عاشوراء، فلعلّه كان صوم اليهود إذ ذاك موافقاً لليوم العاشر من المحرم . فما واقع الحال عند اليهود قديماً و اليوم ؟

جاء في دوائر المعارف البريطانية والانجلزية . والفرنسية والالمانية :ان احتفال اليهود بنجاة موسي وبني اسرائيل يمتد سبعة ايام وليس يوماً واحداً فقط .

امّا صوم اليهود: فهو في اليوم العاشر، ولكنه ليس العاشر من المحرم ،بل من شهرهم الاول : تشري ، ويسمونه يوم «كيپور» أي يوم «الكفارة »و هو اليوم الذي تلقي فيه الاسرائيليون اللوح الثاني من الواح الشريعة العشرة ، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون ، بل بعد نجاتهم من فرعون ، وميقات موسي (ع) وابتلائهم بعبادة العجل الهاًلهم ، ورجوع موسي من الميقات اليهم ، و إعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض ، وبحصولهم علي العفو من رفقائهم ؛ و لذلك فقد خصّص اليوم قبل «كيپور» بتبادل العفو فيما بينهم ، وخصّص يوم «كيپور» للصيام و الصلاة و التأمل كأقدس ايام اليهود.

والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمرية ، و لذلك فعدد ايام السنة في السنوات العادية 355 أو 354 أو 353 يوماً. ولكنهم جعلوا سنواتهم شمسية بشهور قمرية ، ولذلك فلهم سنوات كبيسة ، ففي كل ّ سنة ٍ كبيسة يضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع ، و يكون نيسان السابع الشهر الثامن ، وعليه تكون ايام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383 يوماً.

هذا هو التقويم اليهودي المستعمل لديهم قديماً و حتي اليوم ، ولم ينقل عنهم اي تقويم غيره . وتلك احتفالاتهم بنجاتهم من الفراعنة تمتداُسبوعاً لا يوماً واحداً فقط .

وليس لهم فيه يوم صوم . ولهم يوم صوم هو يوم عيد «كيپورهم » العاشر من شهرهم الاوّل تشري ، ولكنه يوم كفارتهم و قبول توبتهم ،و ليس يوم نجاتهم من الفراعنة . ولا ننكر وقوع توافق بين تقويمين في زمان ما، ولكنه قد يقع في سنة واحدة فقط بعد عشرات بل مئات السنين ،وعلي فرض وقوع توافق بين يوم «كيپور» العاشر من شهر تشري ، وبين يوم عاشوراء العاشر من شهر محرم الحرام بعد تسعة أشهر من قدوم النبي (ص) الي المدينة ، فلماذا لم يذكر يوم «كيپور» و إنما اطلق عليه يوم عاشوراء؟ وما وجه إطلاق استحباب صوم يوم عاشوراء العربي الاسلامي عوضاً عن عيد «كيپور» العبري اليهودي ، مع القول باولوية النبي و المسلمين من اليهود بموسي (ع)، مع أن نجاته وإياهم لم تكن لا في عيد«كيپور» و لا في يوم عاشوراء؟


ويلا حظ بخصوص خبري ابي موسي الاشعري

إنه في الاول يقول : «واذا اُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء و يصومونه ، فقال النبي : نحن احق ّ بصومه . فأمر بصومه » بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء و صومه ، ولا ذكر لوجه أحقية المسلمين بصومه .

وفي الثاني يقول : «كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً. قال النبي :فصوموه أنتم »

بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء، عيداًعندهم ، ولا ذكر لوجه أمره (ص) بصومه ، وكأنه يقابل بين الامرين : بين صوم المسلمين فيه وعدّه اليهود عيداً، دون الاولوية .

ويلا حظ في الخبرين أمران آخران أيضاً:

الاوّل : قال في الاوّل : «وإذا اُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء، و قال في الثاني :

«كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً» فعلّق وصف العيد و تعظيم اليهود علي يوم عاشوراء، ولا وجه لذلك . وقد مر نص اللغويين علي انّه اسلامي لم يعرف في الجاهلية أي قبل الإسلام ، وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام ؟

الثاني : انّه قال في الثاني : «قال النبي : فصوموه أنتم » وقال في الاوّل :«فقال النبي : نحن أحق ّ بصومه . فأمر بصومه » وجوباً أم استحباباً؟ و ظاهرالامر الوجوب كما قالوا: وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدي هذا الامر الي متي كان أو يكون ؟ و كذلك تخلو منه أخبار ابن عباس .

وذكرت المدي أخبار عائشة : «فلما فرض الله رمضان قال رسول الله:من شاء أن يصومه فليصمه ، ومن شاء أن يتركه فليتركه ».

و قد ذكروا بلا خلاف أن فرض الله صيام شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة الثانية للهجرة ، أي انه (ص) لم يكن بين هجرته و بين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء يوم واحد، واذا كان قدأمر بصيامه مواساة لموسي (ع) شكراً لنجاته علي قول يهود المدينة له بعد هجرته جواباًعن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء، اذن فعاشوراء الاُولي قد مضت ، ولم تأت الثانية ليصوموا يومها؛ حتّي نزل القرآن بفرض رمضان ، فما معني : «كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان »؟

وكذلك ما عن عائشة أيضاًقالت : كان عاشوراء يصام قبل رمضان ؛فلمّا نزل رمضان من شاء صام و من شاء أفطر وعنها قالت : كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر وكأنه أمر بالصيام فقط و لم يصوموه .

وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمن انّه سمع معاوية بن أبي سفيان علي منبر يوم عاشوراء عام حج يقول : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله يقول : هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم و من شاء فليفطر فهذا يتضمن تنكراً لصيام قريش في الجاهلية ، ولصيام اليهود كذلك ،وينص ّ من أوّل يوم علي الندب و الاستحباب دون الوجوب . ولكن يلاحظ عليه أمران :

الاوّل : انّه يتضمن اعترافاًبعد علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله!

الثاني : أفكان هذا قبل الهجرة ؟ أم بعدها؟ أم بعد فتح مكة ؟ فمتي سمعه معاوية ؟! واذا كان لليهود تقويم عبري يخصّهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمري ، واذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسي (ع) و بني إسرائيل من فرعون ، فلا يصح ما جاء في بعض كتب الحديث مما نسب الي رسول الله (ص) من أخبار في عاشوراء، تتضمن انّه يوم نجاة موسي وبني اسرائيل من الفراعنة فهو يوم عيد الخلاص ، و الي جانبه ذكريات اُخري منها: انّه يوم خلق الارض والجنة وآدم (ع) فهوعيد الخلق ، و هو يوم نجاة نوح من الغرق ، و نجاة إبراهيم من الحرق .

هذا، وقد روي الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي ، بسنده عن نصر بن مزاحم المنقري (م 212 هـ)عن عمربن سعد، عن أرطاة بن حبيب ، عن فضيل الرسان ، عن جبلة المكية قالت : سمعت ميثماً التمار يقول : «والله لتقتلن هذه الاُمة ابن نبيهافي المحرم لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، و أن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالي ذكره ، أعلم بذلك عهده الي مولاي و أمير المؤمنين صلوات الله عليه .

قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، وكيف يتخذ الناس ذالك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي (ع) يوم بركة ؟

فبكي ميثم ، ثم قال : سيزعمون - بحديث يضعونه - انه : اليوم الذي تاب الله فيه علي آدم (ع) و إنما تاب الله علي آدم في ذي الحجة .و يزعمون انّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح علي الجودي ، و إنّما استوت علي الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة .

و يزعمون انّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني اسرائيل . و إنّما كان ذلك في شهر ربيع الاوّل .

ويزعمون انّه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود. و إنما قبل الله توبته في ذي الحجة . و يزعمون انّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت . وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة .

ثم قال ميثم : يا جبلة ، اذا نظرت الي الشمس حمراء كأنه دم عبيط فاعلمي أن سيدك الحسين قد قتل .

ثم ان أخبار ابن عباس و أبي موسي الاشعري دلت علي : أن رسول الله سأل اليهود عن صومهم ذالك اليوم ثم قال : أنا - أو - نحن أحق - أو -أولي منكم - أو - منهم ، فصامه و أمر بصيامه . وليس فيها انّه أفاد من وحي الله أو من علمه الإلهي ، أي انّه اعتمد علي ما قال اليهود هنا، و قد قال الله تعالي : (ولكم في رسول الله اسوة حسنة ) فهنا سؤالان :

أولاً: هل يجوز للفقهاء أن يتاسوا برسول الله - علي زعم هذه

الاخبار - فيعتمدوا علي قول أهل الكتاب من اليهود و النصاري و المجوس بانّه عن أنبيائهم ؟

ثانياً: إن نصوص هذه الاخبار تعلّل صوم الرسول وأمره بصوم ذالك اليوم بأننا أحق أو أولي من اليهود بموسي (ع)، فهو حكم منصوص العلة كما يقول الفقهاء، و قياس الحكم المنصوص علي علته يجوّزه حتّي من لايجوّزه سائر أقسام القياس ؛ فهل يجوز لنا أن نأخذ بقياس هذه العلة المنصوصة هنا فنقول : كل ّ ماكان في الشرائع السابقة فنحن أحق أو أولي به فنفعله ؟ وإلاّ، فما وجه الفرق ؟

نعم ، في سبيل إطفاء شعلة عاشوراء، ودفن قضية كربلاء، لجأوا الي اختلاق أخبار؛ جعلوها أحاديث ونسبوها الي جدّ الحسين (ع)، ولكن عدم التنسيق في وسائل الإعلام لهؤلاء الحكام جعلها متخالفة متضاربة كما تبين أعلاه .

أجل ، أتوا بهذه الاخبار الملفّقة و الكثيرة العدد بغية دفن قضية كربلاء، قضية ما أعظمها وأعظم خطرها علي الإسلام ! ولكن فشلوا،و بقيت قضية كربلاء علي ما هي عليه ، استحلال دم الحسين بن علي (ع).

وقد أصاب الشريف الرضي في وصف هذا الامر اذ قال :



كانت مآتم بالعراق تعدها

اموية بالشام من أعيادها



جعلت رسول الله من خصمائها

فلبئس ما ادخرت ليوم معادها



نسل النبي علي صعاب مطيها

ودم النبي علي رؤوس صعادها



بل قال غير المعترف بإمامة الحسين (ع) أبوالعلاء المعري :



وعلي الافق من دماء

الشهيدبن علي ونجله شاهدان



فهما في أواخر الليل فجران

وفي اولياته شفقان



ثبتا في قميصه ليجيئا

الحشرمستعدياًالي الرحمان



بابن مستعرض الصفوف ببدر

ومبيد الاحزاب من غطفان




پاورقي






محمد هادي اليوسفي الغروي