بازگشت

ماتم عاشوراء



ماتم عاشوراء

في يوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، كان الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) علي موعد مع الشهادة، حيث جرت مواقف مأساوية علي الحسين (عليه السلام) وأصحابه، وكل من قرأ عن هذه المأساة ينبض بالحياة والأحاسيس لا يملك إلا أن يبكي لما جري، ويتحسر علي قتل الأطفال والشباب وهتك حرمات النساء، خصوصاً وان الضحية في هذا اليوم هو احد سيدي شباب أهل الجنة كما ذكر ذلك أبو سعيد الخدري في الترمذي.

إن يوم عاشوراء عبر التاريخ لم يكن يوماً طبيعيا، فقد جرت فيه الكثير من الأحداث، والتي منها دخول هولاكو مدينة بغداد الذي علي يده انقرضت الدولة العباسية في سنة 656 للهجرة.

لكن تبقي أحداث كربلاء هي خاتمة هذه الأحداث المهمة في التاريخ منذ ذلك الوقت. فهي مصيبة عظيمة حلت بالإسلام، ومنعطف قلب موازين ومواقف الكثير من المسلمين حتي يومنا هذا. صحيح إن ما جري هو مأساة جليلة وفي المصائب يجب علي الإنسان أن يحتسب لله تعالي، لكن في يوم عاشوراء اختلفت الموازين ولم يعد كافيا مجرد الاسترجاع والصبر، حيث يذكر التاريخ كيف إن أهل البيت (عليهم السلام) شجعوا علي عقد المآتم والنياحة وإظهار الحزن، وعلي هذا الخطي سار الموالين لهم إلي هذا اليوم بإحياء هذه الشعائر إذ لا ريب في جواز رثاء المؤمنين وخاصة الصالحين منهم لاصالة الإباحة وعدم الدليل علي الحرمة.

وينقل لنا التاريخ كيف انه لما توفي رسول الله (صلي الله عليه وآله) تنافس الصحابة في رثائه، حيث ينقل القسطلاني في (إرشاد الساري) في باب رثي النبي (صلي الله عليه وآله) إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) رثت أباها بأبيات تهيج الأحزان، ذكر منها هذين البيتين:



ماذا علي من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدي الزمان غواليا



صبت عليّ مصائب لو أنهــا

صبّت علي الأيام صرن لياليـــا



وينقل أيضاً إن متمم بن نويرة أكثر من تهيج الحزن علي أخيه مالك في مراثيه كما ذكر ذلك في (وفيات ابن خلكان) و(العقد الفريد) في ترجمة وثيمة بن موسي بن الفرات. فينقل إن متمم وقف مرة في المسجد وهو غاص بالصحابة، واتكأ علي طرفي قوسه أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح فأنشد:



نعم القتيل إذ الرياح تناوحت

خلف البيوت قتلت يا بن الأزور



وبكي حتي انحط من طرف قوسه، قالوا: فمازال يبكي حتي دمعت عينه العوراء، فما أنكر عليه في بكائه أحد، بل قال له عمر: لوددت أنك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا أخاك! واستحسن الصحابة والتابعون ومن بعدهم مراثيه في مالك، فكانوا يتمثلون بها إذا اقتضي الأمر ذلك، كما فعلته عائشة إذ وقفت علي قبر أخيها عبد الرحمن فبكت عليه وتمثلت بأبيات متمّم.

ومما ينقل عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) انه كان في مجلس مع جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان فقربه جعفر الصادق (عليه السلام) وأدناه، ثم قال: يا جعفر بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد؟ قال: نعم جعلت فداك. قال: قل. فأنشده:



ليبك علي الإسلام من كان باكيا

فقد ضيعت أحكامه واستحلـــت



غداة حسين للرماح دريئـــــــــة

وقد نهلت منه ا لسيوف وعلت



فبكي الإمام الصادق (عليه السلام) ومن حوله حتي صارت الدموع علي وجهه ولحيته ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدك الملائكة المقربون وإنهم لها هنا يسمعون قولك في الحسين، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر.

وينقل لنا التاريخ أيضا أنه في يوم عاشوراء أمر معز الدولة الديلمي أهالي بغداد بإغلاق المحلات والأسواق وإقامة مجالس العزاء علي الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وذلك في سنة 352 للهجرة.

وبهذا يتبين إن إقامة المآتم عموما وبالأخص مآتم عاشوراء كان أمرا معروفا عبر التاريخ، خصوصا إذا عرفنا إن الغرض من إقامتها هو التعرف علي الإسلام ونشر التدين بين الناس.

إن السبب في إقامة هذه المآتم في بقاع العالم المختلفة هو من أجل تذكير المسلمين والعالم بأهداف هذا الحدث التاريخي الإسلامي المهم.

إن الديانة المسيحية تحاول أن تنشر مأساة السيد المسيح وكيف انه صلب علي عمود حسب اعتقادهم، لان في نشر هذه المأساة اثر في النفوس واجترار لعاطفة الناس إليهم.

وكذلك يسعي اليهود لنشر مآسي الهولوكوست وأفران النار النازية كما يدعون، وقد أقاموا المتاحف في أنحاء العالم لهذا الغرض، لعلمهم إنهم يستطيعون بذلك أن يكسبوا تعاطف الناس لهم، ونحن المسلمين نملك أكبر زخم عاطفي بين أيدينا من أحداث عاشوراء نستطيع من خلاله أن نكسب العالم لنا، ففي كربلاء تجسدت أروع معاني التضحية وأقسي صور المأساة، فالأحداث تصور بالدموع مآسي الأطفال والنساء والرجال، والشباب والشيوخ، وكل علاقة إنسانية كالأبوة، الأمومة، والإخوة، والصداقة جميعها تجسدت في شخصيات كربلاء.

إن من يدرك هذا الكنز العاطفي المليء بالقيم السامية، لديه القدرة علي بعث النفوس إلي الخير والإسلام، فهل نستفيد من معطيات عاشوراء الخيرة؟

رجل دين كويتي: الشيخ يعقوب سلطان، جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 24 / 3 / 2002.


يعقوب سلطان